اللحظات الأخيرة

داليا شمس
داليا شمس

آخر تحديث: السبت 23 يونيو 2018 - 9:45 م بتوقيت القاهرة

ظل كل حياته يمشى على الشاطئ ليختبر البحر دون أن يلقى بنفسه بين الأمواج، فمات كمن لم يعش واكتفى بحضور باهت، ولفظ أنفاسه الأخيرة فى هدوء مبتسما كأنما يضحك على نفسه. مرت الدقائق الأخيرة دون شغف بالدنيا أو تعلق فرحل بمنتهى البساطة، ولا نستطيع القول إن لحظات ما قبل الغياب كانت لها أهمية تذكر مثل سائر أيامه. هناك أشخاص يفضلون دائما السير إلى جوار الحائط لأنهم يخافون الفشل، وهؤلاء ينتهون غالبا داخل الجدران.. لا أحد يشعر بوجودهم. هناك أيضا ملوك الدقائق الأخيرة، من يأجلون دوما عمل اليوم إلى الغد، لأنهم أيضا يخشون ألا يكونوا على قدر الصورة التى رسموها لأنفسهم أمام الناس. يفضلون أن يحكوا عن الشيء خير من أن يروه أو يخالطوه. التأخير هو سمتهم الرئيسية، يصلون بعد موعدهم فيكون لديهم حجة أو ذريعة لعدم إتمام عملهم على أكمل وجه، ويرددون «لم يكن لدى وقت كاف«، وهكذا تتوالى الأعذار دفاعا عن الذات أو تمردا على القواعد التى رسمها آخرون.
***
ومعنى ذلك أنهم يعرفون كل يوم رعب اللحظات الأخيرة التى صعقت العرب فى المونديال، مع الأهداف التى جاءت فى نهاية المباريات لتغرق البطولة فى أجواء من الفرح العارم أو الحزن القاتل، حين يسيطر الإحباط على أغلب لاعبى فريق ويتراجع مخزون اللياقة والثقة لديهم لأنهم لعبوا لعبا دفاعيا ولم يختاروا الحسم وتسجيل الأهداف المبكرة، فكان موعدهم مع الفشل والهزيمة. يجهلون سر قلب النتائج ألا وهو أن الدقيقة التسعين ليست سيفا قاطعا، إنما مجال زمنى حالها كحال أى دقيقة أخرى فى عمر الشخص أو المباراة. لم يهيئ المدرب لهم البيئة الملائمة ذهنيا فافتقدوا الروح القتالية التى تتميز بها فرق مثل ألمانيا وإنجلترا وهولاندا وتركيا التى يعرف عنها أن لديها القدرة على قلب النتائج النهائية لصالحها ولا تيأس فى اللحظات الأخيرة بشكل عام. أما نحن العرب فنشبه القذافى الذى كان مختبئا قبل موته فى ماسورة صرف برفقة عدد من حراسه الشخصيين. نتيجة المباريات تليق بنا، فالكرة ليست منفصلة عن المشهد العام، وإنما استعارة تعبر عن أحوالنا، فليس من قبيل المصادفة أن يسجل فريقان عربيان هدفين فى شباكهما، وأن تكون أول ثلاث منتخبات تخرج من كأس العالم هم الفرق العربية: المغرب والسعودية ومصر.
***
تتوارى وتنطفئ شمسا تلو شمس، حتى ينتصف الليل فى غرفة مطوقة بالجدران، ويكون الحبس فيها جماعيا. نتبع سياسة النفس القصير التى أثبتت فشلها عبر السنوات، ومع ذلك هناك إصرار على اتباعها والاستمرار فى جلد الذات. تأتى من وقت لآخر مكاسب استثنائية، لكن تظل الهزيمة هى القاعدة، والإحباط هو سيد الموقف. لا نعرف معنى بهجة الكهل الذى رغم تخوفه من المياه كان ينظر إلى البحر ويصيح قبل أن يقفز إلى اليم، حتى يسمعه كل من جلس على الشاطئ: «غطسة الرجوع لا رجعة ولا رجوع!»، فيضحك كل من حوله غبطةً.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved