الميليشيات السورية الموالية لإيران

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الإثنين 23 يوليه 2018 - 10:15 م بتوقيت القاهرة

نشرت مبادرة الإصلاح العربى ورقة بحثية تتناول فيها الميليشيات السورية التى كرس الوجود الإيرانى تواجدها، والأسلوب الروسى فى التعامل معها على الأرض. وتستثنى الميليشيات الدخيلة على الأرض السورية، التى فرضها التواجد الإيرانى لارتباطها الشديد بالسياسة الإيرانية وعدم ثباتها فى مناطق صراع محددة وتواجدها على الأرض السورية كعناصر غريبة تماما، الأمر الذى يجعل مهامها ذات طبيعة مؤقتة.
يستهل الكاتب حديثه بأن هناك اختلافا واضحا فى المصلحة والاستراتيجية بين إيران وروسيا حيال قضيتين رئيسيتين.
الأولى هى العلاقة مع إسرائيل، ففى حين ترى روسيا إسرائيل حليفا استراتيجيا فى المنطقة؛ فإن إيران تكتسب شرعيتها الإقليمية من خلال التأكيد على أبدية الصراع مع إسرائيل.
والثانية تتمثل فى شكل النفوذ ورؤية كل منهما لسوريا المستقبل. فإيران لا تستطيع تحقيق دولة مركزية بحكم عدائها العقائدى مع المكون السنى الغالب فى سوريا، ولذلك ترى فى دولة الميليشيات الطائفية ركنا أساسيا لضمان بقائها على الأرض السورية.. وهذا الأمر يتعارض مع رؤية روسيا لدولة مركزية يشكل الجيش المنضبط عمادا أساسيا لها.
أولا: سيادة تتداعى وميليشيات تنتشر
حين قررت روسيا التدخل عسكريا فى سوريا فى سبتمبر 2015، كانت اليد العليا فى مناطق سيطرة النظام للميليشيات التى اعتمدتها إيران لتثبيت قواها العسكرية على الأرض. فانتشرت مجموعات قتال خاصة تابعة لرجال الأعمال، وميليشيات ذات طابع دينى مرتبط بإيران من خلال ضباط الحرس الثورى الإيرانى. وتغاضى النظام عن المتخلِفين عن الخدمة العسكرية الإجبارية شريطة انضمامهم لأى من هذه المجموعات، كما تجنب الاصطدام معها رغم شيوع عمليات الخطف والسرقة. بالإضافة إلى ذلك، ركزت إيران على الجانب المدنى ودعمت حركات التشيع فى جميع البيئات والأوساط فى الساحل السورى ودمشق والسويداء، وأمعنت فى ربط الفعاليات الاقتصادية والثقافية والسياسية فى هذه المناطق بمشروعها التوسعى.
اللجان الشعبية
بدأت هذه الميليشيا بالحواجز التى أوعز حزب البعث لقياداته المحلية بإنشائها حول القرى فى الساحل السورى، وتحديدا القرى العلوية. كان الهدف منها هو بثُ الخوف من الثورة فى نفوس العلويين. وعملت هذه الحواجز على ترهيب أهل تلك القرى وضيقت الخناق على المعارضين.
قام الروس بحل هذه الميليشيات بعد قدومهم لسوريا، وأبقوا على عناصر قليلة تحمى مكاتب البعث فى البلدات والمدن، وبأسلحة قليلة جدا.
ميليشيا الدفاع الوطنى
انطلقت فى بداية عام 2013، وخاض معظم عناصرها دورات تدريبية فى إيران تخللتها تدريبات على السلاح ودورات عقائدية، ومن من أبرز المهمات التى أوكلت لهذه الميليشيا هى المجازر الطائفية، والتى كان من شأنها توريط العلويين فيها، بالإضافة لأعمال الاغتصاب المُمنهَج، والسرقة التى اشتهرت بها الميليشيا. حيث بدأت بتنظيم حملات نهب مُمنهَجة لجميع الأحياء المُنتفِضة ضد الأسد. وقام الروس بحل هذه الميليشيا بشكل نهائى، وأُلحِق ما تبقى من عناصرها بميليشيا سهيل الحسن.
ميليشيا سهيل الحسن:
تُعد هذه التسمية تعويما واضحا لضابط المخابرات الجوية، سهيل الحسن، الذى قام عناصره ببث شائعات مفادها أنه البديل المرتقب لبشار الأسد، ولا سيما فى الفترة التى تلت الحملات التى تحدثت عن انتصاراته. فذاع صيت هذا الضابط بين الموالين، وكانت له صلاحيات مفتوحة. ودعايات قام عناصره بنشرها تفيد بأنه سيتسلم زمام الأمور فى سوريا بعد الانتصار فى الحرب.
تتبع لجيش سهيل الحسن، كتائب السحابات بقيادة على مهنا، الذى يُعتبر الواجهة المالية والاقتصادية لسهيل الحسن. وينتمى معظم أفرادها لمنطقة الخريبات فى طرطوس. وبعد التدخل الروسى العسكرى، تغير دور هذه الكتائب وتمايز عن دور جيش سهيل الحسن. وقام الروس بالسيطرة الكاملة على ميليشيا سهيل الحسن.
صقور الصحراء:
ظهرت فى نهاية عام 2013، بقيادة رجل الأعمال محمد جابر، وهو قريب لبشار الأسد، وبمساعدة أخيه أيمن جابر، المشرف الميدانى والعملياتى على الميليشيا. وتُعتبر ميليشيا صقور الصحراء مُكلَفة بحماية المنشآت النفطية، إلا أن النظام استخدمها لاحقا فى عدة جبهات أخرى، كإدلب، وبعض الجبهات فى حمص. تعمل هذه الميليشيا بمنطق العصابات، حيث يترأس كل مجموعة شخصٌ مُقرب من أيمن جابر. وتنجز مهامها القتالية تحت إشراف ميليشيا سهيل الحسن أو جيش النظام. وقام الروس بتحويل نشاط هذه الميليشيا إلى مدينة اللاذقية، حيث انكفأ عناصرها على المحافظة، ويقوم قادة هذه الميليشيا بالاجتماع الدورى مع ضباط روس فى قاعدة حميميم، حيث يأخذون أوامر الحركة العسكرية من هناك، وتتلخص مهامهم الحالية فى حراسة البنى التحتية النفطية فى اللاذقية وبانياس.
ثانيا: «صراع ناعم» إيرانى ــ روسى على الأرض لملء الفراغ
لم تعتمد إيران منذ بداية توغلها فى نظام الأسد على المؤسسات الرسمية. بل كانت تسعى إلى تدمير مؤسسات النظام، والعمل
خارجها واعتمدت إيران فى استراتيجيتها على تغييب مظاهر الدولة وإحلال ميليشيات موالية لها فى المنطقة، لتضمن السيطرة الكاملة والمنفلتة من أى مسئولية. فانتشرت الميليشيات، وانتشر معها منطق ما أصبح معروفا بـ«التشبيح» و«التعفيش»، وراح عناصر الميليشيات يفرضون سلطاتهم وقراراتهم على كل هيئات الدولة ومؤسساتها. حتى وصلت الحال لهروب عناصر الشرطة من مواجهة عناصر الميليشيات.
بعد عامين ونصف العام من دخول القوات الروسية الأراضى السورية؛ اختفت معظم الفصائل المسلحة التى كانت تملأ الساحل السورى. حيث قام الروس بحل جميع الميليشيات الصغيرة والتى يصعب ضبطها وأصبح عناصرها مطاردين من قبل أجهزة الدولة.
يعود ذلك، بالدرجة الأولى، لرغبة الروس باستثمار هذه الميليشيات، حيث قاموا باستمالة قادتها، ليذوبوا تدريجيا تحت الأمر الواقع الروسى. فالقوات الروسية بحاجة لميليشيات مُنظَمة تُوكَل إليها مهمات الحماية، أو رغبة فى المحافظة على كيانات موازية للجيش تساهم بتأجيج القلق، وتتنافس فيما بينها للحصول على رضا القوة العظمى. والملفت أن معظم عناصرها يعملون على حواجز فى مناطق التماس.
ثالثا: تعديلات طفيفة ذات دلالة فى الأجهزة الأمنية والاستخبارات العسكرية
لا بد من الإشارة إلى ضرورة الانتباه لأى تغيير صغير قد يطرأ على سلوكيات الأجهزة الأمنية، بحكم كونها جوهر نظام الأسد. ولا بد من الإشارة إلى أن هذه الأجهزة لم تشهد بعد تغييرات كبيرة، فما تزال تحتجز عشرات الآلاف من المعتقلين السوريين إلى اليوم، إلى جانب دورها السابق فى قمع المظاهرات واعتقال المُحتجين وقتلهم، وهو أمر سيتكرر فى مناطق سيطرة النظام إن اندلعت احتجاجات أو ظهرت تنظيمات مُعارِضة.
ولم تكن الأجهزة الأمنية قبل اندلاع الاحتجاجات بالأهمية نفسها التى هى عليها اليوم، فيما يخص الأدوار المُناطَة بكل أفرعها. إذ كان اعتماد النظام الرئيسى يقع على عاتق الأمن العسكرى، الذى كان يشكل قوة قمعية ضاربة، ينتشرون فى أفرع تغطى المحافظات كلها، ويقوم عملها على الترهيب وفرض هيبة الدولة والتنمر على المواطنين. وكان الأمن العسكرى يتدخل فى كل شرايين الحياة اليومية.
بعد الأمن العسكرى، يأتى جهاز الأمن السياسى من حيث التعداد واعتماد النظام عليه. وتتبع أفرعه لوزارة الداخلية وجميع عناصره من قوات الشرطة، إلا أنهم يتصرفون كفرع أمنى؛ لباس مدنى، واعتقال تعسُفى، وتدخل فى جميع مفاصل الحياة.
فى الدرجة الثالثة، تأتى أفرع أمن الدولة، أى شعبة المخابرات الأولى، التى اعتمدها القادة العسكريون والحكومات منذ الاستقلال، وهى أجهزة استخبارات معنية بالشأن المدنى، فى حين كانت الشعبة الثانية أى المخابرات العسكرية أو الأمن العسكرى، تُعنى بشئون الجيش وضبط تحرُكات الضباط.
أخيرا تأتى المخابرات الجوية، وقد كانت قبل اندلاع الاحتجاجات عبارة عن فرع رئيسى فى دمشق وعدة مفارز فى عدة محافظات رئيسية فى البلاد، إلى أن بدأ الإيرانيون بتوسيعها بشكل كبير بواسطة ميليشيا سهيل الحسن.
إيقاف الاعتقال السياسى:
لم تُسجَل أية حالة اعتقال سياسى داخل مناطق سيطرة النظام بعد دخول القوات الروسية.
وفى هذا السياق توجد ملاحظتان ضروريتان لتقييم التغيير:
الأولى: لا يوجد تنظيم سياسى مُعارِض يعمل على الأرض بحرية كاملة، كما لا يوجد منع واضح.
الثانية: تبقى ظاهرة المعارضة العلنية ضيقة جدا، وقد تنحصر فى عدة شخصيات سياسية وكُتاب رأى فى كل مدينة.
رابعا: ميليشيا خاصة لحماية الضباط الروس وعوائلهم
أنشأت القوات الروسية ميليشيا فى المناطق الساحلية، تتبع بشكل مباشر لضباط روس وأسموها (القوات الرديفة للأصدقاء الروس)، ومهمتها حماية الضباط الروس وعوائلهم فى مدن اللاذقية وطرطوس ودمشق، حيث تتمركز القوات الروسية بشكل كبير، عِلما بأن بعض الجنود الروس استقدموا عائلاتهم للعيش معهم، واتخذوا من فنادق وأبنية فاخرة تابعة للنظام مقرات إقامة لهم.
وختاما يذكر الكاتب أنه من الواضح أن القوات الروسية تسعى للبقاء بشكل دائم فى سوريا. ويتجلى ذلك فى السياسات المُتَبَعة على الأرض، إلا أن البنية الأمنية للنظام تبقى إحدى أبرز المعضلات التى لم يتجرأ الروس على الخوض بها حتى الآن، فى ظل رفض النظام لأى مساس بها، رغم الإشارات الروسية إلى نية مُحتمَلة لتغيير هذه البنية.

النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved