اتهام اليهود بعدم الولاء يحول ترامب من مشتبه به إلى مدان بالعداء للسامية

من الصحافة الإسرائيلية
من الصحافة الإسرائيلية

آخر تحديث: الجمعة 23 أغسطس 2019 - 10:30 م بتوقيت القاهرة

اتهام اليهود بعدم الولاء هو ألف باء العداء للسامية. وهو يستخدم كحجر أساس فى كراهية اليهود منذ أيام خوف فرعون من عبيده العبرانيين، مرورا بالمذبحة الأولى فى الإسكندرية فى القرن الأول الميلادى، وحتى قضية دريفوس، وبرتوكولات حكماء صهيون، وشعار النازيين المسموم بشأن «غرز سكين فى الظهر» دعاية نازية اتهمت اليهود فى ألمانيا بأنهم وراء خسارة ألمانيا الحرب العالمية الأولى».
عندما يأتى هذا الاتهام باللاسامية من رئيس الولايات المتحدة، أقوى رجل فى العالم، فإن الصدمة أعمق بكثير والقلق كبير؛ لأن المقصود هو الجالية اليهودية الأقوى والأمتن والأكثر ازدهارا.
شىء ما حدث فى البيت الأبيض فى ليلة الثلاثاء الماضى. حديث ترامب أمام الصحفيين بأن اليهود الذين يصوتون للديمقراطيين يُظهرون «عدم ولاء» هز النفوس وأصاب اليهود بالدهشة، وخلق واقعا جديدا كئيبا. كل تصريحات ترامب المريبة فى الماضى بشأن مهارة اليهود فى عد الأموال وشراء الرؤساء بأموالهم، جنبا إلى جنب مع التشجيع الذى قدمه ويستمر فى تقديمه للعنصرية البيضاء الكارهة لليهود، نزر يسير مقابل إطلاق التهمة القديمة بشأن الخيانة المتأصلة لدى الأقليات اليهودية فى الخارج.
فى أعقاب العاصفة التى هبت، أجج ترامب كعادته النار وزاد من القلق. فى سلسلة تغريدات هاذية نقل مذيع محافظ معروف عن ترامب بأنه تباهى فى إسرائيل كملك متوج وحتى كالمسيح، وميز بين اليهود فى إسرائيل، الأذكياء والعقلاء، وبين يهود الولايات المتحدة، الأغبياء والخونة الذين لا يقدرون عظمته ومجده وطيبة قلبه.
لقد أثبت ترامب أنه لا يتوانى عن استخدام إسرائيل كوسيلة ضغط لإبعاد الحزب الديمقراطى عن مؤيديه ومانحيه من اليهود. ولا يهمه أبدا التأييد للحزبين الذى اعتبر فى الماضى حجر الأساس فى العلاقات الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. من أجل مجموعة أصوات من اليهود والمانحين، ورغبة شديدة فى الحصول على إعجابهم، يحاول ترامب تسميم العلاقات بين اليهود والحزب الذى يمثل قيَمهم، والذى وقف إلى جانب إسرائيل عندما كان الجمهوريون ينظرون إليها كعقبة فى وجه علاقتهم بعمالقة النفط فى دول الخليج الفارسى.
أدت الحادثة الأخيرة إلى ردات فعل صادمة وذهول لدى المنظمات اليهودية والجالية اليهودية فى الولايات المتحدة، كما تسببت فى نشوب توتر حقيقى بين الأغلبية الليبرالية وسط يهود الولايات المتحدة وبين رئيسهم، وفاقمت من الاستياء الذى يشعرون به تجاهه. كما تسببت فى مواجهة داخلية جبهوية أقسى من أى مرة سابقة بين الأغلبية اليهودية الليبرالية، وبين الأقلية اليمينية المحافظة التى تدافع عن الرئيس باستماتة، فى الأساس من خلال التلويح بتأييده الظاهرى لإسرائيل.
بسبب التماهى بين ترامب ونتنياهو ــ الذى تعمق فى الأيام الأخيرة فى أعقاب قرار إسرائيل إرضاء الرئيس ومنع دخول عضوتى الكنيست المسلمتين إلهان عمر ورشيدة طليب إلى أراضيها ــ فإن مكانة إسرائيل ستتآكل أيضا والجفاء حيالها سيزداد. وهذا الجفاء سيتحول إلى كراهية حقيقية إذا كان البيت الأبيض «سيطلب» من نتنياهو، للمرة الثانية خلال أسبوع، من رئيس الحكومة أن يبذل كل ما فى قدرته للدفاع عن الرئيس إزاء وصمه كمعاد لليهود. وقبل شهر من الانتخابات سيكون من الصعب على نتنياهو أن يرفض، حتى لو جرى تصويره بأنه يدير ظهره لشعبه.
لقد أوضح ترامب بعد مرور يوم على كلامه عن «عدم الولاء لإسرائيل»، بأن يهودا يظهرون عدم الولاء لإسرائيل من خلال استمرارهم فى التصويت إلى جانب الحزب الديمقراطى المعادى لإسرائيل الذى يضم طليب وعمر. ومما يدعو للسخرية أن ترامب سيكون من الصعب عليه تتبع ما ينطوى عليه اتهامه: عندما يصرح الرئيس الأمريكى بأن أغلبية يهود أمريكا لا ولاء لهم لإسرائيل، فإنه يبرئهم عمليا من تهمة «الولاء المزدوج».
بحسب هذا الرأى، فإن تحامل ترامب، سواء كان من بنات أفكاره أم أن أحدا ما ألقاه على مسامعه، يستند إلى نظرة معادية للسامية فى الأساس، يجرى تداولها فى هوامش اليمين واليسار معا، بأن الولاء الأساسى ليهود الولايات المتحدة هو لإسرائيل، وهم يصوتون وفقا لذلك. لقد اعتقد ترامب ــ أو هناك من جعله يعتقد ــ أنه إذا أظهر علاقة وثيقة بإسرائيل، و«أثبت» أن الديمقراطيين يتبنون وجهات نظر طليب وعمر، فإن يهود الولايات المتحدة سينتقلون إلى جانبه بأعداد كبيرة.
فى اعتقاده، خطوات مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان من المفروض أن تعتم على رؤية العالم الليبرالى الذى حول اليهود إلى معارضين لمبادئ سياسته فى موضوعات مثل الهجرة، والأقليات، والإجهاض، وحرية التعبير، وسلطة القانون وثقافة السلطة.
اتهام اليهود بـ«عدم الولاء» ناجم عن خيبة أمل الرئيس، لأنه لم يحصل على مقابل لقاء بإدراته المؤيدة لإسرائيل. لقد وُعد بأن اليهود سيقفون إلى جانبه، لكن هؤلاء خيبوا أمله، وليس هناك ما يُخرج ترامب عن طوره أكثر من شعوره بأنه خرج خاسرا فى صفقة «أعط وخذ». حتى الآن يتركز غضب الرئيس على يهود بلده، لكن ليس من المستبعد أنه يخفى وراءه استياء من إسرائيل ــ وخصوصا من ممثليها وكبار مسئوليها الذين أقنعوه بأنه سيكون هناك مقابل يهودى للفاتورة الإسرائيلية التى دفعها.
فى نظر أغلبية يهود الولايات المتحدة تحول ترامب فى الأمس من مشتبه به فى العداء للسامية إلى شخص مدان بهذا العداء، ليس هناك أدنى شك فى إدانته. ويزداد غضب هؤلاء وخيبة أملهم أضعاف الأضعاف عندما يرى اليهود فى وقت محنتهم رئيس حكومة إسرائيل يقف بقوة إلى جانبه.
إذا لم يعرف نتنياهو كيف ينقذ نفسه من الحفرة التى حفرها له ولدولته صديقه العزيز ترامب، فإن يهود الولايات المتحدة لن يسامحوه، ومعهم تاريخ الشعب اليهودى على مر الأجيال.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved