الهند مشدودة سياسيا بين إسرائيل والشعب الفلسطينى

صحافة عالمية
صحافة عالمية

آخر تحديث: الأحد 23 مايو 2021 - 7:35 م بتوقيت القاهرة

نشرت مجلة فورين بوليسى مقالا للكاتبين ساميت كانجيلى ونيكولاس بلاريل، تناولا فيه الصياغة الدقيقة للبيان الهندى حول العنف فى إسرائيل وغزة، حيث جاءت الصياغة مطمئنة لإسرائيل وفى الوقت نفسه خالية من أى استفزاز للعالم العربى وللهنود الداعمين لغزة... نعرض منه ما يلى:
قال تيرومورتى، الممثل الدائم للهند لدى الأمم المتحدة، إن الهند تدين «جميع أعمال العنف، وخاصة الهجمات الصاروخية من غزة». فى ظاهر الأمر، قد يبدو البيان وكأنه تعليق عادى يأتى بعد أيام من العنف فى إسرائيل وقطاع غزة.
لكن بالنسبة للمراقب/ة عن كثب للعلاقة بين الهند وإسرائيل، كان البيان مثيرا للاهتمام أكد كيف تطورت الشراكة الهندية الإسرائيلية منذ نهاية الحرب الباردة. فطوال الحرب الباردة، دعمت الهند بشكل لا لبس فيه القضية الفلسطينية وأبقت إسرائيل على مسافة مدروسة. لكنها فى هذا البيان خرجت عن طريقها مما يؤكد الصعوبة التى تواجه الدبلوماسية الهندية فى تحقيق التوازن بين الجانبين.
***
فى نوفمبر 1947، صوتت الهند ضد إنشاء دولة إسرائيل فى الجمعية العامة للأمم المتحدة. الأسباب معقدة، كانت متخوفة من مشاعر السكان المسلمين فى الهند، كما شعر بعض القادة الهنود أنهم لا يستطيعون المصادقة على دولة تأسست على أسس دينية، خاصة بعد فترة وجيزة من إنشاء باكستان باستخدام العنف.
عادت الهند واعترفت رسميًا بإسرائيل فى عام 1950، لكنها رفضت الدخول فى علاقات دبلوماسية كاملة مع الدولة الجديدة. لأنها اعتقدت أن مثل هذا الاعتراف سيضعها فى مواجهة مع الكتلة العربية فى حركة عدم الانحياز، التى ساعدت الهند فى تأسيسها. ظلت العلاقة بعيدة نسبيًا فى العقود التالية، على الرغم من العديد من المبادرات من إسرائيل، بما فى ذلك الدعم العسكرى للهند خلال حربى 1965 و1971 مع باكستان.
لكن فى أعقاب مؤتمر مدريد عام 1991 وما تلا ذلك من انفراج قصير بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، انتهزت الهند الفرصة فى 1992 من أجل إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل وفتحت سفارة فى تل أبيب.
منذ ذلك الحين، تطورت العلاقات الهندية الإسرائيلية بشكل مطرد، خاصة فيما تعلق بشراء الأسلحة، والتعاون فى مكافحة الإرهاب. كما تمتع رئيس الوزراء الهندى مودى ونظيره الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، بعلاقة وثيقة.
على الجانب الآخر، لم تتنصل ولم تعترف الهند بفلسطين. خلال نضال الهند من أجل الاستقلال عن بريطانيا، كانت الهند تدعم الشعب الفلسطينى، وهو الموقف الذى قاد الهند إلى دعم إنشاء دولة فلسطينية فيدرالية مستقلة فى الأمم المتحدة (مع ضمانات دستورية للأقلية اليهودية). ومع ذلك، بعد إنشاء دولة إسرائيل فى عام 1948 والصراع العربى الإسرائيلى الفورى الذى تلاه، كانت الهند حذرة للغاية فى تعاملاتها الدبلوماسية مع مختلف الكيانات التى أعلنت أنها ممثلة للشعب الفلسطينى. مثلا، قررت الهند عدم الاعتراف بحكومة عموم فلسطين فى عام 1948.
تغير هذا فى السبعينيات عندما طورت الهند علاقات قوية مع منظمة التحرير الفلسطينية. كانت أول دولة غير عربية تعترف بسلطة منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها «الممثل الشرعى والوحيد للشعب الفلسطينى». وفى عام 1975، تم إنشاء مكتب لمنظمة التحرير الفلسطينية فى نيودلهى، وتم إقامة علاقات دبلوماسية كاملة فى مارس 1980. كما كانت الهند أول دولة غير عربية تعترف بدولة فلسطين عندما تم إعلانها فى نوفمبر 1988.
لكن فى عامى 2015 و2016، امتنعت الهند عن دعم قرار ترعاه فلسطين فى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة فى جنيف لبدء تحقيق للمحكمة الجنائية الدولية ضد إسرائيل بشأن جرائم الحرب ارتكبتها خلال حربها على غزة فى 2014. رغم ذلك لم تتخل الهند عن دعمها لمنظمة التحرير الفلسطينية، واستمرت فى دعمها الدبلوماسى لحل الدولتين.
وعلى الرغم من أن حكومة مودى كانت علنية فى تعاملها مع إسرائيل أكثر من الحكومات السابقة، إلا أنها تؤكد على دعمها للسلطة الفلسطينية بانتظام. على سبيل المثال، فى عام 2017، دعا مودى الرئيس الفلسطينى محمود عباس إلى نيودلهى قبل السفر إلى تل أبيب. وبالمثل، قبل بضعة أسابيع من زيارة نتنياهو فى عام 2018، أيدت الهند أيضًا تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد إعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب من جانب واحد القدس عاصمة لإسرائيل، بحجة أن القرار يتعارض مع القانون الدولى وقرارات مجلس الأمن السابقة. وفى نوفمبر 2020، قررت الهند مضاعفة مساعداتها للاجئين واللاجئات إلى أربعة أضعاف لوكالة الأمم المتحدة المعنية بشئونهم. كما أنه ليس هناك شك فى أن شرائح الجمهور الهندى المنخرطة فى القضية الإسرائيلية الفلسطينية تظل متعاطفة تمامًا مع القضية الفلسطينية على الرغم من عدم وجود ولع خاص بحماس.
***
على هذه الخلفية، فإن البيان الهندى الأخير حول العنف فى إسرائيل وغزة يحتاج إلى تفكيك. الصياغة الدقيقة للغاية للبيان تعكس محاولات وزارة الشئون الخارجية الهندية خلق حالة من التوازن تجاه الجانبين الإسرائيلى والفلسطينى نظرًا للعلاقات الثنائية القوية بين الهند وإسرائيل فاختارت عدم ترك إسرائيل تفلت من مأزقها بالكامل من خلال إدانتها «لجميع أعمال العنف»، ولم تخفِ فى المقابل دور حماس فى إراقة الدماء.
لكن هناك عاملا آخر يلعب دوره: لا شك فى أن وزارة الشئون الخارجية كانت أيضًا مقيدة بشدة فى علاقاتها مع العالم العربى جيران إسرائيل المباشرين. لكن نظرا لأن أعدادا كبيرة من الهنود يعملون فى دول الخليج ولا تزال الهند تعتمد اعتمادًا كبيرًا على المنطقة للوصول إلى الهيدروكربونات والاستثمار، كان على الهند أن تعمل على تعزيز علاقاتها مع إسرائيل دون إبعاد الكثير من العالم العربى وهى المهمة التى أصبحت أسهل فى أعقاب اتفاقيات أبراهام.
باختصار، أخفى بيان وزارة الشئون الخارجية حسابات معقدة. فلا شك أن نيودلهى شعرت بأنها مضطرة للتوصل إلى صياغة من شأنها أن تطمئن شريكها الاستراتيجى، إسرائيل، دون استفزاز بلا داع للهنود المؤيدين للشعب الفلسطينى أو مشاعر أصدقائها فى العالم العربى. وسيحدد الوقت ما إذا كانت الهند قادرة على الاستمرار فى تحقيق هذا التوازن أم لا.
إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلى:

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved