موعد حدده الشهداء

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الخميس 24 مايو 2012 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

لا ينبغى أن ننسى أن تحديد موعد الانتخابات الرئاسية لم يتم إلا بعد مظاهرات واشتباكات شارع محمد محمود، التى سقط فيها أكثر من أربعين شهيدا وثلاثة آلاف جريح. ذلك أنه بعد خمسة أيام من وقوع تلك الأحداث (فى 22 نوفمبر عام 2011) ظهر المشير محمد حسين طنطاوى وأعلن لأول مرة أن الانتخابات الرئاسية ستتم فى شهر يونيو 2012، وبعدها بوقت قصير أعلن رسميا أنها ستجرى فى 23 و24 مايو، تمهيدا لتسليم السلطة إلى المدنيين والرئيس الجديد فى 30 يونيو.

 

أهمية هذه الخلفية تكمن فى أمرين. أولهما أن دماء الشهداء هى التى دفعت المجلس العسكرى لتحديد موعد الانتخابات واختصار موعد تسليم السلطة إلى المدنيين، حيث كان التقدير الأولى أن تلك الترتيبات ستتم فى عام 2013. الأمر الثانى أنه إذا كان شهداء الثورة هم الذى دفعوا ثمن تحديد الموعد، فليس معقولا ولا مقبولا أن تستثمر الانتخابات لصالح أركان وأعوان النظام السابق الذين يحتلون موقعهم فى صفوف الثورة المضادة.

 

إن الذين شاهدوا مصر أمس، فى طوابير البشر الحاشدة التى تجمعت أمام لجان الانتخابات منذ طلوع الشمس، وقبل نحو ساعتين من بدء التصويت، لا يكاد يصدق أن هذه هى ذاتها مصر التى ملأها الضجيج والتجاذب والتراشق طوال الأشهر الماضية. إذ شئت فقل إن مصر التى احتشدت أمام لجان التصويت كان لها سمت مختلف عن تلك التى قدمتها وسائل الإعلام وملأت الفضاء خلال تلك الفترة. فمصر التى احتشدت أمام اللجان كانت تتلهف على تحقيق الحلم الذى استعادته الثورة حين قامت بتنزيله على الأرض. أما مصر التى ظهرت فى استوديوهات الفضائيات وأدارت منصات حلقات التجاذب والتراشق فإنها كانت تستثمر الثورة وتتقاسم منها الحظوظ والوجاهات، بل وتتنافس حول المواقع والأدوار.

 

فى طابور كبار السن وقفت. انضممت إليه قبل ساعة من موعد التصويت، ولاحظت أن الواقفين فيه أكثر من الذين انضموا إلى طابور الشباب. لم أجد ذلك غريبا فأصحاب المعاشات فى الدنيا كلها أصبحوا يمثلون كتلة تصويتية معتبرة يعمل لها حساب، إذ لديهم من الفراغ ما يمكنهم من الانخراط فى الأنشطة السياسية ولديهم من الاحتياجات ما يدفعهم إلى استخدام أصواتهم لتلبيتها. تولى بعض الشبان إعانة المسنين على الوصول إلى الطابور والتعرف على أرقامهم فى الجداول. وبعضهم قدم لهم كراسى لكى يجلسوا عليها، وبعض الصحف للاحتماء بها من حرارة الشمس.

 

خلال الوقوف اكتفى البعض بقراءة الصحف، فى حين انخرط آخرون فى الحديث عن الأوضاع فى مصر. أحدهم قال نريد أن نستريح ولم نعد نحتمل مزيدا من الفوضى. الثانى رد عليه قائلا: احمد ربك يا رجل فهذا الذى يحدث الآن لم نتوقع أن يمتد بنا العمر لكى نراه. الثالث قال لو نجح واحد من فلول النظام السابق فلا مفر من العودة إلى ميدان التحرير. علق الرابع قائلا: فال الله ولا فالك يا رجل. لا تذكرنا بما نريد أن ننساه. سألنى الخامس: هل تعتقد حقا أن المجلس العسكرى سيترك السلطة؟، وكان ردى أننا نحن الذين بوسعنا أن نحدد ما إذا كان عليهم أن يرحلوا، لذلك فإن السؤال يحتاج إلى إعادة صياغة. اقترب من آخر وسألنى، لماذا يسفهنا الإعلام ويحاول اتهامنا بالسذاجة والجهل، مدعيا أننا نمنح أصواتنا لمن يوزع علينا علب الزيت وأكياس الأرز والسكر. وطاعنا فى إدراكنا وقدرتنا على التميز بين الصالح والطالح. وكان ردى أن ذلك جزءا من الهرج السائد فى الساحة السياسية والإعلامية المصرية، ثم إن عناصر النظام السابق لا تزال لهم أصابعهم ومواقعهم فى منابر الإعلام والصحف المختلفة. سألنى آخر هل تعتقد أنه سيكون هناك تزوير فى الانتخابات، فقلت إن ذلك صعب إلى حد كبير، لكن إمكانية اللعب فى النتائج تظل واردة من الناحية النظرية. وفى هذه الحالة لا يكون هناك مبرر للتزوير. وإذا كان التزوير فى العهد السابق يتم لإنجاح أفراد بذواتهم، فأى تدخل فى الانتخابات هذه المرة ــ إذا حدث ــ فإنه سيكون لصالح قوى سياسية وليس أفرادا. وفى هذه الحالة فإن بعض الشر قد يكون أفضل من البعض الآخر.

 

لاحظت أن ثمة مجموعة من الشبان يتحدثون عن الديمقراطية والعقبات التى تعترض طريقها فى مصر، وسمعت من بعضهم أن المجلس العسكرى لن يترك السلطة بسهولة ولن يغادر إلا إذا اطمأن إلى أن المؤسسة العسكرية ستظل بعيدة عن الحساب والمساءلة. وعندما ألقوا على بعض الأسئلة حول الموضوع كان ردى أننا جئنا إلى هنا لكى نضع لبنات النظام الديمقراطى ولكى يصبح بمقدورنا أن نبدد تلك المخاوف والشكوك، وفيما نحن نتجادل سمعنا صوت عقيد فى القوات المسلحة يقول: اتفضلوا يا جماعة. وكل واحد يجهز رقمه فى الجداول، وإذا لم يكن معه الرقم فليبعث برسالة عبر هاتفه المحمول إلى رقم 5151 ويسجل رقمه القومى فيها. وسيصله الرد على الفور. فسكت الجميع وراح كل واحد يدبر أمره.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved