بعد مغادرة نتنياهو وترامب.. الصهيونية المسيحية الأمريكية تخسر أعظم حلفائها

دوريات أجنبية
دوريات أجنبية

آخر تحديث: الجمعة 23 يوليه 2021 - 8:00 م بتوقيت القاهرة

نشرت مجلة فورين بوليسي مقالا للكاتب كولوم لينش يعرض فيه القوة الهائلة التى اكتسبها المسيحيون الإنجيليون فى فترة ترامب ونتنياهو، وما يظنه قيادات المجتمع الإنجيلى من انتكاسة لقوتهم بعد مغادرة نتنياهو وترامب السلطة.. نعرض منه ما يلى.
بالنسبة لمايك إيفانز، القس المسيحى الصهيونى فى الولايات المتحدة، كان سقوط رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو أكثر من مجرد انتكاسة سياسية للحركة التى أقامت علاقات وطيدة مع الزعيم الإسرائيلى السابق. لقد كانت خيانة قاسية من قبل الناخبين الإسرائيليين وجيل جديد من القادة السياسيين لنبوءة توراتية. فى رسالة مليئة بالكلمات النابية، انتقد إيفانز رئيس الوزراء الإسرائيلى الجديد نفتالى بينيت لانضمامه إلى تحالف من الوسطيين الإسرائيليين وفلسطينيو الداخل المحتل الذين يخشى أن يدعموا قيام دولة فلسطينية، وتعهد بأنه هو واتباعه سينضمون إلى رئيس الوزراء المنتهية ولايته فى معارضة الحكومة.
عكست فورة غضب إيفانز القلق بين القادة الإنجيليين الذين يخشون أن يتضاءل التأثير الضخم الذى مارسوه فى عهد الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب ونتنياهو، ويجدد احتمالات قيام دولة فلسطينية، والتى يرون أنها مناقضة لخطة الله فى قيام إسرائيل الكبرى.
•••
أتى تغيير القيادة السياسية فى كلا البلدين (إسرائيل وأمريكا) فى وقت وصل فيه المسيحيون الإنجيليون إلى ذروة السلطة السياسية فى واشنطن، واستطاعوا تشكيل سياسة الولايات المتحدة بشأن قضايا عدة مثل حقوق الإنسان والإجهاض وحقوق المثليين. أما عن إسرائيل، فساعدوا فى دعم قرار ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. والتغيير تزامن أيضًا مع ظهور انقسام بين الأجيال القديمة والحديثة فى الكنيسة الإنجيلية، حيث تزايدت النظرة الناقدة لإسرائيل بين الأجيال الحديثة.
قال مبعوث نتنياهو للولايات المتحدة رون ديرمر فى مقابلة مع التلفزيون الإسرائيلى، إن المجتمع المسيحى الإنجيلى قد صار أهم من الجالية اليهودية الأمريكية وأهم حليف سياسى لإسرائيل فى أمريكا. قال ديرمر إن «العمود الفقرى لدعم إسرائيل فى الولايات المتحدة هو المسيحيون الإنجيليون». فحوالى 25 بالمائة من الأمريكيين مسيحيون إنجيليون. أقل من 2٪ من الأمريكيين من اليهود. لذا، وبالنظر فقط إلى الأرقام، فالمصلحة تكمن فى الجلوس وقتا أطول مع المسيحيين الإنجيليين بدلا من اليهود الأمريكيين. قال مسئول أمريكى كبير سابق عن السياسة الأمريكية فى إسرائيل إن ديرمر كان ينقل للعلن ما يقوله نتنياهو لحكومته فى السر. فنتنياهو أخبر العديد من وزرائه أن اليهود الأمريكيين ليسوا مهمين، ولن يظلوا يهودا بعد جيل أو جيلين، وأن هناك الكثير يمكن الحصول عليه من تنمية العلاقات مع الإنجيليين.
•••
من المؤكد أن القوة السياسية للمسيحيين الإنجيليين تأثرت بقدوم إدارة جو بايدن، لكن تبقى علاقاتهم بالسياسيين الجمهوريين حلفاء ترامب قوية، كما سيبقون حليفا قويا لأى حكومة مستقبلية فى إسرائيل.
عندما واجهت إسرائيل انتقادات لهجومها على غزة فى وقت سابق من هذا العام، انتفض القادة الإنجيليون للدفاع عن إسرائيل. دافع جون هاجى، مؤسس منظمة «مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل»، عن العمليات العسكرية الإسرائيلية فى غزة، متهمًا المجتمع الدولى بمعاداة السامية وعدم إعرابهم عن القلق الكافى بشأن الهجمات الصاروخية الفلسطينية على أهداف مدنية فى إسرائيل.
أصبحت الصهيونية المسيحية، التى تعود جذورها إلى آلاف السنين، جاذبة فى القرن التاسع عشر بين الصهاينة البريطانيين. وبلغت ذروتها مع إعلان بلفور عام 1917، والذى دعا إلى إنشاء «وطن قومى لليهود» فى فلسطين، التى كانت آنذاك جزءًا من الإمبراطورية العثمانية. بالنسبة للعديد من الصهاينة المسيحيين، كان إنشاء الدولة اليهودية بعد الحرب العالمية الثانية تحقيقا للنبوءة الإلهية.
يعتقد العديد من المسيحيين الإنجيليين أن عودة اليهود إلى وطنهم تبشر ببداية نهاية الزمن، كما يقول الفصل الأخير من الإنجيل من الحياة على الأرض؛ عندما يتم القضاء على غير المؤمنين فى نهاية العالم ويهب الله المؤمنين الحقيقيين حياة أبدية قبل البعث الثانى للمسيح. لكن هذا الاهتمام الإنجيلى بإسرائيل باعتباره نهاية الأزمنة يحتوى أيضًا على مشكلة: لكى يدخل اليهود ملكوت الله، يجب عليهم التحول إلى المسيحية، وهى مسألة تثير الجدل بشدة فى إٍسرائيل. قال حسين إيبش، الباحث المقيم فى معهد دول الخليج العربى، «يعتقد الكثير من الإسرائيليين أن الدعم المسيحى الذى يحصلون عليه هو من باب المودة والاحترام والمحبة.. إنهم لا يدركون ما يتخيله هؤلاء المسيحيون الإنجيليون من عالم مسيحى يتم فيه محو كل من لا يحبه الله فى إبادة جماعية إلهية».
هناك جانبان معقدان لعلاقة المسيحية الإنجيلية بإسرائيل: الأول هو إرث معاداة السامية، الذى تغلغل طويلا فى صفوف الإنجيليين. أعلن الزعيم الإنجيلى الراحل بيلى سميث ذات مرة أن «الله لا يسمع صلاة يهودى». قالت كاثرين لوى، المحاضرة المشاركة فى جامعة روهامبتون بلندن، إن هناك درجة كبيرة من معاداة السامية بين الصهاينة المسيحيين، وخاصة بين المتشددين منهم الذين يؤمنون أن على اليهود العودة إلى فلسطين ثم اعتناقهم المسيحية.
العنصر الآخر المعقد هو رفض الصهاينة المسيحيين أى تنازلات من جانب إسرائيل حول الأرض والسلام، حيث يعارضون بشدة إقامة دولة فلسطينية. فى عام 2005، شعر رئيس الوزراء الإسرائيلى أرييل شارون بغضب القس الإنجيلى الأمريكى بات روبرتسون عندما أمر بانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة وتفكيك مئات المستوطنات الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية. بعد عدة أشهر، أصيب شارون بجلطة دماغية، وأعلن روبرتسون أن هذا عقاب إلهى لـ«تقسيم أرض الله».
كان رئيس الوزراء الإسرائيلى الراحل مناحيم بيجن، مؤسس حزب الليكود الذى يتزعمه نتنياهو الآن، أول زعيم إسرائيلى يحرص على كسب دعم المجتمع المسيحى الإنجيلى، ويقيم علاقات مع القادة الدينيين المؤثرين فى الولايات المتحدة. وقد حظى بدعمهم عندما ضربت إسرائيل المنشأة النووية العراقية عام 1981. بيجن أبرم اتفاقا براغماتية مع روبرتسون، بحسب ما قاله دانى أيالون، السفير الإسرائيلى السابق لدى الولايات المتحدة ونائب وزير الخارجية السابق. كان الاتفاق بينهما أن «كلانا ينتظر المسيح. عندما يأتى المسيح، سوف نسأله. ووفقًا لإجابته سنعرف من هو على حق.
قال دانى دانون، السفير الإسرائيلى السابق لدى الأمم المتحدة، إنه ليس شرطا أن تأتى صداقة إسرائيل مع الإنجيليين الأمريكيين على حساب اليهود الأمريكيين، فيمكن لإسرائيل الاستفادة من جميع أصدقائها. فهو يرى أنه من الجيد دائما أن يكون لإسرائيل أصدقاء تضغط لتحقيق مصالحها والتحدث باسمها، ويمكن للإسرائيليين والإنجيليين حل خلافهم حول المسيح عندما يحين الوقت، ولكن فى الوقت الحالى الأولوية للتعامل مع حماس وحزب الله وإيران وضمان تحقيق أمن إسرائيل.
•••
لكن دعم المجتمع الإنجيلى لترامب واستعداده للتغاضى عن عيوبه الشخصية والأخلاقية فى مقابل تطبيق سياسات طال انتظارها، بما فى ذلك دعم إسرائيل، قد يأتى بنتائج عكسية.
قال شبلى تلحمى، الأستاذ الفلسطينى الأمريكى للسياسة والحكومة فى جامعة ميريلاند، إن تأثير المسيحيين الإنجيليين قد يتضاءل. أظهر استطلاعان أجراهما تلحمى وشخص آخر من جامعة نورث كارولينا فى بيمبروك تضاؤل الدعم لإسرائيل بين الإنجيليين الشباب. وجد الاستطلاع أن 33% فقط من الإنجيليين الشباب يدعمون إسرائيل فى الصراع الإسرائيلى الفلسطينى، بانخفاض عن 69% فى عام 2018. يعتقد تلحمى أن أحد تفسيرات تراجع الدعم هو ترامب، فالإنجيليون من كبار السن قادرون على تبرير أفعال ترامب (أنه شخص غير كامل، ولكنه يقوم بعمل صالح من أجل الله)، ولكن الإنجيليين الأصغر سنا لا يقبلون ذلك. ويضيف تلحمى أن هذا الموقف تجاه ترامب قد ينتقل إلى موقفهم تجاه إسرائيل. فيقول إن «هناك أدلة على أن الإنجيليين الشباب تأثروا بقضايا العدالة الاجتماعية، ونرى ذلك فيما يتعلق بتغير المناخ، والهجرة، وفى علاقاتهم مع حركة «حياة السود مهمة». وأضاف تلحمى أيضًا أن الحركة الإنجيلية أصبحت متنوعة، مع انخفاض نسبة الإنجيليين البيض فى الولايات المتحدة؛ حيث يميل الإنجيليون البيض إلى دعم إسرائيل بشكل أكبر من الإنجيليين غير البيض.
•••
فى حين أعادت إدارة بايدن العلاقات الدبلوماسية واستعادت المساعدات المالية للفلسطينيين، فقد دعمت إلى حد كبير مبادرات ترامب الرئيسية، بما فى ذلك اتفاقات إبراهام. قالت لارا فريدمان، رئيسة مؤسسة السلام فى الشرق الأوسط، إن هناك فرقًا كبيرًا بين ظهور الإنجيليين الشباب الذين يعبرون عن تعاطف أكبر مع الفلسطينيين وحدوث تغيير جوهرى فى نهج المجتمع الإنجيلى تجاه إسرائيل، فهذا التحول فى الموقف لم ينتج عنه تحول فى سياسة الإنجيليين على الأرض.
سيتعين على مايك إيفانز والقادة الإنجيليين الآخرين الذين أقاموا حدادا على مغادرة نتنياهو للسلطة أن يتصالحوا مع الحكومة الجديدة. وقال أيالون، السفير الإسرائيلى السابق، إن الإنجيليين سيتجاوزون الصدمة خاصة إذا رأوا أن الحكومات المنتخبة ديمقراطيا تخدم مصلحة إسرائيل.

إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved