الرئيس السيسى فى مواجهة النيران الصديقة

مصطفى كامل السيد
مصطفى كامل السيد

آخر تحديث: الإثنين 23 يونيو 2014 - 8:25 ص بتوقيت القاهرة

سوف أشارك الكثيرين من المواطنين آمالهم أن يكون انتخاب رئيس جديد لمصر فاتحة عهد تتحقق فيه بعض غايات ثورة يناير، حتى وإن كان الطريق إلى بلوغها كلها صعبا، وخصوصا فيما يتعلق بالعيش، الذى يعنى القضاء على البطالة والفقر، ولكن قد لا تكون هناك صعوبة كبرى فى تمتع المواطنين، كلهم، بالحرية والكرامة الإنسانية، وسوف أفترض أن أى حاكم لا يمكن أن يكون مسئولا فى أسابيع حكمه الأولى عما يقوم به بعض أنصاره، أو هؤلاء الذين يدعون أنهم أنصاره، فهو مشغول بالاستعداد لممارسة مهام منصبه الجديد، ولا يمكن أن يكون محيطا بكل ما تقوم به أجهزة الدولة، وربما لا يلقى بالا لكل ما تفعله افتراضا منه أنها لا يمكن أن تقوم بأمر يكون ضارا به، أو يسىء إليه فى علاقته بكافة المواطنين.

مصطفى كامل السيدمع ذلك أزعم أن بعض أجهزة الدولة، وبعض من تولوا المقاعد الوزارية أخيرا، وهم يعلنون ولاءهم للرئيس المنتخب يسيئون إليه من حيث لا يحتسبون، وهم يغامرون ببعض الأفعال والتصريحات، تصورا منهم أنهم إذا ما حانت ساعة الحساب والمساءلة، إن جاءت، فسيقولون أنهم فعلوا ما فعلوا وصرحوا ما صرحوا لخدمة الرئيس أولا وأخيرا.

•••

وسوف أبدأ بوزارة الداخلية، وأعترف مقدما بالتضحيات الهائلة التى قدمها جنود وضباط الداخلية فى الحرب التى يشنها عليهم وعلى الوطن هؤلاء الذين لا يرون سبيلا للإعراب عن الرأى سوى بحمل السلاح ضد غيرهم من أبناء الوطن، وقد استشهد من رجال الداخلية وعلى كافة المستويات كثيرون تحملوا عبء هذه المواجهة، ولا يملك أى مخلص لهذا الوطن إلا وأن يكن لهؤلاء الأبطال كل العرفان والتقدير. ولكن شاء بعض رجال الداخلية أن يواصلوا إتباع نفس الأساليب القديمة التى كنا نتصور أنهم وقد استعادوا قدرا من تقدير المواطنين لهم سوف يقلعون عنها، ولكنهم شاءوا أن يواصلوها ولم يمض على الرئيس المنتخب شهر بالكامل فى منصبه. وهكذا رأيناهم يصادرون نشرة حقوقية لم يسمع بها كثيرون هى «وصلة» بدعوى أن إصدارها يرقى إلى محاولة لقلب نظام الحكم، كما قاموا بحبس ناشطات نسائيات تظاهرن اعتراضا على ممارسات التحرش بدعوى أنهن كن يحملن لافتات مسيئة لوزارة الداخلية. لا أعرف ما إذا كان فى قوانين الجنائية مثل هذا التجريم لهتافات ترتفع فى المظاهرات، ولكن أتصور أن وزارة الداخلية سيكون صدرها رحبا لمثل هذه الهتافات وهى بلا شك على علم بفداحة هذه الاعتداءات على المصريات التى قفزت ببلدنا ليكون فيما سجلته وثائق دولية ثانى دول العالم فى مستوى التحرش الجنسى بعد أفغانستان. لا شك أن الرئيس المنتخب لم يعط أوامر بالقيام بهذه الانتهاكات لحقوق أساسية للمواطنين فيما أتصور، ولكنها سوف تحسب عليه إن استمرت.

وسوف أذكر فى هذا المقام أحكاما قضائية ليس لمناقشة جوهرها، ولكن لما يمكن أن ينتج عنها من استمرار الضغينة بين أبناء الوطن، وبما يحول دون استتباب الأمان فيه، وهو ما يتطلع نحوه كل المواطنين. لن أتحدث عن أحكام بالإعدام صدرت بحق مئات من قبل، وأعرف كل الحجج التى سيقت تبريرا لهذه الأحكام، ولكن الحكم الذى صدر منذ أيام بإعدام ثلاثة عشر من قيادات الإخوان المسلمين، وبدون حضور شهود الإثبات، لهو حكم لو تم تنفيذه فأخشى أن يدفع ثمنه الوطن بظهور أجيال من الشباب لا همَّ لها سوى الانتقام لهؤلاء الذين صدرت هذه الأحكام بحقهم. لا أعرف كيف سيتم التعامل مع هذا الأمر؟ هل تتخذ النيابة العامة المبادرة بطلب استئناف المحاكمة؟ وهل لنا فى هذه الحالة أن نطمع فى أن يضع قضاة الاستئناف نصب أعينهم ليس فقط ضرورة التيقن من استيفاء كافة مقتضيات العدالة وأن يحكموا ضمائرهم وكذلك تقديرهم لصالح الوطن. أعرف أنه حتى فى حالة المتهمين الجنائيين يصدر القضاة أحيانا أحكاما مخففة يرون فيها صالح المدعى عليه. ألا يقتضى صالح الوطن أن تسود فى حكم الاستئناف إن تم نفس الاعتبارات. أتمنى ألا يقنع البعض الرئيس المنتخب بأن صالح الوطن هو فى السير على نفس الطريق، وخصوصا أن نفس الأشخاص تنتظرهم محاكمات أخرى. أعرف أن القضاء فى وطننا مستقل عن السلطة التنفيذية، ولكن أتمنى أن يجد الرئيس طريقا آخر يجنب الوطن مخاطر استمرار الإرهاب المدفوع بروح الانتقام والتشفى، حتى ولو بدا أن الإرهاب آخذ فى الإنحسار فى الوقت الحاضر، ولكن من الذى بوسعه أن يتنبأ بأن هذه الأحكام سوف تنزوى فى غياهب النسيان، وأنها لن تكون وقودا جديدا لطلبة الإخوان عند استئناف الدراسة وقد دفعت الجامعات قبل صدور هذه الأحكام ثمنا غاليا فى حرمان طلابها من استكمال عامهم الدراسى بسبب مظاهرات هؤلاء الطلاب.

•••

وأخيرا فقد استغلت قيادات جامعية مناسبة هذه المظاهرات للادعاء بأن سبب تفاقم الأوضاع فى الجامعات هو تولى قياداتها مناصبهم من خلال الانتخاب من زملائهم. وها هو وزير التعليم العالى الجديد، شأنه شأن سلفه، يلقى بالتصريحات تشكيكا فى أسلوب الانتخاب، كما لو أن أسلوب الانتخاب الذى جاء برئيس للبلاد والذى لا يستطيع وزير التعليم العالى أن يشكك فى سلامة قرار ملايين من المواطنين باختياره هو أسلوب يمارسه كل المواطنين أياً كان مستوى تعليمهم، بينما لا يصلح لأعضاء هيئات التدريس بالجامعات، على ما هم عليه من مستوى التعليم، أن يمارسوا نفس الحق. وكأن وزير التعليم العالى يتصور أن قادة الجامعات المعينين سوف يكونون بالضرورة أكثر قدرة على التعامل مع مظاهرات الطلاب، بينما سيكونون فى نظر الطلاب ممثلين لسلطة الحكم فى البلاد التى يثور بعضهم عليها. طبعا سوف يدعى وزير التعليم العالى أن اسلوب الانتخاب هو الأقدر على ضمان الإتيان بقيادات تدين بالولاء للرئيس المنتخب على حين أن العدول عن أحد المكاسب القليلة لثورة يناير فى هذا المجال سوف يكون علامة الحكم الجديد بين أساتذة الجامعات.

الرئيس عبد الفتاح السيسى رجل المخابرات الحربية السابق يعرف جيدا من هم خصومه. كم أتمنى أن يحذر أيضا ممن يدعون أنهم أنصاره.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved