«الزن وسنينه»

هنا أبوالغار
هنا أبوالغار

آخر تحديث: الخميس 23 مايو 2019 - 10:55 م بتوقيت القاهرة

«ماما… عايزه أروح لنادين… حنشوف يا ندى…. بصى يا ماما وافقى لأنك عارفة إنى حافضل أزن لحد ما توافقى وفى الآخر حتوافقى»، حوار بينى وبين ابنتى الصغرى وهى فى العاشرة من عمرها. اكتشفت يومها كم هى واعية بسلاحها الذى تدربت على استخدامه منذ أن كانت رضيعة لا تتوقف عن البكاء أو الإلحاح إلى أن أستجيب لطلبها، وإذا رفضت تستمر فيه بدون توقف إلى أن ينتهى الأمر إما بأن أستجيب لطلبها أو أن أنفعل عليها وأفقد أعصابى فنشتبك معا فى صراخ لا معنى له. لكن مع الوقت تعلمت بعض الحيل التى ساعدتنى كثيرا عبر سنوات طفولتها هى وأختها.

الطفل يلح فى الأساس ليحصل على اهتمامنا، وكلنا لاحظنا أن الإلحاح يزيد من الصغار عندما نكون منشغلين عنهم، يتألق الطفل فى الزن ونحن فى وسط مكالمة تليفونية مهمة، أو ونحن على وشك أن ننتهى من كتابة تقرير صعب، أو ونحن نعد الطعام فى عجالة قبل موعد حضور الضيوف. يلح أيضا عندما نرفض له طلبا يراه هو مهما ولا يفهم سبب رفضنا له ولا يرى منا تعاطفا مع قضيته.

السر يكمن فى أن تكون كلمة «لا» عزيزة نادرة ثم قاطعة لا رجعة فيها. فلا معنى أن نطلب من طفل صغير شيئا ضد طبيعته بالنسبة لسنه، فالصبر ليس من سمات الطفولة، والوقت عند الأطفال يبدو أطول كثيرا من حقيقته. فأن نخرج مع طفل فى مكان عام ونطلب منه أن يبقى ساكنا جالسا فى هدوء شىء غير منطقى، الطفل يمل بسهولة، إذا أردته ساكنا فأعطه ما يلهيه، ورقة وألوانا، أو عروسة أو سيارة لعبة، فى السن الأكبر كتابا أو كوتشينة، وجود مثل هذه الأشياء فى شنطة الخروج بنفس أهمية وجود بامبرز أو ملابس بديلة أو أكل مناسب لسنه. والموبايل أو التابلت ليس حلا جيدا فى هذه الأوقات لأنه يغذى «إدمان الشاشة» والذى نعلم الآن أنه فى منتهى الخطورة فيما بعد ولا يصح أن نكون نحن الآباء من ساعدناه على التعود عليه. أما إذا فعل الطفل شيئا فيه خطورة أو سوء خلق فكلمة «لا» يجب أن تكون بلا رجعة وبلا تفاوض.

***
أن «نملأ وعاء الاهتمام» قبل أن تطلبها، بمعنى أننا فى بداية الخروج نلعب معها بلعبتها بعض الوقت، أو عندما نعود من العمل وقبل البدء فى إعداد الطعام أو تلقى المكالمة أو إنهاء التقرير نجلس معها ربع ساعة نعطيها اهتماما كاملا فنتكلم أو نلعب حسب سنها وحاجتها. ثم نخبرها بما سنقوم به وأنه مهم بالنسبة لنا وأننا نحتاج منها بعض السكون، هذا يجعلها أكثر رغبة فى الاستجابة لنا.

«إظهار التعاطف» مع قضيتها مهم، فنقول: «أتفهم أنك تريدين أن نقضى وقتا معا، وأنا أريد هذا أيضا، سأنهى عملى ونلعب معا». أو: «لن نستطيع أن نرى نادين اليوم لكنى أعدك أننا سنتفق على موعد قريب ونقابلها» ثم ننفذ وعدنا. أو «لن أستطيع أن أشترى هذه اللعبة لأنها غالية الثمن وإذا اشتريناها لن نخرج يوم الجمعة لأننى لا أستطيع أن أتكلف اللعبة والخروج».

أداة أخرى هى «المشاركة»، فى المطبخ نملأ الحوض بالماء النظيف وبعض الأطباق البلاستيك ويقف على كرسى يغسل الصحون بينما نحن نعد الطعام. أو يجلس بجوارنا فى الحجرة ونحن ننهى عملنا بينما نعطيه مهمة رسم لوحة بعينها (مكان زرناه، فيلم رأيناه معا) وعندما ينتهى من المهمة نثنى على الرسم ونعلقه فى مكان ظاهر ليتباهى به.

«إعطاؤهم خيارات» يجعلهم يشعرون بالمشاركة فى اتخاذ القرار، فالإنسان الذى يشترك فى اتخاذ قرارات تخصه أكثر رغبة فى تنفيذها: «تحب تشترى اللعبة ولا تخرج يوم الجمعة؟»، «تحب نلعب مع بعض الآن ولا نأكل ثم نلعب بعد الأكل؟».

وفى النهاية «الثناء» مهم: «شكرا أنك تركتنى أنهى عملى»، «كنت ممتازا اليوم عندما ساعدتنى فى تحضير السفرة وأنا أعد الطعام»، «كنت فخورة جدا بك اليوم ونحن فى النادى لأنك لم تلح أن نبقى بعد الموعد الذى اتفقنا عليه».

«الطفل مرآة لنا»: كم مرة زرنا أصدقاء ومللنا من كثرة إلحاح الأم أو الأب على طفلهما؟ تكرار الطلب خصوصا من المراهق يحمل رسائل كثير سلبية. فالمراهق يسعى إلى المزيد من الحرية فى اتخاذ القرارات وفى تسيير يومه وحياته، الإلحاح يخنقه ويجعله أكثر ميلا لمقاومة أو رفض طلبنا، كما أن الإلحاح يحمل رسالة «نقد» فمع المرة الثانية أو الثالثة لطلبنا تكون نبرة صوتنا لائمة، ومع الوقت تتحول علاقتنا مع أبنائنا إلى سلسلة من الأوامر والنقد والغضب المتبادل.

***
أحد الحلول هو «التخطيط»، نجلس معهم ونتفق على المهام المطلوبة خلال اليوم ونسمع منهم طلباتهم هم أيضا، وأفضل وقت لعمل هذا هو خلال الوجبة الأسرية سواء كانت الإفطار أو الغداء، ثم نرتب احتياجاتهم ورغباتنا بشكل عادل ومنطقى فيه فرصة لهم لترتيب الأولويات فيرون هم أن من المنطقى الانتهاء من الواجب قبل الذهاب إلى التدريب لأن عدم الانتهاء منه يعنى أنهم سيضحون مثلا بوقت التليفزيون قبل النوم حتى ينتهوا منه، هذا ليس وقتا ضائعا هذا تعليم لمهارة إدارة الوقت وهو جزء لا يتجزأ من التربية الإيجابية.

الحقيقة أن الإلحاح غير ناجح فى تربية الأطفال، فمثلا فيما يخص الزن لنظافة اليدين قبل الأكل فسيحتاج الطفل إلى تذكيرنا به كل وجبة، وإذا لم نتواجد بجانبه لن يهتم ولن يتذكر، إعطاء بعض الوقت للشرح أن الميكروبات تعيش على كل سطح نلمسه، وأننا عندما نفتح الباب فيدنا فى الأغلب عليها ميكروبات من سبقونا وقد لا يكونوا غسلوا أيديهم بعد استخدام الحمام أو بعد تنظيف أنفهم وبالتالى ستنتقل هذه الميكروبات إلى أكلنا... إلخ هذا الوصف التصويرى قد نراه مجهدا لكن صورته فى ذهن الطفل تثبت ويتذكرها عندما يكون بعيدا عنا، ويصبح غسل الأيدى أمرا منطقيا يسعى هو إليه بدلا من أن يكون أمرا يفعله فقط ليتخلص من «الزن».

«الزن» مُعْدٍ، والأسر التى بها أحد الأبوين يتمادى فى الإلحاح هى أسر عادة صوتها عال، وكلامهم كله أوامر وخلاف، ومتعة التواصل بين الأجيال ناقصة.

الاستماع، التعاطف، الشرح، الصبر من واجباتنا كآباء وأمهات مثله مثل أكلهم وملبسهم وتعليمهم. ولنتذكر أننا بعد دخول محطة قطار أو مطار ببضع دقائق نتوقف عن الاستماع إلى ما يقال فى الميكروفون ويصبح صوتا فى الخلفية لا نفسر كلماته، هذا هو بالضبط ما يحدث عندما نعيش مع شخص يلح طوال الوقت، أقترح أن نتوقف عن الزن وعن الاستجابة إليه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved