الدولة الأردنية: الخيار بين استعادة عزيمتها المفقودة أو عافيتها المنشودة.. ولكن؟

فيس بوك
فيس بوك

آخر تحديث: الثلاثاء 23 يوليه 2019 - 11:05 م بتوقيت القاهرة

نشر الكاتب الأردنى «لبيب قمحاوى» على صفحته بموقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك» مقالا جاء فيه؛
هنالك فرق كبير بين استعادة الدولة الأردنية لعزيمتها أو استعادتها لعافيتها. فالعافية عادة ما ترافق الصحة، فى حين أن العزيمة ترافق نزعة اللجوء إلى القهر أو القوة أو الاستبداد. ومن الواضح أن استعادة العزيمة تؤشر إلى نوايا إعادة تأكيد وتكريس مسار فَرْض إرادة الحكم من خلال الدولة المستبدة دون الشعور بالحاجة إلى تغيير مسارها وإصلاح نهجها.
تزداد مؤخرا المؤشرات على عزم الدولة الأردنية على إثبات وجودها فى مجالات مختلفة وعلى مستويات متعددة، ومنها مثلا فرض سياسات واستعمال أساليب رفضها الشعب. إن نهج الدولة فى محاولة استعادة هيبتها المفقودة وإثبات وجودها يجب أن لا يكون ذريعة أو مدخلا لمزيد من التعدى على الحقوق الدستورية والديمقراطية للمواطن الأردنى، أو أن يكون مدخلا إضافيا لتعزيز مسار تَغَوُّل الدولة وأجهزتها الأمنية على مواطنيها تحت حجة وذريعة تعزيز سلطة الدولة وفرض هيبتها على مواطنيها.
يتساءل الأردنيون فيما إذا كانت الدولة فى خدمة الشعب أم أن الشعب فى خدمة الدولة؟ وفى المقابل هنالك أعداد متزايدة من الأردنيين الذين يتساءلون فيما إذا كان الحاكم فى خدمة الشعب والدولة أم أن الشعب والدولة فى خدمة الحاكم؟ أسئلة مباشرة وبسيطة ولكنها تعكس عمق الأزمة التى يعيشها الأردن والأردنيون. وإذا كان هنالك مَنْ يرى بأن للدولة حقوقا على الشعب، فأين حقوق الشعب على الدولة؟ هل الأولوية أن يُمَول الشعب الحكومة أم أن تخدم الحكومة الشعب؟ وإذا كانت المحكمة الدستورية امتدادا للحكم، فمن يحمى الشعب من التغول الحكومى على حقوقه الدستورية؟ أين حق المواطن ومقدرته على مقاضاة الدولة إذا تعسفت أو أساءت أو قَصَّرت فى حقه؟ وعلى أى حال فإن الوضع الحالى فى الأردن يشير إلى أن الشعب فى خدمة الدولة حتى ولو قَصَّرت فى واجباتها تجاهه، وهى سمة الدولة المستبدة الظالمة، وهو واقع الحال الذى يعيشه الأردنيون الآن.
***
ما يجرى مؤخرا فى الأردن هو أقرب ما يكون إلى عملية إعادة طلاء الدولة الأردنية لإخفاء ما علق بها من عيوب وشوائب، وهى كثيرة. إن هذا لا يعنى أن التغيير قادم وأن الأردن بصدد تغيير فى الجوهر والنهج وهو المطلوب فعليا وجماهيريا، بقدر ما يعنى الإيحاء بوجود مثل ذلك التغيير فقط.
طالما شعر المواطن الأردنى أن الحكومة نفسها ومؤسسات الدولة هى خصم له فى قوت يومه من خلال سياسات الحكومة الجبائية الجائرة دون رحمة، وأن الدولة تكيل الأمور بموازين مختلفة عند معالجتها لنفس القضايا والحقوق والجرائم، مما يعنى أن الأمل فى عودة الأمور إلى سابق عهدها عندما كانت الدولة دستورية فى مسارها يكاد يكون أمرا شبه مستحيل. فعصا الدولة الأمنية الغليظة ليست بديلا عن الضوابط الدستورية والحقوق الديمقراطية ولن تكون أبدا بديلا عنها. والحكم فى سعيه لإجراء عمليات تجميل لنفسه ولنهجه وأدواته لن ينجح فى الإدعاء بأن هنالك فعلا تغييرا فى نهج الحكم وأدواته. فمثلا لا يجوز أن يكون نهج مكافحة الفساد نهجا إنتقائيا وإلا فَقَدَ مصداقيته وأصبح مدخلا لفساد من نوع آخر. وفى حين أن أحدا لا يريد التقليل من إنجاز هيئات مكافحة الفساد، إلا أن تصحيح المسار يبقى أمرا مطلوبا.
ما يثير شكوك الأردنيين الآن هو التناقض الواضح فى مسار الحكم. فسياسة إضعاف الدولة وهيبتها ومؤسساتها الدستورية كانت سياسة الحكم غير المعلنة وكانت على ما يبدو تهدف لخدمة مرحلة ما. والمحاولات التى تجرى الآن وبأسلوب أمنى وليس قانونى ودستورى، لإعادة تلك الهيبة المفقودة تبدو وكأنها تمهيدا لخدمة مرحلة أخرى جديدة. لماذا تم العمل على إضعاف الدولة سابقا ويجرى العمل الآن على محاولة استعادة عزيمتها وهيبتها؟ ما الذى حدث حقيقة واستوجب كل ذلك؟
يميل العديد من الأردنيين إلى ربط ذلك المسار المتناقض باستحقاقات خارجية سوف تُفرض على الدولة الأردنية وتتطلب مساحات سياسية تسمح للحكم الأردنى بالتحرك فى اتجاهات تتناغم مع ما هو مطلوب منه. والحديث هنا يشير بشكل أساسى إلى محاولات أمريكا وإسرائيل وبعض الدول العربية لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الفلسطينيين والأردنيين وفلسطين والأردن. وموضوع قوة الدولة الأردنية أو ضعفها، مع أنه أمر داخلى، إلا أنه مرتبط بطريقة أو بأخرى بسياسات إقليمية وأوامر ورغبات خارجية تُريد استعمال إما ضعف الدولة الأردنية أو قوتها، أو كلا الأمرين فى مراحل مختلفة، لتمرير سياسات مرسومة فى الخارج وسيتم فرضها على الأردن وفلسطين لصالح الصهيونية. وهكذا يحق للأردنيين أن يتساءلوا فيما إذا كان واقعهم السيئ ومستقبلهم الغامض مرتبطين بما هو مطلوب من الأردن القيام به على مستوى المخططات الأمريكية ــ الصهيونية لتصفية القضية الفلسطينية. وفى هذا السياق فإن المطلوب لم يعد يُرَكز على القبول العلنى بصفقة القرن بعد أن تم تنفيذها فعلا على أرض الواقع، بل التعامل مع ذيولها ونتائجها خدمة للمشروع الصهيونى دون الحاجة لأخذ موقف علنى برفض تلك الصفقة أو قبولها، وبالتالى لا داعى للأردنيين لانتظار مثل ذلك الموقف أو تعليق آمال النجاة عليه.
***
إن مخططات تصفية القضية الفلسطينية على حساب فلسطين والأردن تتلازم مع محاولات واضحة للبعض لإعادة تقديم وطرح شعارات قديمة بالية تمهيدا لشرذمة وتفتيت المجتمع الأردنى وخلق مبررات زائفة لتبرير ذلك المسار. إن تقسيم الأردن طولا وعرضا ثم عرضا وطولا لا يخدم إلا مخططات أعداء الأردن. فالعشائرية والطائفية والمذهبية والعرقية وغيرها من الظواهر قد تصبح وبالا على الوطن إذا ما تم تسخيرها وإساءة استعمالها لغايات تخدم النظام وسياساته عوضا عن خدمة الوطن. فالعشائرية مثلا هى جزء من تراث البلد وواقعه ولكن استعمالها كأداة سياسية لخدمة أهداف وسياسات محددة للنظام تعنى أن أى تغيير فى سياسات النظام قد تؤدى إلى تغيير فى موقف الحكم من العشائر، وهذا ما نشهده حاليا. والطائفية هى ظاهرة سلبية لم يعرفها الأردن سابقا والسكوت عليها أو السماح بها لغايات التلاعب بالطوائف وبالعواطف الدينية لأسباب سياسية هى سياسة أقرب ما تكون إلى اللعب بالنار فى أجواء متفجرة. وتمزيق الشعب إلى أصول ومنابت يهدف إلى خلق فتنة لن تفيد أحدا سوى دعم سياسات خرقاء أو منافع صغيرة قد تفيد البعض ولكنها بالنتيجة تضر بالمجموع.
***
الأردن مِلكٌ لأبنائه على اختلاف أصولهم ومشاربهم ودياناتهم دون أى تمييز. فالأخطار واحدة لن تميز، عند حدوثها، بين هذا وذاك. والبحث فى أصول المواطنين الأردنيين لغايات سياسية أو لمكاسب أنانية مرحلية أمر يتناقض ومصلحة الوطن الأردنى بشكل مباشر. الأردنى أردنى سواء أكانت أصوله شامية أو فلسطينية أو شركسية أو عراقية إلخ، والتلاعب بتلك الحقيقة أمر سيؤدى إلى تفتيت المجتمع الأردنى وخلق نمط من الصراعات التى لن يكسب منها أحد شيئا بينما خسارتها مضمونة للجميع وعلى الجميع. البحث فى الأصول وعن الأصول أمر يتعارض والدستور وحق المواطنة وسوف يؤدى إلى تفكيك المجتمع وخلط أوراقه وقلب أولوياته بشكل سيؤدى بالتأكيد إما إلى تمزيق وإضعاف الجبهة الداخلية فى الأردن إلى حد الخطر، أو إلى دفع المواطنين لاتخاذ مواقف متناقضة تجاه نفس القضايا مما سيؤدى بالتالى إلى استقطاب سلبى لن يفيد أحدا سوى المخططات الصهيونية ونواياها السيئة تجاه فلسطين والأردن. وبالنتيجة فإن جميع الأردنيين سوف يخسروا ويدفعوا الثمن غاليا بغض النظر عن أصولهم. فالنار سوف تأكل الجميع دون أن تسألهم عن أصولهم.
إن الرد الحقيقى على محاولات تفتيت المجتمع الأردنى من خلال تلك الدعوات الإقليمية العنصرية المشبوهة لا يمكن أن يتم إلا من خلال رفع شعار «كلنا فى الأردن أردنيون». أما أصحاب الجنسية الفلسطينية من الفلسطينيين، سواء أكانوا فى فلسطين أو فى الأردن أو فى أى بلد آخر، فهم فلسطينيون وسيبقوا كذلك ويجب أن يبقوا كذلك. وبخلاف ذلك تصبح أى دعوة أخرى فى هذا السياق مشبوهة يجب إيقافها ووضع حد لها خصوصا إذا كانت تهدف إلى خلط الأوراق والمصطلحات بشكل خاطئ ومقصود يؤدى إلى افتعال مبررات زائفة لتصنيف المواطنين الأردنيين والتمييز بينهم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved