الرد السياسى «المؤجل»

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الأربعاء 23 أكتوبر 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

يأخذ الاعتداء على الأقباط أشكالا عديدة. منها الاعتداء الممنهج المنظم الذى أدى إلى حرق وتحطيم ونهب كنائس، ومدارس، وبيوت الخدمة فى محافظات الصعيد على وجه التحديد خصوصا ما حدث عقب فض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة. ومنها ما يأخذ شكل الخلاف الاجتماعى أولا ثم يتحول إلى اعتداء سافر على المسيحيين، وهو ما حدث فى محافظات عديدة طيلة العقدين الأخيرين. ومنها أيضا استهداف مواطنين مسيحيين بعينهم إما طلبا لفدية أو بهدف الاستيلاء على أموالهم وممتلكاتهم. وأخيرا منها الاعتداء لمجرد الاعتداء، بشكل عشوائى، بقصد إحداث أكبر عدد ممكن من الخسائر. نتذكر القنبلة التى انفجرت فى كنيسة «العذراء» بشبرا فى أواخر عهد الرئيس السادات، والتفجير الذى حدث فى كنيسة «القديسين» بالإسكندرية، وأخيرا الاعتداء على «فرح» فى كنيسة السيدة العذراء بالوراق.

الحادث ليس فتنة طائفية، ولكنه اعتداء على مواطنين مصريين، من المعتاد أن يكون بينهم مسلمون، ولاسيما أن تجمعهم كان فى مناسبة اجتماعية، وليس مجرد طقس دينى فقط.

دلالات الحادث كثيرة.

الدلالة الأولى: عقابية، وهى الاستمرار فى معاقبة الأقباط على تأييد ثورة 30 يونيو.

الدلالة الثانية: حكومية، وهى إظهار الحكومة الحالية بمظهر من لا يستطيع توفير الأمن لمواطنيه المسيحيين.

الدلالة الثالثة: التذكير بأن «الجرح الطائفى» لم يندمل بعد. أعقب ثورة 25 يناير أحداث قرية صول، وأطفيح، والمريناب، وثورة 30 يونيو تلاها اعتداء واسع على ممتلكات مسيحية، ثم اعتداء عشوائى بالرصاص أمام كنيسة بالوراق.

الدلالة الرابعة: دولية، وهى إحراج الحكومة التى لا توفر الأمن، وتقدم دليلا إضافيا للتقارير الدولية، وآخرها «العفو الدولية»، الذى انتقد الحكومة لعدم توفيرها الأمن الكافى للأقباط.

الدلالات كثيرة. جيد أن ينتفض المجتمع بكل مؤسساته غاضبا، ومستنكرا، مطالبا بسرعة القبض على الجناة. رد طيب، لكن يحتاج الأمر إلى رسالة قوية تناسب سمو رد الفعل المسيحى، وتجرعه المواقف المؤلمة تقديرا للحظة الراهنة التى تمر بها البلاد.

الرد الذى ينبغى أن يكون على هذا الحادث الإجرامى هو إصدار تشريع ينظم بناء الكنائس يعزز الحرية الدينية فى المجتمع، ويؤكد بالفعل أن المجتمع المصرى تغير، وأصبح يرنو ببصره إلى الديمقراطية والحريات والمساواة.

قد لا تكون هناك صلة مباشرة بين حادث كنيسة الوراق وصدور تشريع ينظم بناء الكنائس، ولكن الصلة غير المباشرة تكمن فى حقيقة أساسية هى أن يشعر الأقباط بأن المجتمع يقدر نضالهم المشترك مع المسلمين من أجل الديمقراطية والحرية.

لم يصدر المجلس العسكرى التشريع المرجو عقب ثورة 25 يناير، ولم يستفد الإخوان المسلمون من حكم البلاد طيلة عام فى إصدار هذا التشريع الذى كان سيحسب لهم بالتأكيد، والآن فى المرحلة الانتقالية الثانية يبدو أن هذه المسألة ليست فى الحسبان.

أبلغ رد على حادث إجرامى يعتدى على المواطنين الآبرياء فى مناسبة اجتماعية صرف هو إصدار تشريع يحقق، ويعزز، ويمكن هؤلاء المواطنين من ممارسة حريتهم الدينية، ويشعرهم بأنهم يسيرون على طريق المساواة، وإزالة كل صور التمييز.

رد سياسى له مغزاه ودلالاته لا يكتفى ببيانات الشجب والإدانة وصرف المساعدات الاجتماعية، جميعها أمور مقدرة، لكن بمثابة مسكنات اللحظة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved