عفاريت الحكومة

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الأربعاء 23 يونيو 2010 - 10:43 ص بتوقيت القاهرة

 أحد المواطنين كان يسير أمس الأول الاثنين بسيارته فوق كوبرى الجامعة.. ضابط شرطة لفت نظره أن زجاج السيارة «فيميه» أى يحجب رؤية من هو خارج السيارة لمن هو بداخلها.. ولأن ذلك ممنوع، فقد طلب من قائدها التوقف وسأله عن الرخصة. وحسب رواية الشرطة فإن صاحب السيارة الذى تبين أنه قاض امتنع عن تسليم الرخصة، وسب الضابط كما حاول إزالة الحواجز الحديدية. وتطور الأمر إلى مشاجرة، اعتدى فيها الاثنان على بعضهما البعض وهو ما تكرر بين محام وضابط فى نفس اليوم.

هذه هى الواقعة، أما السؤال فهو: ما الذى يدفع قاضيا ورجل قانون أن يفعل ذلك؟
طرح هذا السؤال بهدوء ومحاولة الإجابة عنه قد يكشف لنا جزءا كبيرا من أزمتنا بل مأساتنا التى نعيشها، وربما تكون سبب تخلفنا.

نفس السؤال يمكن تكراره على حوادث كثيرة شهدتها مصر فى الفترة الأخيرة منها مثلا لماذا أقدم المحاميان فى طنطا على ضرب مدير النيابة، وهل صحيح أن الأخير سبق له أن قام بضربهما، فى نفس اليوم؟!

وما الذى جعل رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى يتصرف بالطريقة التى تصرف بها فى قضية سوزان تميم؟
وكيف تجرأ سليمان عامر على بناء المساكن والفيللات الفاخرة بدلا من استصلاح الأرض وزراعتها؟!
وما الذى يدفع رجل الشرطة إلى التنكيل بأى مواطن بل وقتله أحيانا وهو واثق كل الثقة أن أحدا لن يمس شعرة فى رأسه؟!

وعكس ذلك ما الذى يجعل رجل الشرطة فى لحظات كثيرة عاجزا عن وقف أى متجاوز فى كمين خوفا من أن يكون «فلان بيه أو قريب علان باشا»!

وما الذى يجعل بعض الوزراء وكبار المسئولين ينسون تماما الفارق بين ثرواتهم الشخصية وأموال الشعب؟!
وكيف تتداخل الأمور المالية بين ميزانية حزب وميزانية أحد أعضائه؟!

تقديرى الشخصى المتواضع أن السبب الرئيسى فى انفجار أزمة المحامين والقضاة الأخيرة ومعها كل الوقائع السابقة ومثيلاتها هو غياب الدولة، وغياب هيبتها. ونتيجة لذلك اعتقد بعض الكبار والمتنفذين أنهم هم الدولة وأحيانا أنهم فوقها، وفى المقابل اقتنع بعض المظلومين والضعفاء والفقراء أنه لم يعد لديهم شىء يخسرونه، فقرروا فى لحظات كثيرة ان يطبقوا القانون بأنفسهم كما حدث عندما أطلق أحد القضاة النار على شخص قتل أولاد شقيقه قبل شهور.
السلطة متجبرة ومتوحشة عندما تريد ذلك خصوصا إذا تعلق الأمر بأمن النظام، لكنها ضعيفة ومفككة حينما يتعلق الأمر بتطبيق القانون والمساواة بين الجميع.

لسوء الحظ ان الحكومة لا تدرك أنها هى التى ستدفع الثمن فى النهاية.. لأنه عندما تشجع الآخرين على البلطجة وانتهاك القانون ضد الآخرين سينقلب الأمر عليها، كما سينقلب ضد هؤلاء ــ المتجبرين ــ إن آجلا أو عاجلا. ويتحول البلد إلى مجموعة جزر وقد لا نفاجأ بظهور ميليشيات وحواجز وممالك وإمارات.

وعلى الحكومة ألا تتفاجأ بأن العفاريت التى تربيها ستطلع لها فى يوم من الأيام فالمثل يقول «اللى يحضر عفريت يطلعله»!

ehussein@shorouknews.com

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved