فى مرحلة إطفاء الأنوار

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: السبت 23 أكتوبر 2010 - 9:44 ص بتوقيت القاهرة

 لا نستطيع أن نفترض البراءة فى إجراءات إغلاق القنوات الفضائية التى تتابعت فى مصر خلال الأيام الأخيرة. كما أننا لا نستطيع أن نصدق إدعاءات الغيرة على التعاليم الدينية والأخلاق العامة التى تذرع بها المسئولون عن إصدار قرارات الإغلاق، لأن الكثير مما أخذ على تلك القنوات إذا اعتبر معيارا وأخذ على محمل الجد، فإن من شأنه أن يؤدى إلى إغلاق التليفزيون الرسمى الذى تشرف عليه الحكومة ويخضع لتوجيهات وزير الإعلام. ولولا الحياء لذكرت بعضا من المشاهد التى يبثها التليفزيون الحكومى والتى ترشحه للانضمام إلى قائمة القنوات المحظورة أو تلك التى وجهت إليها الإنذارات. ولا أريد فى هذا الصدد أن استشهد ببعض البرامج الهابطة التى قدمت فى شهر رمضان، لكنى أذكر أنه قبل أيام قليلة فتحت التليفزيون على القناة الثانية وشاهدت لقطة من فيلم ظهرت فيها ثلاث ممثلات كان موضوع الحوار بينهن هو أحضان الرجال وأهميتها بالنسبة للمتزوجة وغير المتزوجة.

لم يعد سرا أن هذه الغيرة المفاجئة على الأخلاق والتعاليم والسلام الاجتماعى أريد بها تغطية توجيه رسالة أخرى تدعو الجميع إلى الكف عن المشاغبة السياسية، وتقيد حركة الفضائيات فى تغطية أحداث الشارع المصرى، فضلا عن الانتخابات المقبلة، التى تعرف أن التزوير يشكل أحد أهم عناوينها. ورغم أن الجميع تسلموا الرسالة. إلا أن ذلك لا يمنعنا من تسجيل ملاحظتين هما:

● الأولى أن قرارات الإغلاق جاءت تعبيرا عن هيمنة «عقلية المطرقة»، التى لا تعرف سوى البتر والقمع ولا تعطى مجالا لا لاعمال القانون ولا لإجراء الحوار. وهما الوسيلتان المتحضرتان للتصويب والمساءلة والمحاسبة. ومن الواضح أن كفة خيار القمع هى التى رجحت، وأن خيار التفاهم لم يكن مطروحا.

● الثانية أن الإجراء الذى كان مطلوبا قبل البتر تم بعده. ذلك أن الجهة التى طلب منها إصدار الإغلاق (هيئة الاستثمار) استدعت المسئولين عن القنوات التى حظرت، خصوصا تلك المعنية بالشأن الدينى، وطلبت منهم التوقيع على خمس نقاط هى: أن تكون نسبة البرامج الدينية بحد أقصى 30٪ من المواد التى يتم بثها ــ ألا يظهر فى تلك البرامج إلا العلماء الذين يحملون شهادات إجازة فى تخصصاتهم ــ ممنوع الخوض فى الشأن المسيحى ــ ممنوع التعرض للمذهب الشيعى ــ البرامج السياسية والنشرات الإخبارية محظورة. وإلى جانب ذلك طلب من كل واحد منهم أن يقدم إلى هيئة الاستثمار بصفة منتظمة خريطة الدورة البرامجية وأسماء مقدمى البرامج للتثبت من التزام القنوات بما تم الاتفاق عليه. وفى الوقت ذاته تم استدعاء بعض المسئولين عن تلك القنوات إلى جهاز أمن الدولة، وطلب منهم استبعاد أسماء بذاتها من الظهور على شاشات التليفزيون، كما اقترحت عليهم أسماء معينة(مقبولة أمنيا) لكى تتولى تقديم البرامج أو المشاركة فيها.

إذا صحت هذه المعلومات التى استقيتها من مصادر موثوقة فهى تعنى أن التفاهم المرجو لم يأت فقط بعد البتر ولكنه أيضا اتخذ صيغة الإذعان والإملاء. ورغم أن بعض النقاط التى طلب من مديرى القنوات الالتزام بها تبدو منطقية ومعقولة، خصوصا تلك التى تعلقت بسد ذرائع الفتن الطائفية أو المذهبية، إلا أنه ليس مفهوما مثلا أن تكون لدينا قناة مخصصة بالكامل للرياضة فى حين تطالب القنوات الدينية بألا تزيد برامجها الدينية على 30٪ فقط. كما أننى أستغرب حظر التطرق إلى الشأن السياسى وبث الأخبار على تلك القنوات. وهو ما يفهم منه أن الجهات الرسمية تريد أن يكون بث تلك المواد حكرا على التليفزيون الرسمى وحده. ثم إن استغلال جهاز أمن الدولة ذلك الظرف لحجب بعض المتحدثين والمشاركين وفرض آخرين من الموالين والمعدين سلفا، هذه الشواهد تدل فى مجموعها على أننا بصدد خطوة تستهدف «تأميم» القنوات الخاصة، وإخضاعها لسقف ومواصفات التليفزيون الرسمى. وإذا أضفت إلى ذلك مجموعة الإجراءات الأخرى المتعلقة بتقييد بث الرسائل على أجهزة المحمول وإحكام الرقابة على مكاتب الفضائيات العربية فى مصر ومنع بعض البرامج الحوارية المسائية والانقضاض على جريدة الدستور، والضغوط المباشرة وغير المباشرة التى تتعرض لها صحف مستقلة أخرى، فستدرك أننا دخلنا إلى مرحلة إطفاء الأنوار وتجهيز المسرح لما لا يسر الخاطر أو يسمح بالتفاؤل ــ ربنا يستر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved