الفلسطينيون والأردنيون والعرب: تحدى البقاء

فيس بوك
فيس بوك

آخر تحديث: الخميس 23 مايو 2019 - 10:55 م بتوقيت القاهرة

نشر الكاتب الأردنى «لبيب قمحاوى» مقالا على صفحته على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك» تناول فيه تبعات صفقة القرن على العرب عموما وعلى الأردنيين والفلسطينيين بشكل خاص وضرورة رفض هذه الصفقة.

تدور الآن عجلة القوة الغاشمة والقَدَر اللئيم عكس آمال وحقوق وطموحات الفلسطينيين والأردنيين والعرب عموما. العويل والنواح على الأمجاد الغابرة والحسرة على واقع الحال لن يُجدى شيئا أمام جبروت القوة الغاشمة وأطماعها، ولن ينفع شيئا سوى المقاومة والإصرار والرفض وعدم القبول بأى شكل من أشكال الاستسلام والتفريط. واستسلام الحكام العرب لجبروت عجلة الظلم تلك لا تعنى ويجب ألا تعنى استسلام الشعوب. وأى محاولة من قبل الأنظمة لفرض ذلك الاستسلام على شعوبها يجب أن تُجابه بالمقاومة والرفض باعتبار الدعوة للاستسلام عدوانا على الشعوب نفسها وعلى آمالها وطموحاتها ومصالحها، وليست أمرا عارضا يمكن القبول به حتى ولو كان ذلك القبول عن مضض أو بالإكراه من الأنظمة الحاكمة.

***
الفلسطينيون والأردنيون هم الأكثر تعرضا من باقى العرب للآثار السلبية المباشرة لنتائج صفقة القرن. مفهوم الدولة الفلسطينية المستقلة ووجود الدولة الوطنية الأردنية كلاهما معرض للتهديد المباشر وخطر الإزالة أو التذويب. الفلسطينيون سينتهى بهم الأمر بدون دولة والأردنيون سوف يفقدون الدولة التى يعرفون كونها ستتحول إلى قناة لتصريف تبعات صفقة القرن وشوائبها. وإذا كان ذلك هو واقع الأمور، وهو كذلك، فلماذا القبول بتلك الصفقة سواء طوعا أو على مضض أو بالإكراه؟ الرد المنطقى الوحيد يتمثل فى قناعة الأنظمة بأن ما هو جيد للنظام هو بالضرورة جيد للوطن أى أن الأولوية الحاكمة هى مصلحة النظام وليس بالضرورة مصلحة الوطن فيما لو تضاربت تلك المصالح.

الحرب بالوكالة هو على ما يبدو ما نحن مقبلون عليه فى منطقة الخليج، والسلام بالوكالة هو ما نحن مقبلون عليه فى فلسطين والعالم العربى. أقصى ما يستطيع الإسرائيليون الحصول عليه هو سلام مع الأنظمة باسم الشعوب وهذا هو السلام بالوكالة. وفى هذه الحالة، فإن إسرائيل تنظر إلى الأنظمة كأداة لتأديب الشعوب وتدجين إرادتها ومنعها من التعبير عن رفضها. وهكذا يصبح التلاعب بمقدرات المنطقة جزءا من السلام بالوكالة بين الأنظمة العربية وإسرائيل. إن نقل حالة الصراع من صراع بين العرب وإسرائيل، إلى صراع بين العرب أنفسهم، وبينهم وبين أنظمتهم، سيجعل من إسرائيل القوة المرجحة فى هذا الصراع والقائدة فى المنطقة والإقليم.

***
أكثر ما يثير الخوف هو الاتفاق والتلاقى على الباطل. ففى حين يعتبر الجميع أن تلاقى الموقف الشعبى الفلسطينى والأردنى فى رفض صفقة القرن وما قد يترتب عليها هو أمر طبيعى ومنطقى، هنالك فى المقابل شك وخشية من تلاقى مماثل قى موقف قيادات البلدين من خلال اتفاق على الباطل أو تحديدا على ما قد يؤدى عمليا إلى القبول بصفقة القرن وذيولها.

الأردن فى وضع دقيق لأنه لن يستطيع أن يقبل بما يرفضه الفلسطينيون وإن كان يستطيع أن يرفض ما قد تقبل به السلطة الفلسطينية على اعتبار أن ذلك القبول قد يؤدى إلى تعريض مصالح الأردن الوطنية لأخطار جسيمة، بالإضافة إلى كونه يأتى منسجما مع ما يريده الشعب الأردنى والشعب الفلسطينى. أما السلطة الفلسطينية فلا سيادة لها على نفسها أو على الأرض الفلسطينية وسيادتها محصورة فى دورها الأمنى الذى يَفْتَرض بها تأديب الفلسطينيين ومعاقبتهم نيابة عن سلطات الاحتلال، فى حين أن شرعيتها مستمدة من اتفاقات أوسلو التى كرست الاحتلال واعترفت به. وهكذا فإن السلطة الفلسطينية التى تعتبر نفسها قائدة الشعب الفلسطينى غير مؤهلة أو مخولة لتمثيل الفلسطينيين والقضية الفلسطينية واتخاذ القرارات المصيرية نيابة عن الشعب الفلسطينى وباسمه. وانطلاقا من هذه الحقيقة على الأردن أن يكون حريصا على عدم الوقوع فى فخ القبول بما قد تقبل به السلطة الفلسطينية. الأردن يستطيع أن يرفض فيما لو رفضت السلطة الفلسطينية، ولكنه لا يستطيع القبول فيما لو قَبِلتْ لأن من سيدفع الثمن فى تلك الحالة هو الأردن والشعب الأردنى. لأن الأردن، لو قرر أن يكون طرفا فى صفقة القرن، فإن تبعات ذلك الموقف ستؤدى إلى كوارث على الأردن دون أى فوائد حقيقية سوى الحوافز المادية. الأردن مع أو بدون السلطة الفلسطينية لا يستطيع ولا مصلحة له بالموافقة على صفقة القرن أو حتى الاقتراب منها لأنه بالنتيجة سوف يدفع الثمن بطرق مختلفة حتى لو كان ذلك الثمن مغلَفا بالعوائد والاغراءات المالية.

المؤشرات العامة الخفية والعلنية تشير حتى الآن إلى توافر النية لدى الحكام العرب للانخراط فى صفقة القرن أو الاستسلام للضغوط المرافقة لها والهادفة إلى فرض الانخراط والقبول على جميع الأطراف. والهدف الخفى وراء ذلك هو سلامة الأنظمة واستمراريتها. وهذا المسار يجرى التمهيد لها بشكل حثيث اقتصاديا وأمنيا وسياسيا وبما قد يوصل الجميع إلى القناعة بأن لا خيار آخر أمامهم إلا القبول.

إن هذا المسار أقرب ما يكون إلى التواطؤ لأن النهاية معروفة والبداية هى تمهيد للوصول إلى النهاية وليس لمنعها ومنع حدوثها. الاحتلال يستطيع أن يفرض على الفلسطينيين أى مسار كارثى ولكنه لا يستطيع وبالرغم من جبروته، أن يفرض عليهم القبول به وبنتائجه، وإذا كان هذا هو واقع الحال، فلماذا يسعى الأردن نحو الكارثة؟

***
أهم ضحايا ما هو قادم يتمثل فلسطينيا بإغلاق ملف القضية الفلسطينية نهائيا عوضا عن حلها، وأردنيا بتمييع الدولة وتذويب صفتها الأردنية وتحويلها إلى بقعة جغرافية بدون هوية وطنية، وبالتالى يسهل عليها لعب دورها المرسوم كإسفنجة امتصاص لكل الشوائب التى سترافق صفقة القرن، خصوصا إذا ما رافق ذلك مساعدات وإغراءات مالية ضخمة تحفز الأردنيين والفلسطينيين على حد سواء على إجراء تلك المقايضة تحت ضغوط الحياة وسياسة الإفقار.

يد الأمن الحديدية والضاربة فى كل من الأردن وفلسطين سوف تكون العامل المساعد فى فرض ما هو قادم. وما قد يلاحظة الكثيرون الآن أن الجميع يتكلم عن ما هو قادم وكأنه قدر محتوم ولا أحد يناقش إمكانات ووسائل منع حدوثه!

معالم السطوة الأمنية على الصعيد الفلسطينى لم تبرح الساحة االفلسطينية منذ إنشاء السلطة الفلسطينية وتبنيها سياسة التعاون الأمنى مع سلطات الاحتلال. أما على الصعيد الأردنى فإن التنامى فى تعزيز قدرات الأجهزة الأمنية الأردنية والتلويح بنوايا استنفار تلك الأجهزة لقمع المعارضه قد أصبحت سياسة ملحوظة لا تهدف إلى حماية استقرار الأردن بقدر ما تهدف إلى احتواء ومنع المعارضة لسياسات النظام خصوصا تلك المرتبطة بالتمهيد للقبول بصفقة القرن والتعامل مع ذيولها.

الخطر الأكبر يتمثل فى استعمال خصوصية العلاقة الأردنية ــ الفلسطينية لتسهيل أمور واستحقاقات صفقة القرن. وفى هذا السياق فإن اللجوء إلى أساليب تهدف إلى استغلال خصوصية تلك العلاقة لتمرير سياسات واجراءات تهدف إلى تغيير معالم الهوية الفلسطينية والهوية الأردنية لصالح تهويد الأرض الفلسطينية يبقى هو الاحتمال الأخطر على كل من الأردنيين والفلسطينيين. وفى هذا السياق، فإن أخطر ما يمكن أن يحدث يتعلق بمصير الفلسطينيين إذا ما عادت إليهم جنسيتهم الأردنية فيما لو صدرت فتوى دستورية بإعتبار قرار فك الارتباط لعام 1988 غير دستورى وبالتالى إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل قرار فك الارتباط، مما يعنى أن يصبح سكان الضفة الغربية أردنيون دون الحاجة إلى ترحيلهم إلى الأردن ابتداء. وهذا يعنى تحولهم من مواطنين فى وطنهم إلى مقيمين أردنيين فى فلسطين مما يسمح للاحتلال بترحيلهم أفرادا أو جماعات إلى الأردن فى أى وقت ولأى سبب دون أن يحق لأحد أو حتى للمجتمع الدولى الاعتراض. وقد يكون فى إضعاف الدولة الأردنية وتذويب أردنيتها وشل مؤسساتها الدستورية العامة باستثناء المؤسسات الأمنية مدخلا مطلوبا ومناسبا للمرحلة المقبلة بهدف إضعاف أية معارضة ومقاومة أردنية شعبية لذلك المسار.

إن تذويب الشخصية الأردنية للأردن عملية مستمرة منذ عدة سنوات. ولا داعى لتوجيه الاتهام فى ذلك لأحد لأن المستفيد ليس شعبا بعينه بل النظام نفسه بهدف تعزيز قدرته على فرض ما يريد من سياسات بغض النظر عن موقف الأردنيين من تلك السياسات.
لم يبق الكثير مما يمكن أن يقال عن نوايا وخبايا الأنظمة وعلاقاتها بصفقة القرن سوى أن الشعوب تحمل الآن مسئولية حماية مصالحها ومصالح الأجيال القادمة من تعسف وأنانية الأنظمة الحاكمة وإفتقارها إلى الحاكمية الرشيدة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved