عن ليبيا – القذافي والسلطان التركي

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الثلاثاء 23 يونيو 2020 - 9:10 م بتوقيت القاهرة

زرت ليبيا، أول مرة، مع مطلع العام 1971، وكنت في مجلة "الصياد" نيابة عن "معلمي" آنذاك، الراحل سعيد فريحة الذي التقى في القاهرة بعض أعضاء "مجلس قيادة الثورة" بقيادة "الأخ القائد معمر القذافي".

ولقد تيسر لي أن التقي "الأخ معمر" في مزرعة للزيتون في ترهونة حيث كان مع بعض رفاقه من عسكر الثورة يساعدون في جني الموسم الذي يتكاسل الليبيون عن جنيه.. لأنه كان يخص، قبل الثورة، الطليان.

كان معظم الليبيين يتحدثون، بعد، اللغة الايطالية بطلاقة، وكان الكثير من عاداتهم ومآكلهم مطبوعاً بالدمغة الايطالية.

جلسنا أرضا، أنا أسأل و"الأخ العقيد" يجيب...

جاء الشواء فأكلنا، وقال "الأخ معمر":- سنكمل هذا الحوار ليلاً.

***

في الليل جاء من أخذني إلى "باب العزيزية"، حيث استجوبني القذافي لمدة أربع ساعات عن تجربة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في لبنان عموماً، مع أهل السياسة فيه ومع الصحافة في لبنان خصوصاً.

***

ولسوف تتكرر زياراتي إلى ليبيا، ولقاءاتي مع "الأخ معمر" متنقلاً، بعد حين من موقع "المجيب" إلى موقع صاحب الأسئلة المفتوحة على المجهول.

وكان طبيعيا أن ألاحظ التحولات التي طرأت على شخصية "الأخ معمر" بعد رحيل القائد العظيم جمال عبد الناصر.. وأبسطها أنه قد أنتبه إلى الفراغ في موقع قيادة الأمة، فقرر أن يكون هو البديل: القائد في السياسة، وفي الفكر وفي الاقتصاد وفي العمل لتحرير الأمة العربية جميعا، وإن ظل لفلسطين الأولوية وللبنان المركز الإعلامي (التوجيهي) الأول.

ثم أنه انتبه إلى إفريقيا فقرر أن يكون "ملك ملوك إفريقيا"..

.. وانتبه إلى ما ارتكبه الاحتلال الاستيطاني في ليبيا، فأمر بمساعدة المخرج المبدع الراحل مصطفى العقاد على انتاج فيلم عن الشهيد البطل عمر المختار.. وإن كان قد أصَّر على أن يُضيف إلى الفيلم ما يوحي بأنه إنما يتابع رسالة البطل الشهيد. (والعقاد هو نفسه من أخرج فيلم "الرسالة" عن دور رسول الله النبي محمد، في نشر رسالة الإسلام في دنيانا..)

تجاوز القذافي دور "القائد" إلى دور المفكر والكاتب، فأنتج مجموعة من الكتب، أولها عن الفكر والثورة الخضراء وآخرها عن "اسراطين".

***

ما يعنينا أن معمر القذافي كما كل الليبيين، لم يكونوا يحملون في وجدانهم ذكريات طيبة عن السلاطين العثمانيين وعن الأتراك عموماً.

وإن ما بعد رحيل القذافي بطريقة مأساوية، وسيادة الفوضى في "الجماهيرية" فإن أهلها يحاولون أن يستعيدوا وعيهم وترميم دولتهم التي كانت أيام حكم الملك ادريس السنوسي تتكون من ثلاث ولايات: طرابلس الغرب، وبنغازي في الشرق، وسبها في الجنوب الغربي وتبعد عن مدينة طرابلس حوالي 750 كيلو مترا، يحدها من الشمال منطقة زلاف الصحراوية ومن ثم وادي الشاطئ. والمدينة هي المركز الإداري لمحافظة سبها (سابقاً) وتعدّ أكبر مدن الجنوب الليبي.

برغم ذلك فإن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان يدعي أن ليبيا هي بعض أملاك "السلطنة"، ولسوف يستعيدها ولو بالمرتزقة، وهو قد استخدم بعض اللاجئين السوريين هرباً من اتون الحرب المفتوحة في سوريا وعليها لإعادة ليبيا إلى احضان "سلطنته" الجديدة.

وبالطبع فإن الهدف الفعلي هو النفط الليبي معززاً بالفراغ السياسي، وبالانقسام الداخلي بين "حكومة طرابلس" التي تدعمها تركيا وبعض الغرب، وقوات العقيد خليفة حفتر في بنغازي التي حاولت، عبثا، احتلال طرابلس.. اما مصر ورئيسها عبد الفتاح السيسي فتؤكد دائما على وحدة ليبيا كشرط بديهي لأمن مصر والسودان..

***

المضحك – المبكي أن اردوغان يعتبر نفسه وريث السلاطين، وهو يحاول اجتياح ليبيا (وشراء حكومتها المؤقتة) طمعاً بنفطها وموقعها الاستراتيجي ومساحتها الخرافية التي تسمح له بتوسيع إطار مناوراته بوصفه السلطان الجديد الذي ينقصه الذهب فإذا ما استطاع توفيره أمكنه أن يستعيد القصور والجواري والأمريكان مع الروس..

***

بل ويستعيد في هذه الحالة القدرة على محاولة اقتطاع بعض الشمال والشرق في سوريا، بالتواطؤ مع الأميركيين: الحسكة ودير الزور، إضافة إلى منبج (قرب حلب) في الشمال، وبالتالي المساومة مع "الحكم الضعيف" في دمشق على إحياء "السلطنة".. خصوصاً بعد التنازلات التي حصل عليها بتسليم الحكم في دمشق كيليكيا واسكندرون "توطيداً للعلاقات بين البلدين الجارين".

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved