تعديل الدستور

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الأربعاء 23 سبتمبر 2015 - 8:15 ص بتوقيت القاهرة

تعالت أصوات مطالبة بتعديل دستور 2014، على خلفية تصريحات للرئيس عبدالفتاح السيسى من أن بعض بنوده كتبت بحسن نية، وهى بالمناسبة ذات الأصوات التى كانت مؤيدة، ومشجعة، ودافعة للتصويت بالموافقة على ذات الدستور قبل أقل من عامين من الآن. تغيير الرأى وارد، وتعديل المواقف طبيعى فى الحياة، ولكن لابد أن يكون ذلك نابعا من رؤية ومنهج. وهنا تبدو ملاحظات جوهرية:
أولا: المطالبة بتعديل الدستور، أى دستور، تأتى عندما يصبح جامدا، غير قادر على التعامل مع الواقع، أو يكون تعبيرا عن نظام سياسى تهاوى، وهو أمر لم يتحقق فى الحالة المصرية نظرا لأن الدستور ذاته لم يُفعل بعد. لم يُنتخب مجلس نواب حتى نختبر طبيعة التفاعلات بينه وبين الحكومة من ناحية وبينه وبين الرئاسة من ناحية أخرى، فضلا عن أن هناك حاجة لعشرات القوانين لم تسن بعد حتى تتحول النصوص الدستورية إلى ممارسة فعلية.

ثانيا: المطالبة بتعديل الدستور، أى دستور، تأتى حصيلة بحث ودراسة، وقراءة ومقارنة خبرات محلية بأخرى دولية، حتى يمكن أن نصل إلى أفضل صيغ تلائم الواقع المحلى، وتشكل فى ذاتها دافعا على تقدمه على طريق التنمية السياسية. وهو أمر، مرة أخرى، لم يحدث فى الحالة المصرية، وكل ما نراه تصريحات عامة، وأحاديث صحفية أو تليفزيونية، تخلو من عمق التحليل، أو الدراسة المتأنية، التى يستلزمها حديث جاد عن تعديل الدستور.

ثالثا: المطالبة بتعديل الدستور الآن تفتح الباب أمام مزيد من الارتباك السياسى. قد لا يكون الدستور الذى بين أيدينا هو الأفضل، وقد لا يكون هو المناسب بالنسبة لنا، ولكن مسألة التعديل تحتاج إلى سنوات حتى نتمكن من تدعيم أسس النظام السياسى، وتظهر الحاجة إلى تعديلات أو قد لا تظهر الحاجة إليها.

الحديث عن تعديل الدستور الآن يأتى من قلب الفريق السياسى الذى قام بوضعه. فقد جاءت لجنة الخمسين تعبيرا عن التشكيلة السياسية التى أعقبت ثورة 30 يونيو، ولم يطرأ جديد على الواقع السياسى حتى نفكر فى مراجعة الدستور، الذى بالمناسبة لا يعرفه المجتمع معرفة واسعة، ويصعب أن نقول إن الدستور جاء مجرد تعديل على دستور 2012، الذى وصف بأنه دستور الغلبة، حيث كان للإسلاميين عامة اليد الطولى فيه، وسط انسحابات القوى المدنية الأخرى، لأن لجنة وضع دستور 2014 تمتعت بمساحة عريضة للنظر فى جميع مواد الدستور دون قيد عليها.

الإشكالية الحقيقية أن الدول التى شهدت تحولات سياسية مثل مصر، بها قوى دافعة تجاه الديمقراطية، وأخرى تريد عودة الصيغ السياسية القديمة، ويشكل الدستور مساحة من التفاعلات بينهما، وليس نقطة توازن بين القوى السياسية والاجتماعية المتنوعة. قد تحتاج صناعة الدستور كما حدث فى دول أخرى لسنوات، وقد تتطلب نقاشات معقدة قبل الوصول إلى صياغاته النهائية، آخذة فى الاعتبار التحولات التى يشهدها العالم، وهو ما لم يحدث فى الحالة المصرية التى أخذت بخارطة طريق تقوم على الدستور أولا، بعد فشل تجربة البرلمان أولا فى عام 2012، فهل نعود الآن لنقول إن من أولى مهام البرلمان تعديل الدستور؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved