رسالة نتنياهو إلى العالم: اقبلوا إسرائيل كما هى دولة احتلال واستيطان

من الصحافة الإسرائيلية
من الصحافة الإسرائيلية

آخر تحديث: الأحد 23 يوليه 2017 - 8:45 م بتوقيت القاهرة

«خطاب بودابست»، الذى دعا فيه الأوروبيين إلى التوقف عن تأييد الفلسطينيين هو التعبير الأوضح حتى اليوم لوجهة نظر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. وصل نتنياهو إلى عاصمة الدانوب مثل نجم موسيقى روك دولى وكمقرب من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وجاء رؤساء بولندا وتشيكيا وسلوفاكيا بالطائرة للقائه إلى جانب مضيفه الهنغارى. فى المنتدى نصف المغلق تحرر نتنياهو من العوائق والكلام المنمق الذى يغلف خطاباته الرسمية، كما تخلى عن الحكمة السياسية وأطلق العنان للسانه. وعلى الأقل فى الجزء الذى سمعه الصحفيون (على ما يبدو عن طريق الخطأ)، لم يتحدث نتنياهو عن «السلام» أو عن «رؤيا الدولتين»، بل تحدث عن تعاظم قوة إسرائيل كرافعة للتحالفات مع دول أخرى، وهذه رسالة تكررت فى جميع مناسبات ظهوره فى العام الأخير.
وفى طريقه إلى بودابست، كانت مفاجئة الانتقادات العلنية التى وجهها نتنياهو فى باريس إلى إدارة ترامب. فقد اتهم نتنياهو صديقه فى البيت الأبيض بأنه عرّض المصالح الأمنية الإسرائيلية للخطر فى الاتفاق الأمريكى ــ الروسى لوقف إطلاق النار فى جنوب سورية. لقد اعتاد نتنياهو التحدث بهذا الأسلوب عن الرئيس السابق باراك أوباما وعن اتفاقه النووى مع إيران، لكن هل بهذا الأسلوب يتحدث عن الصديق ترامب؟ بعد ثمانى سنوات من الخلافات والصدامات مع أوباما كان من المتوقع أن يحل نتنياهو وترامب الخلاف بينهما عبر قنوات هادئة، وألا يكشفا التصدعات فى علاقتهما. لكن رئيس الحكومة لم يرتدع، وبالإضافة إلى كلامه المعارض للصفقة التى توصل إليها ترامب، أعرب عن استخفافه الواضح بمبادرة الرئيس الأمريكى للسلام.
ماذا جرى هنا؟ هل شعر نتنياهو بأن ترامب ضعيف ومعزول ويجد صعوبة فى القيام بعمله، والأهم من ذلك أنه لا يسيطر على الكونجرس، معقل الدعم لرئيس حكومة إسرائيل. هذا الأسبوع أفشلت حفنة «متمردين» من الجمهوريين فى مجلس الشيوخ قانون ترامب للضمان الصحى، وأبقت إصلاحات قانون الضمان الصحى الذى أنجزه أوباما «Obama Care» كما هى. نتنياهو يفهم فى السياسة ويعلم أنه فى وضع كهذا ليس لديه ما يخشاه من الإدارة الجديدة، مثلما لم يخف الدخول فى مواجهات مع الإدارة التى سبقتها. وهو يفترض أن أغلبية الجمهوريين فى مجلسى الشيوخ والنواب ستحبط أى محاولة من ترامب ليفرض على إسرائيل «صفقة نهائية» مع الفلسطينيين. وبعد بضعة محادثات عقيمة مع الموفدين كوشنير وجايمس غرينبلات، وبعد عرض بضعة أفلام عن التحريض الفلسطينى، ستنضم مبادرة ترامب للسلام إلى كومة خردة من المبادرات التى سبقتها.
فى أساس التحرك الدبلوماسى لنتنياهو يوجد تقدير منه بأن أمريكا ضعيفة وتطوى بالتدريج أعلامها فى الشرق الأوسط. وزيارة حاملة الطائرات «جورج دبليو بوش» إلى ميناء حيفا بعد توقف طويل عن القيام بمثل هذه الزيارات منذ بداية الانتفاضة الثانية، لا تخفى هذا الاتجاه العام. أسعار النفط رخيصة، والأمريكيون لم يعودوا مرتبطين بالتزود بالنفط من الشرق الأوسط. والرأى العام الأمريكى الانعزالى يتحفظ تجاه خوض حروب بعيدة عن الوطن. والشرخ الداخلى فى أمريكا عميق وآخذ فى التوسع، ونتنياهو يقف مع الجانب المحافظ، ولا يبذل جهده لإبداء موقف غير منحاز لأى من الحزبين [الجمهورى والديمقراطى]. ربما لم يعد ممكنا الحصول على تأييد عابر للمعسكرين، فى وقت يبدو أن الشعب الأمريكى منقسم فى جميع الأمور والموضوعات، ومن الأفضل الحصول على تأييد الجمهوريين الذين يبدون أن سيطرتهم على الكونجرس لا تتزعزع.
يعتبر نتنياهو الطائفة المسيحية قاعدة التأييد الأكثر أهمية لإسرائيل فى الولايات المتحدة، وإلى جانبها اليهود الأرثوذكس. وقرارته الأخيرة المحافظة والمعارضة للإصلاحات ــ إلغاء مشروع إقامة قاعة صلاة لليهود غير الأرثوذكس فى ساحة حائط المبكى وقانون التهويد ــ تعبير عن انفصال استراتيجى عن اليهود الليبراليين فى أمريكا.
ليس هذا مجرد نزوة آنية سببها ضغط الأحزاب الحريدية فى إسرائيل، بل هو قرار مدروس حظى بتأييد الحكومة الشامل تقريبا. هناك افتراض فى الوسط القريب من نتنياهو بأن اليهود الليبراليين هم ظاهرة عابرة ستختفى تلقائيا فى الجيل المقبل بسبب زيجاتهم من غير اليهود، وفقدان الاهتمام بالتقاليد اليهودية وبإسرائيل. طوال سنوات هدد اليهود الليبراليون بالانفصال عن إسرائيل إذا واصلت التمييز ضد تياراتهم الدينية، وعارض جزء منهم الاحتلال الذى لا ينتهى للمناطق [الفلسطينية]. ولم يتوقع هؤلاء أن حكومة اليمين الإسرائيلى هى التى ستنفصل عنهم أولا.
• هذه هى رسالة نتنياهو: من يريد تأييد إسرائيل، يجب عليه أن يقبلها كما هى، مع الاحتلال والمستوطنات. ومن يقبل بإسرائيل فقط ضمن حدود الخط الأخضر مثل الاتحاد الأوروبى، فهو «مجنون» وغير مرغوب فيه. الاصلاحيون يستطيعون أن يواصلوا الصلاة فى معبد عمانوئيل فى الجادة الخامسة [فى نيويورك]، ومشاهدة حائط المبكى فى الصور. أوروبا الليبرالية المدافعة عن حقوق الإنسان والواعظة الاخلاقية، غارقة تحت ضغط موجات اللاجئين من الشرق الأوسط. ونتنياهو ليس بحاجة إليها، ففى نظره وجد بدائل عنها فى روسيا والصين والهند مع مودى، وبصورة أقل وضوحا فى السعودية ومصر واتحاد الإمارات. فى هذه البلدان يحترمون القوة فقط وليس العدالة.
الأمر الأساسى هو أن تواصل ألمانيا تزويد إسرائيل بالغواصات، التى تمنح تهديدات نتنياهو ضد إيران مصداقية («كل من يهدد وجودنا يعرض وجوده للخطر»، «نهدد بمحو كل من يهدد بمحونا»). ويمكن دوما تعزيز التأييد الألمانى من خلال إحياء مراسم ذكرى المحرقة مثلما فعل نتنياهو فى فرنسا وهنغاريا.

ألوف بن
رئيس تحرير صحيفة «هاآرتس»
هاآرتس
نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved