القومية المسيحية والحرب الأوكرانية

صحافة عالمية
صحافة عالمية

آخر تحديث: السبت 23 أبريل 2022 - 7:40 م بتوقيت القاهرة

نشرت صحيفة ذا واشنطن بوست مقالا بتاريخ 19 إبريل للكاتب إيشان ثرور، تحدث فيه عن دور رجال الدين الروس فى دعم حرب بوتين ضد أوكرانيا، وكيف يصوغون كل التحديات الجيوسياسية لروسيا فى إطار دينى من أجل حشد الشعب الروسى خلف حكومة بلادهم.. نعرض من المقال ما يلى.

فى أكتوبر 2015، نال التدخل العسكرى الروسى فى سوريا للدفاع عن نظام بشار الأسد مباركة من رجال الدين الروس. وأعلن البطريرك كيريل، وهو رجل دين بارز فى الكنيسة الأرثوذكسية الروسية والحليف المقرب للرئيس فلاديمير بوتين، أن العملية «قرار مسئول، باستخدام القوات العسكرية، لحماية الشعب السورى من ويلات استبداد الإرهابيين».
كما ذهب رئيس قسم الشئون العامة بالكنيسة إلى أبعد من ذلك حيث قال: «الحرب مع الإرهاب معركة مقدسة، واليوم ربما تكون بلادنا هى القوة الأكثر نشاطا فى العالم التى تحاربها».
بعد سبع سنوات، عاد كيريل ورجال دين آخرون ليلقوا خطبا حول دور بلادهم فى معركة مقدسة أخرى (الحرب الأوكرانية). ولا يهم أن العديد من الشعب الأوكرانى الذى يعانى تحت وطأة آلة الحرب الروسية هم رعايا كيريل، فهناك نحو 12 ألف أبرشية فى أوكرانيا تخضع للكنيسة فى موسكو. وبينما تشرع روسيا فى هجوم جديد واسع النطاق فى شرق أوكرانيا، أعرب كيريل عن «قلق ضئيل» بشأن حياة الملايين من الشعب الأوكرانى.
رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية أطلق أيضا خطابا أيديولوجيا عميقا مثل بوتين وصف فيه المعركة بأنها دراما دينية ووطنية، ومعركة وجودية بين الخير والشر، وصدام بين التقاليد والقيم والوحدة الروسية السلافية من جانب وبين التأثيرات الأجنبية المفسدة المتفاقمة على حدود روسيا من جانب آخر.
البطريرك كيريل قال فى خطبة يوم 6 مارس الماضى: «لقد دخلنا فى صراع ليس له أهمية مادية، بل أهمية روحية وغيبية». مدعيا أن الله كان يقف إلى جانب روسيا فى هذه الحرب. كما انتقد فى خطابه الليبرالية الغربية قائلا: «يوجد اليوم اختبار لهذا النظام العالمى الجديد، عالم الاستهلاك المفرط، عالم «الحرية» الزائفة. هل تعرفون ما هو هذا الاختبار؟ الاختبار بسيط للغاية وفى نفس الوقت مروع ــ إنه موكب المثليين».
قد يتساءل البعض وما علاقة المثليين بالحرب الدموية فى أوكرانيا. إلا أن كيريل صاغ لفترة طويلة التحديات الجيوسياسية الروسية فى هذه المصطلحات، أى أنه يصورها على أنها صراع بين روسيا المحافظة الفاضلة ثقافيا وبين الغرب الفاسد غير الأخلاقى. لقد عززت رسالته وساعدت فى تشكيل مشروع بوتين القومى لما بعد الاتحاد السوفيتى، وتضيف الآن بريقا من الشرعية للمجهود الحربى الروسى.
من جانبه، قال سيريل هوفورون، أستاذ الإكليسيولوجيا (علم الدراسات اللاهوتية المتعلقة بالكنيسة المسيحية)، والعلاقات الدولية، والحركة المسكونية (توحيد الكنائس) فى جامعة ستوكهولم: «يجب أن يكون لأى حرب أسلحة وأفكار.. فى هذه الحرب (الحرب الأوكرانية)، قدم الكرملين الأسلحة، وأعتقد أن الكنيسة تقدم الأفكار».
على كل حال، يعود الفضل لكيريل فى نشر العقيدة المعروفة باسم «روسكى مير» أو «العالم الروسى» والتى تعنى استحضار رؤية روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا كدولة واحدة توحدها التاريخ التأسيسى المشترك للاستيطان من قبل الفايكنج فولجا. والكثير من هذه الأحداث، بالمناسبة، وقعت فى أوكرانيا.
لذلك، تستخدم روسيا هذه العقيدة لإعادة تأكيد هيمنتها على الأراضى التى كانت تسيطر عليها خلال الإمبراطورية الروسية والاتحاد السوفيتى. وتبنى بوتين العقيدة فى خطاباته الأخيرة، مدعيا أن أوكرانيا لم تكن موجودة بالفعل كدولة منفصلة وانتمت تاريخيا إلى أراض بقيادة روسيا.
لم يقف دور كيريل عند هذا الحد بل حث أيضا الشعب الروسى صراحة على دعم حكومة بلادهم حتى تتمكن من «صد الأعداء، فى الخارج والداخل» رغم دخول حكم بوتين مرحلة قمعية فى الأسابيع الأخيرة، حيث وردت تقارير تفيد بفقدان العديد من القساوسة الروس لوظائفهم بعد إلقاء خطب تدعو إلى إنهاء الحرب ومعاناة الشعب الأوكرانى.
لكن إذا كان التدين غير الليبرالى الذى يدعم حكم الرجل القوى الاستبدادى جعل من بوتين شخصية مشهورة إلى حد ما بين الإنجيليين الأمريكيين واليمين الدينى، إلا أن المئات من الكهنة الأرثوذكس فى أوكرانيا وأماكن أخرى لم يكنوا أى احترام لكيريل، فأكثر من 320 رجل دين وقعوا على خطاب، الأسبوع قبل الماضى، يتهمون فيه كيريل بـ «الإلحاد» لإثارته للحرب ويطالبون بتقديمه أمام محكمة كنسية لإقالته. جاء فى الخطاب: «ارتكب كيريل جرائم أخلاقية بمباركته الحرب ضد أوكرانيا ودعمه الكامل للأعمال العدوانية للقوات الروسية على الأراضى الأوكرانية. من المستحيل بالنسبة لنا أن نبقى بأى شكل من أشكال خاضعين لبطريرك موسكو».
وبالفعل، أدت التوترات السياسية بين روسيا وأوكرانيا إلى انقسام داخل المجتمع الأرثوذكسى، حيث لم تعد بعض التجمعات الدينية تربط نفسها ببطريرك موسكو. كما أن رجال دين فى أماكن أخرى جعلوا كيريل مدركا لقلقهم. ففى مكالمة فيديو الشهر الماضى مع كيريل، حذر البابا فرانسيس من استخدام الصليب المسيحى لتبرير الغزو والحرب قائلا: «ذات مرة كان هناك حديث فى كنائسنا عن الحرب المقدسة أو الحرب العادلة، أما اليوم فلا يمكننا التحدث عن هذه الحرب بهذه الطريقة».

ترجمة وتحرير: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلى: هنا

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved