مكافحة الفساد فى أفريقيا

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الأربعاء 23 أغسطس 2017 - 8:35 م بتوقيت القاهرة

نشر مركز The Institute for Security Studies تقريرا للكاتبة «ليسل لو ــ فودران» وهى خبيرة استشارية فى برنامج بحوث السلام والأمن فى بريتوريا. تتناول فيه اعلان الاتحاد الإفريقى أجندة مكافحة الفساد فى أفريقيا فى عام 2018، وما يواجه القارة بالفعل من قضايا فساد وفضائح تم الكشف عنها، وتحليل معوقات مكافحة الفساد فى القارة السمراء.
استهلت الكاتبة مقالها بالإشارة إلى بعض قضايا الفساد التى كشفت مؤخرا فى القارة السمراء، ففى مالاوى تم إلقاء القبض على رئيسة البلاد السابقة «جويس باندا» لتورطها بالفساد وإساءة استغلال السلطة، بالإضافة إلى تهم أخرى تتعلق بالنهب وغسل الأموال والتزوير... إلخ وقد كانت تلك الممارسات تتم على مرأى ومسمع منها دون أية محاولات للتصدى لها وإيقافها؛ ليس هذا فحسب وإنما استفادت منها! 
فى نيجيريا كشفت لجنة الفساد المالى والاقتصادى عام 2015 بعد تولى الرئيس «محمد بوهارى» الحكم عن فساد بعض رجال الحكومة تفيد بتورط وزير النفط فى صفقات مشبوهة واستيلائه على المال العام من خلال تحويل ملايين الدولارات من خزانة الدولة لحسابه الخاص. وكُشفت أيضا شبكة فساد فى إثيوبيا يتورط فيها اعضاء من الحكومة مع بعض رجال الأعمال.
وعن معوقات مكافحة الفساد فى أفريقيا بما فى ذلك ما تم كشفه وإعلانه من حالات الفساد السابق ذكرها، تشير الكاتبة إلى أن القارة السمراء تنقصها الشفافية وتقل فيها المعلومات والإحصاءات والمصادر والأرقام الرسمية عن حجم الفساد، كما أنه لا يوجد آليات قانونية تطبق على كبار المسئولين الفاسدين أثناء وجودهم بالسلطة، إنما يتم أولا عزل الحكومة وتغييرها قبل توجيه تهم الفساد. بالإضافة إلى أن مكافحة الفساد فى أفريقيا ليس نابعًا من دافع ذاتى معبرا عن إرادة تلك القارة؛ إنما يتم الأمر من خلال ضغط خارجى وتهديدات من المنظمات العالمية والدول المانحة بقطع إمداداتها وتوقيع عقوبات على تلك الحكومات إذا استمر فيها هدر الأموال والفساد فى استخدام تلك المنح المالية، وتضغط الدول المانحة من أجل منع الفساد فى استخدام أموال المنح خوفا من وصولها للجماعات الإرهابية، وخوفا من توسع نشاط الجماعات الإرهابية مستغلة حالة الفساد السائدة فى تلك البلاد من أجل القيام بعمليات غسل الأموال واستثمارها وتوسيع نشاطها وعملياتها. فترضخ الدول الأفريقية وتعلن عن مكافحتها للفساد بسبب الضغوط الخارجية وليس لقناعات أو خطط أو دوافع داخلية.
الجدير بالذكر أن مكافحة الفساد فى أفريقيا لا تتم وفق آلية منهجية وتفتقر للرؤية الشاملة التى تهدف لاقتلاع الفساد من جذوره وعلاج أسبابه، فلا يوجد وعى مجتمعى بضرورة المساهمة فى القضاء على الفساد، ولا توجد خطط قانونية ومؤسسية لمحاربته، إنما يتم الأمر بغرض الثأر والتنكيل السياسى بين المتنافسين والمعارضين السياسيين بعضهم البعض بغرض التنافس على السلطة والطمع فى المناصب والامتيازات، وما إن ينتهى التنافس وتتوافق المصالح فيما بينهما يختفى معها الحديث عن مكافحة الفساد، ويعود المتهمون بالفساد مرة أخرى للحياة السياسية من جديد كأن شيئًا لم يكن، ويتناسى الناس ما كان قد لحق بهم من تهم الفساد؛ مثلما حدث مع «باندا» التى من المتوقع أن تخرج من حالة العزلة السياسية وتنخرط فى المجال العام مرة أخرى مع اقتراب الانتخابات فى 2019.
***
تنتقل الكاتبة لتوضيح أثر الفساد على القارة الأفريقية وما يسببه لها من ضرر، وتتناول هنا الأثر السلبى للفساد على اقتصادات الدول، بسبب تدفق أموال وثروات الدول المنهوبة للخارج، من خلال حسابات سرية تعود لرؤساء تلك الدول وأعضاء حكوماتهم، يرسلونها لبنوك فى الخارج كى يستثمروا فيها ويزيدوا من ثرواتهم الخاصة ويحرمون اقتصاد دولهم من الاستفادة منها، ويضيعون عليها العديد من فرص التنمية، وذلك بسبب ارتباط أداء الاقتصاد بشخص الحاكم وغياب الرؤية والأداء المؤسسى فأى عزل يحدث للرئيس يؤدى لانتكاس الأداء الاقتصادى وانخفاض معدلات النمو الاقتصادى على عكس ما يحدث فى الدول ذات الاقتصاد والأداء والخطط المؤسسية، والتى يستمر فيها الأداء الاقتصادى بمعدلاته المرتفعة برغم من تغيير الحكومات أو عزل المسئولين الفاسدين، فقد أشارت الكاتبة إلى تهم الفساد التى واجهت رئيسة الجمهورية فى كوريا الجنوبية بتورطها فى اساءة استغلال منصبها وعزلها من منصبها، رغم ذلك لم يتأثر الاقتصاد الكورى ولم تنخفض معدلات أدائه.
اختتمت الكاتبة مقالها بتناول خطة الاتحاد الافريقى للقضاء على الفساد فى 2018، حيث قمة أديس أبابا المزمع عقدها بهذا الشأن تسلط الضوء على ظاهرة تدفق أموال القارة للخارج ونهب ثرواتها وحرمانها من الاستفادة منها، وتسعى لتوحيد الجهود من أجل القضاء على ظاهرة غسل الأموال، بالتنسيق مع الدول المستقبلة لتلك الأموال حتى تسد الطريق فى وجه الفاسدين وتمنعهم من الاستفادة من الأموال المنهوبة وإضافتها لثرواتهم الخاصة. 
ونبهت إلى ضرورة تحويل تلك الجهود إلى اجراءات فعلية على أرض الواقع حتى تؤتى أثرها وذلك من خلال ترجمتها إلى إجراءات وقوانين تنفيذية يسهم فى تطبيقها الجميع من خلال الحكومات والمؤسسات والأفراد، حتى لا تصير كلاما مرسلا لا جدوى له ولا تلقى مصير اتفاقية مكافحة الفساد التى أبرمها الاتحاد الإفريقى عام 2003 ودخلت حيز التنفيذ فى 2006، لكن كحبر على ورق دون أى إسهام حقيقى فى القضاء على الفساد فى أفريقيا على أرض الواقع.

النص الأصلى: 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved