أضرار إعفاء واردات الذهب من الجمارك على الاقتصاد المصري!

أكرم السيسى
أكرم السيسى

آخر تحديث: الثلاثاء 23 مايو 2023 - 8:00 م بتوقيت القاهرة

من المعروف، بل من المؤكد أن حكومات العالم المتقدم بما فيها أكبر الدول الرأسمالية تسعى وتبذل كل جهودها لمساعدة فقراء وأصحاب الدخول المتواضعة أو المتوسطة من شعوبهم، لأن هذه الطبقات هى الأولى بالرعاية نظرا لأن إمكانياتهم المالية قليلة، وكذلك أصواتهم غير مؤثرة، وذلك ربما لضعف تعليمهم، ولعدم حصولهم على مراكز مؤثرة فى مجتمعاتهم؛ إذن هم فى حاجة دائما لدعم من الحكومة خاصة إذا جار عليهم الأقوياء والأغنياء فى مجتمعاتهم، وبالتالى فى حاجة لحكومة تعمل على إصدار قرارات تعينهم على تخطى صعوبات الحياة اليومية مثل تخصيص برامج حماية اجتماعية لهم، وتخفيض أسعار السلع الأساسية أو إعفائها من الجمارك إذا كانت مستوردة من الخارج أو دعم أسعارها لتخفيض أثمانها حتى تصل للمحتاجين بأسعار فى متناول أيديهم، ولكن ما صدر أخيرا من قرارات من المسئولين فى مجالات السياسة النقدية والاقتصادية من إعفاء واردات الذهب من الجمارك للعائدين والعاملين فى الخارج مُخالف لهذا النهج!
مع أزمة نقص العملة الصعبة (الدولار واليورو...) الناتج عن قلة مواردها، بل ندرتها بسبب عدم مراعاة الأولويات فى الإنفاق، وبسبب ظروف عالمية طرأت على اقتصاد البلاد أدت إلى شبه انقطاع أهم موارد العملات الأجنبية من قطاع السياحة ــ على سبيل المثال ــ منذ أربع سنوات تقريبا، بدأت مع انتشار وباء كورونا فى 2019 الذى أدى إلى تعثر الاقتصاد العالمى، ومن بعده حرب روسيا / أوكرانيا فى 2022، أدى ذلك إلى ندرة العملات الصعبة التى تعتمد الدولة عليها فى شراء الاحتياجات الاستراتيجية فى الزراعة والثروة الحيوانية والمنتجات الصناعية مثل القمح والذرة والأعلاف والزيوت والأدوية والأجهزة المعمرة والسيارات ومكونات الصناعة...، وبالتالى أصبح للدولار وغيره من العملات سوق سوداء تباع فيها هذه العملات بأسعار أعلى من سعرها الرسمى فى البنك المركزى وفى البنوك الوطنية والأجنبية فى مصر!
ليست عوائد السياحة الضعيفة هى السبب الوحيد فى نقص موارد العملة الأجنبية للبلاد، ولكن تراجعت أيضا تحويلات المصريين العاملين فى الخارج ــ أحد أهم مصادر الدخل من العملة الأجنبية ــ بنسبة 23% أى تقريبا الربع، وذلك لأنهم وجدوا أن تحويلاتهم إلى مصر عن طريق البنوك ستحرمهم من أسعار العملات الأجنبية فى السوق السوداء، وعليه استغلت جماعات مشهورة بعدائها للوطن وريادتها لتجارة العملة بعمل مكاتب فى البلاد التى يعمل فيها المصريون بالخارج، فيقومون بشراء العملات الأجنبية من المصريين بالخارج بسعر السوق السوداء بالاتفاق مع مندوبين لهم فى مصر يسلمون لأهالى هؤلاء العاملين بالخارج المقابل بالجنيه المصرى، وبذلك يتم حرمان الخزانة المصرية من تحصيل العملات الأجنبية مما ضاعف من مشكلة التضخم الذى تعانى منه السياسة النقدية للبلاد!
وبالطبع، نتج عن ارتفاع سعر الدولار وانخفاض سعر الجنيه المصرى ــ بعد تعوميين ــ موجة كبيرة من التضخم، أى إن العملة المصرية أصبحت متوفرة بكمية كبيرة لا تتناسب مع مصادر دخلها أو منتجاتها المصدرة للخارج، دفع هذا التضخم كثيرا من المواطنين إلى تغيير سياساتهم الاستثمارية التى تتمركز فى إدخار أموالهم فى البنوك فى صورة شهادات استثمارية وودائع تساعدهم على القيام بمستلزمات الحياة اليومية التى تتزايد أسعارها بفعل هذا التضخم؛ فلقد وجدوا أن عوائد مدخاراتهم من الفوائد البنكية لم تعد تكفى لتعويضهم عن نسب التضخم المرتفعة الذى التهم ليس فقط مكاسبهم من البنوك، ولكن الأهم أنه خفّض من قيمة أموالهم بنسب كبيرة!
حوَّل المصريون أموالهم السائلة فى البنوك إلى استثمارات أخرى تحفظ لهم قيمة أموالهم التى تتناقص قيمتها فى البنوك، فانتعشت حركة الاستثمار فى العقارات، وراجت تجارة الذهب الذى يعتبره الكثيرون الملجأ الآمن لأموالهم، وعليه ارتفعت أسعار العقارات والذهب، وكان هذا فى صالح تخفيض نسب التضخم العالية لأنها سحبت الأوراق المالية المصرية من الأسواق، وخففت العبء على البنوك من الفوائد، ولكن فى المقابل قلَّت حركة التنمية فى غير مجالى العقارات والذهب، وكان أهم نتائجها السيئة ارتفاع نسب البطالة، وبالتالى انخفاض دخول الفقراء والأسر المتواضعة والمتوسطة الحال!
لم تتدخل الدولة وحكومتها فى دعم العقارت، أو دعم مستلزمات البناء مثل الحديد والأسمنت...، وتركتها لآليات السوق من العرض والطلب، وهذا موقف سليم وعاقل لأن أصحاب هذا النوع من الاستثمارات ليسوا فى حاجة لدعم من الحكومة باعتبار أن هذه الاستثمارات لأصحاب الأوضاع المالية المتيسرة، ولم تنسَ فى نفس الوقت تسهيل امتلاك الشباب للشقق عن طريق القروض العقارية، وإنشاء مدن كثيرة لمحدودى الدخل، وكان يجب على الحكومة أن تتبع نفس الموقف فى الاستثمار العقارى الحر مع أسعار الذهب حيث إنه ــ مثل العقارات ــ خاضع لقانون العرض والطلب، ولكن رئيس شعبة الذهب باعتباره المسئول عن تجارة وتجار الذهب فى مصر، رأى أن الأسعار ارتفعت ارتفاعا كبيرا، وأن المعروض تناقص، فاقترح أن يُسمح للعائدين من الخارج بدخول سبائك ذهبية بدون جمارك، والغرض من ذلك أن يكثُر العرض، وبالتالى يقل الثمن، هذا يُحسب للسيد رئيس شعبة الذهب لأنه يحمى مصالح مهنته، ويأمل بحدوث رواج فى هذه التجارة، فتكثر مكاسب أصحاب هذه المهنة!
• • •
ولكن السؤال المطروح، ماذا سيكسب الاقتصاد المصرى؟ وماذا سيعود ذلك بالنفع على عامة الناس فى حال تطبيق هذه الفكرة التى صدر بها قرار من الحكومة باعتمادها؟، مع العلم بأن الاتجار فى الذهب لحفظ قيمة الأموال والممتلكات لا يخص إلا نسبة قليلة جدا من مواطنى الشعب المصرى، فهى نسبة ربما لا تتعدى العشرة فى المائة فى أحسن الأحوال، أما بقية الشعب (90%) فهمُّه الأول الحصول على رغيف العيش المدعم، وكل المواد الغذائية بأسعار مخفضة! ماذا ستستفيد الطبقات الأخيرة من انخفاض أو ارتفاع سعر جرام الذهب، سواء أصبح بمائة جنيه أو بعشر آلاف جنيه؟، وهل مثل هذا القرار سيحقق أحلام الطبقات الفقيرة والمتوسطة بل وفوق المتوسطة التى تكاد تقترب من أن تصبح فقيرة؟
الإجابة بالتأكيد «لا»!، لأن قرار مجلس الوزراء بالسماح بدخول الذهب بدون جمارك للعائدين من الخارج والذى وصفه رئيس شعبة الذهب بأنه قرار ممتاز (بالنسبة له بالطبع ولزملائه العاملين فى هذا المجال) ، سيقلل مرة أخرى من تحويلات المصريين من الخارج، وسيصب فى نفس خانة منع دخول العملة الصعبة للبلاد ــ كما سبق القول فى حال التحويلات من الخارج بسعر السوق السوداء ــ لأن كل من لديه مدخرات إن خشى من تحويلها عن طريق مكاتب التحويل فى الخارج فسوف يجمدها بتحويلها لسبائك ذهبية، والأدهى من ذلك أن بعض الناس المقتدرين وعلى رأسهم تجار الذهب سيذهبون للخارج أو يُكلفوا عملاء لهم بشراء سبائك ذهبية ويعطونهم أثمانها إما بالجنيه المصرى فى مصر أو بالدولار الذى سيشترونه من السوق السوداء فى مصر أو من خارجها أيضا، وبهذا تتضاعف مشكلة نقص الدولار وتزداد أزمته!
وفى نفس السياق، ومع أزمة سوق السيارات، لو أن نقيب تجار السيارات طالب بالسماح للعائدين من الخارج بدخول سياراتهم بدون جمارك لتحقيق عرض أكبر من السيارات فى السوق والتى تباع الآن بالأوفر برايس، هل سيُصدر له مجلس الوزراء قرارا مماثلا لقرار إعفاء الذهب من الجمارك فيزيد العرض وتقل بذلك أسعار السيارات؟! أليس هذا تخريبا فى السياسة النقدية للبلاد لا ينتج عنه سوى حجب أو تقليل دخول العملات الصعبة للبنك المركزى المصرى بالطرق المشروعة؟
• • •
إن العلاج الحقيقى ــ من وجهة نظرنا المتواضعة ــ لنقص العملات الصعبة فى الوقت الحالى هو تعديل سعر هذه العملات برفع سعرها لتشجيع العاملين بالخارج للعودة لتحويل مدخراتهم من الخارج بالطرق الشرعية لبلادهم، أما ما دون ذلك فهو تحايل يدخلنا فى دائرة مفرغة لا ينتج عنها سوى مزيد من المشكلات التى يزداد تعقيدها مع مرور الوقت، لأن المسكنات لا يأتى منها إلا تفحُش المرض ومزيد من الاعتلال!
إن العملات الأجنبية لن تتدفق من جديد إلا بالعمل على زيادة الإنتاج المصرى فى الصناعة والزراعة والثروة الحيوانية والداجنة، وزيادة التصدير، وتشجيع تحويلات العاملين بالخارج بالسعر الحقيقى لها، والاهتمام بتحسين الخدمات السياحية، وبجذب الاستثمارات من الخارج...، فمع تدفقها ستنخفض بالتأكيد أسعار العملات الأجنبية، دون عمل استثناءات مثل القرار الوزارى الأخير بإعفاء واردات الذهب من الجمارك الذى سيضر بالاقتصاد الوطنى!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved