حرية ذات شوارب

بسمة عبد العزيز
بسمة عبد العزيز

آخر تحديث: السبت 23 يوليه 2011 - 10:59 ص بتوقيت القاهرة

 فى فيلم «أغلى من حياتى» الذى أُنتِجَ فى منتصف السبعينيات، تقول البطلة «شادية» لحبيبها «صلاح ذو الفقار» إنها ستصبح مُدَرِّسة فيبشرها بأنها سوف ترتقى لأعلى من هذا بكثير.. تسأله كيف؟ فيخبرها بأنها سوف تصبح «زوجته».. ينتهى الفيلم بابتسامة عريضة على وجوه الجميع: البطل والبطلة والمشاهدون. حوار لطيف لخص ثقافة شائعة، تعتبر أن قيمة المرأة ليست فى شخصها أو فيما تسهم به من عمل داخل المجتمع، بل هى فى زواجها وانضوائها تحت راية رجل، لا يهم بعد ذلك ما تحققه من إنجاز.

مرت عقود أربعة على إنتاج الفيلم، وجاءت ثورة تطلب الحرية والعدل، شاركت فيها نساء تماما كما شارك رجال، تغيرت الظروف وتطورت لكن المشهد لا يبدو وقد اختلف كثيرا..

مازالت المرأة تقف فى الخندق ذاته، تواجه تهوينا من شأن قدراتها ورغبة متصاعدة فى إقصائها عن المشهد الجديد.
رغم عدد المرات التى تابعت فيها الفيلم، أعترف أن نهايته لم تستوقفنى سوى منذ أيام قليلة، يبدو أنها قد أصابت الوجيعة التى تتجدد الآن: عشرات الأخبار والتصريحات المتوالية يتم تداولها فى وسائل الإعلام، وكثير من المشاورات والاقتراحات تُلقى على الموائد المستديرة وفى الجلسات المغلقة، جميعها تنتقص كل يوم من حجم التفاؤل الذى خُلِقَ مع الثورة فيما يتعلق بوضع النساء المصريات.

●●●

لقطات متنوعة تشير إلى محاولات التملص من مبادئ المواطنة الكاملة والمساواة، حتى اللحظة، لا توجد امرأة واحدة فى موقع «المحافظ» أو «سكرتير عام المحافظة» برغم حركات التغيير المتتالية، ورغم وصول الكثيرات للوظائف العليا داخل الدواوين الحكومية واستيائهن من عدم التصعيد والترقية، يُصرِّح محافظ الجيزة بأن النساء غير مؤهلات لتلك المناصب، هناك أيضا رفض إجماعىّ تولى النساء وظائف بعينها فى سلك القضاء.

أما فى الأيام الأخيرة فقد أعاد رئيس الوزراء تشكيل حكومته، ومع ذلك لم تراع الاختيارات التمثيل العادل للنساء، بل خلت ترشيحات الجمهور وترشيحات الميدان ذاته من أسماء سيدات.

على الجانب الآخر تخرج دعوات لنزع بعض المكتسبات الضئيلة السابقة، هناك على سبيل المثال دعوة لتعديل لائحة المأذونين بحيث يتم استبعاد النساء من تلك الوظيفة وهى دعوة قوبلت ــ لشديد الأسف ــ بالموافقة المبدئية من وزارة العدل، كذلك هناك دعوة لمراجعة الاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية حقوق المرأة بدعوى تناقضها مع الشريعة، وهناك مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد الذى ألغى المادة الخاصة بالخلع، وأعاد السماح بتنفيذ حكم الطاعة بالقوة الجبرية بعد أن كان قد ألغى فى عام 1967.

لقطات أخرى تضحك أكثر مما تبكى فهناك من لايزال يتكلم عن استحالة وضع مصير البلد فى يد امرأة حائض، ويجد من يؤيده ويحتفى برأيه ويفرد له الصفحات، وهناك لجنة القوات المسلحة والهيئات الاستشارية بمؤتمر الوفاق القومى، التى تركت القضايا المصيرية لتوافق بالإجماع على منع ظهور أى مذيعة بملابس «غير محتشمة» فى التليفزيون، وهى توصية صدرت عن «يوسف البدرى» ــ مقرر اللجنة المشهور بآرائه المتطرفة ــ الذى أشار إلى امتناعه عن مشاهدة نشرة الأخبار لأن المذيعة ــ كما يراها ــ عارية!!.

لغة الحوار ذاتها فى الصحف المستقلة التى تحظى بجمهور واسع، لا تخلو من نبرة سخرية واستخفاف، وهى لا تزال تستخدم ألفاظا جاهد الكثيرون والكثيرات لإلغائها لما لها من أصل ووقع سيئين، على سبيل المثال تسمى إحدى الصحف منظمات المجتمع المدنى العاملة فى مجال المرأة بـ«المنظمات الحريمى».

●●●

لا يقتصر الأمر على الخطاب الدينى المتزمت الآخذ فى التصاعد أو على المؤسسات المحافظة فقط، بل تسهم فيه كيانات تستند إلى مبادئ الحرية وتعتمد الخطاب الليبرالى أساسا لعملها. داخل بعض الأحزاب التى تتشح برداء الحرية وتتبنى أفكار المواطنة والعدالة والمساواة، فإن النساء تكافحن أيضا للحصول على الحقوق الطبيعية، وفى أحوال كثيرة يتم تهميشهن وتجاهل تمثيلهن فى الهياكل التنظيمية بصورة متزنة، ومن ثم يصبح عليهن خوض معركتين الأولى داخل الحزب نفسه ــ الذى يفترض أن يدعمهن ــ والثانية لتغيير ثقافة المجتمع. خلال النضال فإن النساء الإيجابيات أنفسهن قد يتم استدراجهن إلى فخ المطالبة بأقل مما تطمحن إليه بدعوى عدم وصول المجتمع إلى مرحلة النضج الكافى، واستحالة تقبله شراكتهن المساوية للرجال.
أما الميدان فعلى الرغم من الصورة الوردية التى قدمها للمجتمع، فإنه بدوره قد شهد أحداثا ذات دلالة، المظاهرة النسائية الأولى التى قصدته احتفالا بيوم المرأة العالمى قوبلت بالسباب والتعدى الجسدى على من قاموا بها، ولم يكن أبطال الاعتداء سوى أفراد من الجمهور العادى. وفى 8 يوليو ظهرت دعوة من قلب إحدى الحركات الشبابية الثائرة تنادى بقصر المبيت على الرجال دون النساء، ولحسن الحظ لم يتم تنفيذ الاقتراح.
فى لقطات كثيرة لم يكن السلفيون أو الإخوان هم الأبطال الحقيقيون، إنه المجتمع الذكورى المحافظ الخائف حتى الموت من صعود النساء، حيث تثبتن فى مناسبات عديدة مهارات وقدرات فائقة قد تهدد سلطته ووجوده.

●●●

كانت جدتى حين ترغب فى وصف امرأة بكل الصفات الإنسانية العظيمة من قوة وصدق وشجاعة، تقول عنها كلمة واحدة، تقول إنها «ست».. لم تقل أبدا كما يستمرئ البعض إنها «كالرجل». نبرة صوت جدتى ونظرتها وهى تنطق لفظة «ست» تكشفان كل المعانى التى قصدتها، تشيران لأن «الست» قيمة كبيرة جدا ونفيسة. لم تكن تزد كلمة واحدة إلا حين ترغب فى التأكيد على رؤيتها، تقول «ست بحقيقى». كلمتان كانتا كافيتين لإلقاء الاحترام الشديد فى قلوبنا للسيدة المقصودة.
ترى هل تستعيد الكلمة رونقها فى القريب؟ عموما لا أظن أن النساء عاجزات عن الدفاع عن حقوقهن، فالـ«ست» كما سمعت من جدتى قادرة على كل شىء.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved