قبل أن تصبح الوراق فشلا جديدًا

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الأربعاء 23 أغسطس 2017 - 8:40 م بتوقيت القاهرة

تجارب السنوات الأربع الماضية تقول إن أغلب المشروعات الكبرى التى تحولت إلى فشل أكبر انطلقت وسط زفة إعلامية صاخبة لكن بدون دراسات الجدوى اللازمة.
جمعت الدولة 60 مليار جنيه من المواطنين وبفائدة قياسية، لتمويل مشروع «قناة السويس الجديدة» على أساس أنها ستضاعف دخل مصر من القناة خلال سنوات قليلة، دون أن نعرف هل تمت دراسة جدوى المشروع، وما هى الجهة التى أجرت هذه الدراسة إن كانت قد أجريت. ثم اكتشفنا أن إيرادات القناة تتراجع، لأن حركة التجارة العالمية ليست فى أفضل حالاتها وأن أسعار البترول العالمية منخفضة، وأن هذا المشروع كان يستهدف «الروح المعنوية» للشعب وليس زيادة الحصيلة. معنى هذا الكلام أن المشروع العملاق لم يخضع لدراسة جدوى حقيقية.
وانطلقنا لاستصلاح 4 ملايين فدان قبل أن نخفضها إلى مليون ونصف المليون فدان، دون أن تكون هناك دراسة جدوى له، سواء من ناحية صلاحية الأرض المختارة للزراعة أو توافر المياه اللازمة، أو حتى جاهزية المستثمرين للاستثمار فى هذا المشروع، فتحول المشروع إلى فشل كبير بعد مرور 3 سنوات دون أن نرى له أى محصول.
وقبل هذا وبعده، مشروع تطوير مطار الإسكندية بتكلفة تجاوزت 400 مليون جنيه لنكتشف أننا لن نستطيع استخدامه «لأسباب لا يمكن ذكرها».
هذه التجارب وغيرها تفرض على الجميع ضرورة مناقشة ما يقال عن تطوير جزيرة الوراق وتحويلها إلى «مانهاتن مصر» وهل تمت دراسة هذا المشروع بكل جوانبه، خاصة وأن النظرة الأولى لمثل هذا المشروع تقول إنه لن يختلف كثيرا عن سابقيه من المشروعات «الفنكوش».
كيف يمكن للدولة التى تزيل منزل الفلاح البسيط الذى أقامه على قيراط أرض زراعية مملوكة له بدعوى الحفاظ على الرقعة الزراعية أن تحول الجزيرة التى تضم 1800 فدان من أخصب الأراضى إلى غابة من الأسمنت؟ وهل درست الدولة وأجهزتها تأثير مثل هذه الخطوة على مصداقية حديثها عن ضرورة الحفاظ على الأراضى الزراعية وخطورة التعدى عليها؟
وكيف تقرر الدولة التى تبنى عاصمة إدارية جديدة تضم مركز مال وأعمال على مستوى عالمى من أجل تفريغ قلب القاهرة من المؤسسات الحكومية والاقتصادية، أن تقيم مركزا منافسا ولكن فى قلب القاهرة؟
هل تمت دراسة التأثير البيئى لتحويل هذه الرقعة الخضراء الزراعية إلى غابة من الأسمنت على البيئة ومياه النيل، خاصة وأن النيل لا تنقصه الملوثات؟، وهل تمت دراسة التأثيرات المرورية لهذا المشروع الذى سيحتاج بالتأكيد إلى مجموعة من الكبارى التى تربط الجزيرة بشاطئى النيل؟. 
وقبل كل ذلك وبعده، هل فكرت الحكومة فى مصير نحو 90 ألف مواطن يعمل أغلبهم فى الزراعة بعد تحويل الوراق إلى «مانهاتن مصر»، خاصة أنهم لا يعرفون إلا الزراعة والصيد ولا يمكن نقلهم إلى الأسمرات أو مساكن الإيواء فى المدن الجديدة؟.
أخيرا لا أنتظر ولا أظن أن أحدا ينتظر من الحكومة إجابات على هذه الأسئلة لأنها تحتاج فى البداية إلى دراسة جدوى للمشروع، فى حين أن تجاربنا مع الحكومة تقول إنها تبدأ تنفيذ المشروع وإهدار المال والطاقة فيه ثم تبحث له عن جدوى بعد ذلك.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved