الاستثناء الإسلامى

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الخميس 23 يونيو 2016 - 11:20 م بتوقيت القاهرة

«الاستثناء الإسلامى.. كيف يعيد الصراع على الإسلام تشكيل العالم»، عنوان لكتاب جديد للباحث الأمريكى المتميز بمعهد «بروكينجز» «شادى حميد». ولا يعد الكتاب دعاية للديانة الإسلامية، ولممارسات المسلمين أو شريعتهم أو طريقة فهمهم لها ولتطبيقاتها، ولا يعد الكتاب كذلك هجوما على كل ما هو إسلامى أو انتقاصا من عقيدة سماوية بغرض تشويه أكثر من مليار ونصف المليار من البشر. يطرح الكتاب أسئلة جريئة ومهمة لا توجد لها إجابات سهلة أو واضحة، وهو ما يستدعى إعادة النظر فى طريقة النظر للإسلام وغيره من الديانات والعقائد السماوية وغيرها فى المجتمعات المعاصرة.

ويرى شادى حميد أن الإسلام دين استثنائى، إلا أن ذلك لا يعنى تميزه أو دونيته عن غيره من الديانات الأخرى. ويغوص شادى فى عرض تفاصيل هذا الاستثناء عن الأديان الأخرى من حيث علاقته بالسياسة وبالمجتمع ونظم الحكم، وما لذلك من آثار مستمرة وتداعيات كبيرة على كيفية فهم الغرب لما جرى ويجرى فى الشرق الأوسط.

يعتقد شادى أنه ومنذ تفكك الخلافة العثمانية عقب الحرب العالمية الأولى احتدم الصراع من أجل إقامة نظم سياسية لها شرعية فى منطقة الشرق الأوسط. إلا أن سجل المائة عام الأخيرة تثبت أن معضلة الدين ودوره فى الحياة السياسية والاجتماعية ما زالت بعيدة عن التوصل لطريقة ما يرتضى بها وعليها أغلب القوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية والقوى الخارجية. وأدت تداعيات الربيع العربى المضطربة فى عدد من دول المنطقة من ناحية، وما نشهده من صعود تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من ناحية أخرى، إلى اعادة التعرض لمعضلات متكررة فى صورة مختلفة حول أسباب عدم القدرة على حل معضلات أساسية بسيطة من عينة المواطنة، ودور الدولة تجاه مواطنيها، ومصدر شرعية نظم الحكم.

ويبرز الكتاب أن الإسلام دين فريد ومختلف فى مدى ارتباطه بالسياسة منذ نشأته فى القرن السابع الميلادى. ونظرا لما حققه الإسلام من توسع أو انتشار تخطى حدوده التقليدية ليصبح اليوم لاعبا أساسيا فى السياسة العالمية سواء من مدخل المسلمين الأوربيين أو مسلمى أمريكا، أو من مدخل قيام بعض المنتسبين إليه بأنشطة إرهابية لا تعترف معها بحدود الدول. من هنا أصبح الإسلام جزءا أساسيا كما نرى فى الحملة الانتخابية الأمريكية، مثله مثل الحال فى كل الحملات الانتخابية فى القارة الأوروبية أخيرا.


ويرى شادى أن التاريخ لا يموت بين المسلمين! ويستشهد بمناقشات وحوارات يجريها مع رفقاء له حول لحظات مختلفة من التاريخ الإسلامى وصولا للحظة الراهنة التى تدور معظم أسئلتها حول ظهور وصعود تنظيم الدولة الإسلامية، والحروب الأهلية داخل الدول ذات الأغلبية من المسلمين. ويطرح شادى أسئلة فلسفية عميقة ترتبط بما لا يحبذ الكثير من المفكرين الإسلاميين التطرق إليه. لماذا كل هذا العنف والقتل فى التاريخ الإسلامى؟ كيف يمكن للمسلمين فعل ذلك ببعضهم البعض؟ كيف ولماذا قتل ثلاثة من خلفاء الرسول وصحابته المقربين الراشدين الأربعة.

ويتطرق الكتاب كذلك لمحاولة فهم العصور الذهبية للإسلام حين ازدهرت الحضارة الإسلامية وكانت الأكثر إبداعا وتقدما بين الإمبراطوريات التى عرفها العالم فى مجالات العلوم والطب والفلسفة. تلك الفترة التى تدفق خلالها طلاب العلم من أوروبا إلى الجامعات الإسلامية، على أمل تلقى العلم على يد أعظم العلماء والأطباء والمفكرين ورجال الدين. ويشير شادى لأهم معضلات وتساؤل المسلمين فى عالم اليوم: ماذا جرى؟ كيف كنا وإلام صرنا؟ لماذا لدينا هذا الماضى المشرق، فى حين أن حاضرنا، وفى الأغلب مستقبلنا، محبط ومنهار؟

يؤمن شادى حميد بأن الإسلام سيلعب دورا محوريا فى الحياة السياسية الحالية والمستقبلية فى دول الشرق الأوسط، وسيزداد هذا الدور كلما ضعفت القوى السياسية الأخرى. وعلى العكس من الديانة والتقاليد المسيحية، يستحيل إبعاد الإسلام عن الشأن العام ومنظومة الحكم، فليس هناك نظير للقوانين والشريعة الإسلامية ولا لدورها المهم والأساسى لمنظومة الحكم فى العقيدة المسيحية. ويرى شادى أن من يعتقد أن الإسلام سيتبع مسار الديانة المسيحية من خلال عملية إصلاح دينى ليقتصر الدين معها على الشأن الخاص بين الشخص وربه، هو واهم لأن الإسلام ــ ببساطة ــ مختلف واستثنائى.


ويعتقد شادى أن هناك أسبابا واضحة ومفهومة لتقدم ونجاح الحركات الإسلامية المعتدلة والمتطرفة منها فى جذب الكثير من الأتباع، خلاصتها أن الأوروبيين استطاعوا السيطرة على مقدرات المسلمين لأن المسلمين ضعفاء. وضعف المسلمين بسبب ابتعادهم عن الإسلام الصحيح، وإهمالهم العقيدة. من هنا تظهر التنظيمات الإسلامية حول العالم، وتدعى هدفها المتمثل فى حركة إحياء إسلامية تعود بنا للعصور الذهبية.

ويميز حميد بوضوح بين الحركات الإسلامية المعتدلة والحركات المتطرفة، ويعرض لحقيقة أن غالبية الحركات الإسلامية حول العالم لا تنتهج العنف ولا تلجأ إليه فى سعيها للوصول للحكم. ويبرز كذلك أن أغلب أعمال العنف والقتل السياسى التى وقعت خلال القرن الأخير قامت بها نظم حكم سياسية تدعى العلمانية وكان ضحاياها من الحركات الإسلامية.

ويخصص شادى جزءا كبيرا لتنظيم الدولة الذى يراه تجربة مختلفة عما سبقه من جماعات متطرفة إذ يقوم التنظيم بتبنى الإرهاب باعتبارها منهجا ضد كل أعدائه، فى حين يقوم فى الوقت نفسه «ببناء ما يعتقد أنه دولة ذات نظام حكم إسلامى».


فى النهاية أعتقد أن الكتاب يعرض نظرة متشائمة لمستقبل علاقة الإسلام بالدولة حيث لم يتم بعد التوصل لصيغ عملية مقبولة. من هنا يتركنا الكتاب متسائلين عن غد الشرق الأوسط الذى يبدو أنه سيستمر فى الانحدار سواء فيما يتعلق بصورة الإسلام وفهمه أو فيما يتعلق بنظم الحكم ورشادة الحكام.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved