مخاطر التعديل الدستورى


كريم الشاذلى

آخر تحديث: الثلاثاء 23 يوليه 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

طبقا للمادة ٢٨ من الإعلان الدستورى الصادر ٨ يوليو، سيصدر خلال بضعة أيام قرار جمهورى بتشكيل لجنة الخبراء التى ستختص باقتراح التعديلات على دستور ٢٠١٢ المعطل على أن تنتهى من عملها خلال ثلاثين يوما من تاريخ تشكيلها. ولم يحدد الإعلان الدستورى أهمية التعديل الدستورى المنتظر. فقد يشمل هذا التعديل بضع مواد كما قد يشمل مواد الدستور كله فنصوص الإعلان الدستورى تحتمل الفرضين.

الفكرة التى يتبناها هذا المقال هى أنه هناك مخاطر قد تنتج عن هذا التعديل الدستورى (ومن باب أولى إذا أريد صياغة دستور جديد) وأن أفضل الحلول هو تعديل دستور ٢٠١٢ تعديل بسيط يقتصر على المواد التى يمكن أن يحدث حولها توافق. وفى سبيل عرض فكرتى، سأسوق الأسباب الدستورية ثم الأسباب السياسية ثم سأختم مقالى بتصور مبدئى لتعديل الدستور.

 

الأسباب الدستورية

 

الأسباب الدستورية التى تؤيد فكرة تعديل أقل عدد من المواد هو أن دستور ٢٠١٢ ــ مع عيوبه ــ قد حاز على أغلبية الأصوات فى استفتاء ديسمبر ٢٠١٢. وهذا الاستفتاء تم منذ سبعة أشهر فقط فلا يمكن الجزم بأن أغلبية المصريين يرفضونه اليوم. دستور ٢٠١٢ فيه «رائحة الصناديق» التى هى مكون أساسى ــ وليس الوحيد ــ للديمقراطية. وكلنا نعلم أن شرعية الصناديق قد تلقت ضربات عديدة ــ عن حق أو عن غير حق هذا ليس موضوعنا ــ والإبقاء على دستور ٢٠١٢ كما هو بقدر الإمكان هو رد اعتبار لشرعية الصناديق التى يجب أن تبقى المبدأ الأساسى الحاكم لحياتنا السياسية. وهو أيضا رسالة مفادها أن أحداث يونيو ما هى إلا تصحيح مسار لثورة يناير وليست انقلابا على الديمقراطية. فالتفسير الديمقراطى لأحداث يناير يفرض علينا ألا نتوسع فى تجاوز نتائج الديمقراطية إلا بقدر الضرورة القصوى. فلو سلمنا أن تدخل الجيش كان ضروريا لإزاحة رئيس كان يقود مصر بخطى ثابتة نحو الحرب الأهلية وإذا أقررنا بضرورة تعطيل الدستور لإمكان إزاحة الرئيس والإتيان برئيس جديد فهل هناك مثل هذه الضرورة لتعديل الدستور تعديلا يطول عددا كبيرا من مواده؟

 

الأسباب السياسية

 

قيل إن المصالحة الوطنية أولوية المرحلة القادمة. ولا شك أن الاحتفاظ بغالبية دستور ٢٠١٢ فيه تطييب لخاطر من وافق عليه بالإضافة إلا أن عدم التوسع فى تعديل الدستور من شأنه تقليل فرص رفض التعديل الدستورى. فكلما زاد عدد المواد المعدلة، زادت فرص الخلاف. ولا يمكن الافتراض أنه إذا كانت غالبية المصريين تؤيد السلطة الحالية فإن ذلك يعنى أن مصير التعديلات الدستورية هو الموافقة عليها. فمن أهم دروس الثورة هو إمكانية تغير الرأى العام بسهولة. فقد تكون موازين القوى مختلفة عند إجراء الاستفتاء. جدير بالذكر أن الإعلان الدستورى الحالى لم يتضمن أحكاما خاصة بحالة رفض الشعب التعديلات الدستورية ولا ندرى ما العمل ساعتها: هل نعيد الاستفتاء؟ هل نقوم بتعديلات مختلفة علّها تحظى بموافقة الشعب؟ هل نعيد دستور 2012 كما هو؟ هل نعتبر ذلك رفضا للسلطة الانتقالية ونعيد مرسى للحكم؟

الموافقة على التعديلات الدستورية ليس مضمونا لأن كل طرف سياسى له حساباته الخاصة. حزب النور مثلا يريد أن يحافظ على المواد التى ساهم فى صياغتها. ومن المتوقع أن تغضب هذه المواد «الليبراليين» الذين انسحبوا من اللجنة التأسيسية الأخيرة اعتراضا على إقرار مواد تهدد «الدولة المدنية». فالاتساق مع مواقفهم السابقة يقتضى أن يكرروا رفضهم لمثل هذه المواد. أما «الثوار» فسيطالبون بحظر محاكمة المدنيين عسكريا. وهو ما سترفضه غالبا القوات المسلحة والقوى التى لا تريد إغضابها. أما الإخوان فأغلب الظن أنهم سيحاولون إفشال الاستفتاء الدستورى والتصويت بلا. والأخطر من ذلك أنهم قد يزايدون على السلفيين كما زايد السلفيون عليهم من قبل وقد يزايدون أيضا على «الثوار» مما قد يدفع الطرفين الأخيرين ــ بعد أن يكونوا قد تمسكا كل التمسك بموافقهم ــ إلى التصويت بلا للتبرؤ من دستور لا يحقق لهم جميع رغباتهم.

وهذه المخاطر ليست مجرد توقعات فقد بدت بعض البوادر لذلك. فمؤخرا، طالبت بعض القوى السياسية بضرورة تعديل بعض مواد الإعلان الدستورى مع علمهم أنه وثيقة مؤقتة لن تجد كثيرا من مواده سبيلا للتطبيق قبل إلغائه. مخاطر الإعلان الدستورى هى إذكاء خلافات نحن فى غنى عنها.

وقد يقول البعض إن الاستقطاب الحاد قادم لا محالة سواء مع الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية. ولكن نرد على هؤلاء بحجتين. الأولى هى أنه مهما كان الاستقطاب حادا فى أى انتخابات ففى نهاية المطاف سيكون لديك رئيس أو نائب. أما فى حالة الاستفتاء فهناك مخاطرة لأنه فى حالة وجود أغلبية رافضة للتعديلات الدستورية فلن يكون هناك دستور… الحجة الثانية هى أن الاستقطاب يكون أكبر فى المسائل الدستورية خاصة فى وجود ما يعرف بمواد الهوية. وقد يستغل الإخوان المسلمون وحزب النور هذه النقاشات النظرية لتبييض صورتهم التى اهتزت مؤخرا. صحيح أن الشعب المصرى لم ينسَ بعد أن الإخوان وحزب النور لم يطبقوا حرفا من الشريعة التى وعدوا بها الناخبين… ولكن فى نفس الوقت لا يمكن أن ننكر قدرة الإخوان وحزب النور فى الإقناع والحشد والعامان الماضيان يشهدان على ذلك.

 

تصور مبدئى للتعديل الدستورى

 

على لجنة الخبراء أن تقترح تعديل أقل عدد من المواد وأن تختار المواد التى يمكن أن يحدث عليها توافق مثل إلغاء نسبة العمال والفلاحين وإعادة صياغة بعض المواد سيئة الصياغة نظرا لصياغتها على استعجال أو لتدخل غير المتخصصين فى صياغتها. وعلى لجنة الخبراء أن تبتعد عن كل مواد الهوية. ففتح باب تعديل الدستور على مصراعيه قد يسبب مزيدا من الخلافات التى يمكن أن تكون سببا فى إفشال المرحلة الانتقالية.

 

باحث دكتوراه بجامعة السوربون

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved