صيانة شاملة..!

وحيد حامد
وحيد حامد

آخر تحديث: الثلاثاء 23 يونيو 2009 - 9:05 م بتوقيت القاهرة

 صاحب العقل الراجح والمنطق السليم يقول لنفسه «ابعد عن الحزب الحاكم وغنى له»، والحزب الحاكم عندنا هو الحزب الوطنى الذى أخذ اسم الحزب الوطنى القديم الذى هو حزب مصطفى كامل. وقد كان حزبا رجعيا متشددا يؤمن بتبعية مصر إلى الخلافة العثمانية، أما الحزب الحالى، صاحب السلطة المطلقة والقوة المفرطة والذى يشرف بالانتماء إليه كبار رجال الأعمال والأخيار من رجال الفكر والسياسة، بالإضافة إلى خلاصة العمال والفلاحين وإن كنا نراهم على حقيقتهم باعتبارهم بشوات هذا الزمان.. أيضا الحزب الوطنى لديه كتائب إعلامية ضاربة قادرة على تدمير الخصم وصد أى هجوم، وهو الحزب الذى تمكن من قهر جميع الأحزاب وأوقف نموها فى الوقت الذى يرقص مع جماعة الإخوان، يقترب منها أحيانا ويبتعد عنها أحيانا.. وأغلب الأعضاء فى هذا الحزب يؤمنون بأن الصلاة مع الإخوان أنفع وأن الرزق فى الحزب الوطنى أوسع، وعليه فإن قلوبهم مع الإخوان ومصالحهم مع الوطنى.. وهكذا الدنيا تسير..!

وقد حاولت كثيرا أن أبتعد عن «الوطنى» ولا أحتك به إلا أننى لم أقدر.. حيث إن مقر الحزب الرئيسى فى طريقى وأراه كل صباح.. وسبحان الله.. دائما أجد نفسى مدفوعا للنظر إليه، ربما تكون عادة ريفية قديمة تأصلت فى وجدانى منذ الطفولة، حيث كلما ممرت «بمقام» لأحد أولياء الله الصالحيم نظرت إليه وانجذبت وقرأت الفاتحة لصاحب المقام.. بالأمس فقط أدركت الشىء اللافت للنظر فى مبنى الحزب الوطنى الحاكم.. الحالة المزرية والمؤسفة والبائسة لمقر حزب الأغلبية الساحقة من النظرة الأولى تدرك أنه مشروع خرابة بفضل الأتربة والأوساخ المتراكمة على حوائطه، قد يكون فى الداخل أروع وأبهى من الحزب الجمهورى فى أمريكا ولكنه من الخارج مهزلة ويعبر بصدق عن حال البلد.. وقد ينصحنى أحد الأوفياء ويقول لى ما شأنك بالحزب الوطنى.. خليك فى حالك، لأن المبدأ السائد فى هذا الحزب من ليس معنا فهو ضدنا.. ومن هو ضدنا فهو عدونا ومن يقاتل الوطنى يخسر حتى لو كان منتصرا..

ولأنى لست معه ولا مع غيره من الأحزاب.. أنا أقف فى المنطقة الخلاء التى تستقبل الأغلبية غير المنتمية إلى حزب أو جماعة أو جمعية.. ولابد للعقل أن يعمل.. حزب كبير ويضم الأكبار والأغنياء والأشداء وكل أصحاب شركات البناء والتعمير وتجار الحديد والأسمنت والبويات والمواد العازلة كلهم أعضاء بالحزب.. فلماذا الإبقاء على المقر بهذا الشكل المزرى.. قلت فى نفسى ربما الخوف من الحسد.. الحزب خايف يتحسد..؟! وبعد أن راجعت نفسى قلت ليس هناك ما يدعو إلى الحسد.. فإذا كان الحزب يهمل مقره ومستقره ويتركه فى مثل هذه الحالة من السوء فماذا هو فاعل بالنسبة لجميع المرافق الحكومية وغير الحكومية؟، ونتجاوز المرافق إلى كل مناحى الحياة ومشكلاتها فنجد أن الإهمال والتراخى والتقاعس وفى كثير من الأحيان البلادة، أمراض تمكنت من الواقع الذى نعيشه وأصبحت من الثوابت..

مهمة الحزب ــ أى حزب ــ ليس الحكم واحتكاره ولكن الدور الرئيسى للأحزاب هو العمل الشعبى المتواصل سواء كانت تحكم أو لا تحكم.. ولكن هذا الحزب بدلا من أن يكون الرائد ويبدأ بصيانة المبنى الخاص به والمطل على النيل حتى يكون قدوة ربما يحاكيها البعض وتصبح الدنيا أحسن حالا.. فإذا كان هذا الحزب هو المسئول عن صيانة مصر كلها لأنه الحزب الذى يحكم، فهل نثق به وحال المقر الرئيسى الخاص به على هذه الحال؟

صاحب العقل الراجح والمنطق السليم يدرك أن مصر كلها فى حاجة إلى صيانة شاملة بعد أن أصبح حالها من حال واجهة مقر الحزب الوطنى، وأن صيانة المبانى والعقارات هى الأسهل ولكن الأصعب هو صيانة الضمائر وصيانة العقول وصيانة البشر فى مصر بوجه عام وهذا ما لا يقدر عليه المقاولون وتلك هى المشكلة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved