من الجزائر إلى السودان.. وما بعدهما: انتعاش الأمل بغد عربى أفضل..

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الثلاثاء 23 أبريل 2019 - 10:40 م بتوقيت القاهرة

لكثرة ما عشناه من خيبات الأمل وفواجع النكسات ومآسى الهزائم بتنا نخاف من تمنياتنا، ونصحو مع الفجر ونحن نستعيذ بالله من هول ما ازدحم ــ فى منامنا ــ من كوابيس تذهب بأحلامنا فى التغيير وفى غد جديد.

ذلك أننا نرفض واقعنا البائس الذى يرسخ فى نفوسنا الشعور بالعجز عن التغيير. معظم حكامنا أنصاف آلهة وأعوانهم أباطرة والشعوب قطعان من الغنم يقودها الجالس على العرش ومن حوله رجال بالسيوف مستعدون للفتك بكل من يتطاول على عزة السلطان أو حريمه أو غلمانه..

ننظر إلى خريطة «وطننا الواحد»، كما علمنا الآباء نقلا عن أجدادهم، فنجده قطعا متناثرة من «الدول»، جمهوريات وممالك وسلطنات وإمارات تحاصرها بالمهانة والعجز «دولة» زرعت فى قلب ذلك الوطن العتيد بالقوة ومعها الخيانة والتواطؤ الدولى، ويأس «الشعوب» المقتتلة والمتخاصمة بفعل فاعل والعاجزة، بالتالى، عن التغيير.

ها نحن الآن نعيش فرحة مكتومة ونحن نشهد الموجة الجديدة من الانتفاضات الشعبية العربية، بعنوان الجزائر، بداية، ثم السودان.. والرئيس فى كل من الدولتين، كان يرفض أن يغادر موقعه الفخم الذى وصل إليه بانقلاب على المؤسسات الدستورية، وفى غيبة الشعب عن القرار..
***
وللرئيسين المرفوضين إنجازات باهرة:

عبدالعزيز بوتفليقة تسبب، بفساد إدارته، فى إنهاك الجزائر وشعبها الذى يشهد له تاريخه بالصلابة والاستعداد لبذل الروح والدماء من أجل تحرير بلاده من ربقة الاستعمار الاستيطانى، الذى أنكر عليه هويته الوطنية «مفرنسة».. فقاتل كما لم يقاتل أى شعب آخر، مقدما مليونا من أبنائه شهداء من أجل التحرر واستعادة هويته الأصلية وأرضه ولغته ــ الأم وكرامته وحقه فى وطنه..

ولقد ماطل بوتفليقه قبل أن يقبل مضطرا أن «يتنازل» عن سلطة لم يكن يستطيع أن يمارسها، مكلفا الجيش الذى جاء به من «المنفى» فى أبو ظبى ونصبه رئيسا، بإدارة البلاد فى انتظار أن يقرر «الجيش»، مرة أخرى، من يريد لهذا المنصب السامى!

لكن ملايين الجزائريين ظلوا فى الشارع، يرفضون هذه الخديعة، ويطلبون استرداد حقهم الشرعى فى أن يختاروا رئيسهم بأصواتهم، وبحرية وليس بالأمر.

وما زال الشعب فى الشارع، مصرا على إنقاذ إرادته واستعادة حقه فى خلع النظام الديكتاتورى، وبناء مؤسساته الديمقراطية وانتخاب رئيسه الجديد، ممثلا شرعيا لشعب المليون شهيد..

والأمل فى أن يستجيب كبار الضباط الطامعين على الاحتفاظ بالسلطة فى أيديهم، لحق الشعب فى أن يختار رئيسه كعنوان لعهد جديد يقرر خط سيره بإرادته الحرة.

أما فى السودان فإن الفيلد مارشال عمر البشير ظل يرفض مغادرة الحكم، ويزور انتخابات «مجلس الأمة»، ويسجن كل من يخالفه من «رعاياه» وفيهم واحدة من أرقى النخب فى البلاد العربية قاطبة... ثم إن هذا الشعب له تجربته السياسية الغنية، وفيه أحزاب عريقة، وطنية وقومية وشيوعية، وتشارك النساء فى حياته العامة بدور فعال..

ولقد نزل الشعب بجماهيره العريضة إلى الشوارع فى العاصمة بشقيها الخرطوم والخرطوم بحرى، حيث يلتقى «النيلان» الأبيض والأزرق، ملوحة بأيديها العارية، وهتافها المميز، بضرورة إسقاط حكم الطغيان.
بعد أيام طويلة تحرك الجيش فقام بانقلاب على المارشال، وتولى السلطة واعدا باستيلاد «الديمقراطية» وإعادة السلطة إلى الشعب خلال عامين!!
وكان بديهيا أن يرفض الشعب هذه الخديعة، فاستمرت الآلاف المؤلفة فى تحركها محتلة الشوارع، هاتفة بإسقاط العسكر.. مما اضطر الجيش إلى القيام بانقلاب على الانقلاب أطاح بقائده وجاء برئيس الأركان بديلا. وظل الشعب على رفضه الحكم العسكرى، والمطالبة باستعادة حقه فى اختيار من يحكمه فى ظل نظام ديمقراطى يستحقه كثمرة لنضاله الطويل من أجل الحرية.
البعض يحاول استغلال الأوضاع البائسة التى فرضتها «دكتاتورية المشير» على هذه البلاد الغنية بأرضها الخصبة التى يرويها النيلان الأبيض والأزرق.. والتى أودى الحكم فيها بوحدة ترابها الوطنى فانفصل جنوبها عن الشمال منشئا دولة ثانية، برعاية «الدول» بالعنوان الأمريكى إذ استغلت واشنطن «استقلال» الأقلية الزنجية التى ابتدع لها «المبشرون» فجعلوها من البروتستانت، مع أن الناس هناك لم يعرفوا هذا المذهب، وظلوا بأكثريتهم مسلمين أو على دين أجدادهم الأقدمين.
***
هل من حق الشعوب المخضعة بالقوة لأنظمة ديكتاتورية، غالبا ما تجد حمايتها فى الغرب (الأمريكى أساسا أو البريطانى أو الفرنسى ومعها جميعا العدو الإسرائيلى) أن تخلع هذه الأنظمة المعادية لإرادتها، وأن تستعيد حقها فى إدارة شئون أوطانها وفق مصالحها، أم كتبت عليها المذلة والمهانة أبد الدهر؟!

إن أنظمة «الرجل الواحد»، وبانقلاب على «الشرعية القائمة»، وبغض النظر عن هوية الحكام، لم تقدم لهذه الأمة غير الهزائم والتخلف والفقر والعجز عن اللحاق بالركب الإنسانى، وظلت تعيش فى جحيم الهوان.

وبطبيعة الحال فإن الأنظمة الملكية والسلطانية والأميرية لا تحتاج إلى الديمقراطية، فالملك من عند الله يمنحه لمن يشاء، أو هو من عند «السيف» الذى يحظى بالدعم والإسناد من قوى الخارج، أو إنه «مصنع» تماما مثل «الدولة» التى نصب على رأسها فى بلاد بلا شعب، «صنعت» على عجل وبسبب من ثرواتها الطائلة من النفط والغاز.

ويروى الرواة أن رجل الأعمال اللبنانى الراحل، إميل البستانى، الذى كان بين أوائل من عرفوا أقطار الخليج (سلطنة عمان، والكويت، ومشيخة قطر، آنذاك) زارــ ذات يوم ــ دولة أو إمارة خليجية على متن طائرته الخاصة المزودة بزحافة تمكنها من الهبوط على الرمال، ومن دون الحاجة إلى مدرج. وقد ذهب فور وصوله للقاء «شيخ العود» ــ وهو اللقب الذى كان يطلق، آنذاك، على من غدوا بعد اكتشاف النفط والغاز ــ أصحاب السمو الأمراء، وجلس إليه يناقش معه بعض مشروعات الإعمار فيها.

ولقد لاحظ أن شيخ العود ضعيف النظر، ثم إنه يسعل باستمرار.. فقال له إنه سيحضر إليه من يعالجه حتى يشفيه. وهكذا جاءه، بالطائرة، من بيروت بطبيب عيون وآخر متخصص فى معالجة الزكام والنزلة الصدرية.

الطريف أن الشيخ رفض قبول «النظارتين» إلا إذا جاءه إميل البستانى بعشرين نظارة.. فجاء بها مستغربا، كما جاءه ببعض مشتقات البنسلين.. ولما زاره فى اليوم التالى وجده قد فرض على جميع من يجالسه من الشيوخ أن يضعوا نظارات على عيونهم حتى لا يعيبوا عليه أنه يضع نظارتين فوق عينيه.. كما طلب إليهم أن يجمعوا ما تيسر من الفقع (الفطر) بعدما أبلغه البستانى أن البنسلين يؤخذ من «الفقع!»

***
ليس سرا أن المواطن فى أربع؟؟؟؟؟؟؟؟ رياح الأرض فى شوق عميق إلى التغيير والخلاص من أوضاعه البائسة التى تجعله يعيش «ذليلا» فى ظل جبروت الاحتلال الإسرائيلى الذى لا يفتأ يترسخ فى فلسطين ويحاول التمدد إلى ما بعدها (الجولان السورى)، وكذلك الهيمنة الأمريكية التى تصادر إرادته وتطلعه إلى التغيير لبناء غده الأفضل.

من هنا استبشاره بهذه الانتفاضة الشعبية المباركة فى كل من الجزائر والسودان، وتمنيه أن ينجح هذان الشعبان العربيان العريقان فى النضال من أجل استعادة الهوية القومية والإرادة الحرة فى بناء الغد الأفضل.

فهذا المواطن العربى الذى يعيش فى قلب المهانة، يرى أن بلاده تتهاوى أمام زحف الهيمنة الأمريكية على قراره الوطنى الحر، فضلا عن الثروات التى توفرها أرضه، وهو طامح إلى التغيير الشامل الذى يعيد إليه حقوقه فى بلاده وفى بناء مستقبله بإرادته فوق أرضه الحرة.

لقد أنهكته الأنظمة الديكتاتورية، فأفقرته وأعجزته عن مقاومة ما يدبر لأوطانه من مؤامرات دولية أخطرها ما سماه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب «صفقة القرن»، والذى يرى فى العدو الإسرائيلى الشريك المثالى لتنفيذها برغم أنف العرب، وعلى حسابهم فى أوطانهم، وعلى حساب حق أجيالهم الجديدة فى مستقبل يليق بتاريخ الأمة وأمجادها الغابرة.

والأمل دائما فى الشعب، فهو السيد فى أرضه وعليها، وهو صاحب الحق الشرعى فى بناء غده الأفضل، ولو بالعرق والجهد الخلاق، والدم متى اقتضى الأمر بذل الدم..

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved