سارق الملايين

محمود قاسم
محمود قاسم

آخر تحديث: الجمعة 23 أكتوبر 2020 - 8:30 م بتوقيت القاهرة

«سارق الملايين» فيلم أبطاله الرئيسيون من نجوم مصر، وهم: فريد شوقي، ونبيلة عبيد، وعادل أدهم، وليلى شعير، أما بقية الأدوار الصغيرة فجسدها ممثلون لا يعرفهم أحد حتى داخل لبنان نفسها، وعليه فإن الشخصيات هنا تنطق باللهجة المصرية، فى الوقت الذى تنطق فيه الشخصيات الأخرى مثل رجال الشرطة، والعاملون فى الفنادق والبنوك، باللهجة اللبنانية، وهذه هى نبيلة عبيد تذهب إلى لبنان، وتلحق بفريق عملت معه من قبل خاصة المخرج نيازى مصطفى وكاتب السيناريو عبدالحى أديب، وأمام الممثل فريد شوقى الذى شاركته البطولة فى «رابعة العدوية»، لتكون فى فيلم عصرى كل ما تختلف لحكاية فيه هو وجود كازينو للقمار، يحقق مكاسب بالملايين كل ليلة، وايضا وسط طبيعة لبنان الخضراء، خاصة أن الأحداث تقع فى بيروت، الأقرب إلى مدينة الاسكندرية فى بحرها، وهى عاصمة لبلد يعتمد على المال، ويستقبل القادمين من كل العالم، وهو أمر لن يعزف عليه الفيلم كثيرا، فأبطال الفيلم يقيمون فى لبنان، وليس هناك أى اشارة إلى أنهم مصريون، بل إن المرأة ميمى تعيش مع ابنتها، وتعمل فى البغاء، وتكاد تكون الوحيدة التى نعرف من هو والد ابنتها، أما عادل أدهم فهو يقوم بدور رجل عصابات يدعى أنه ضابط شرطة، وهو ليس كذلك رغم لهجته المصرية، ويبدو أن الأمر لم يشغل صناع الفيلم بالمرة الذين كان كل همهم تجميع هذه الأسماء من النجوم المصريين الذين يمكنهم جذب المتفرج، خاصة أن الممثل اللبنانى وحيد جلال كان هنا فى دور ثانوى ملحوظ.
صاحب هذه الظاهرة أن المخرجين، ومنهم نيازى مصطفى، أتوا معهم من القاهرة بكتاب السيناريو الذين كتبوا لهم الأفلام فى مصر، ومنهم عبدالحى أديب الذى عمل دوما فى افلامه مع فريد شوقى من خلال كتابات متنوعة.
نحن أمام فيلم تسلية تجارى يناسب تماما جمهور الترسو الدى كان الثلاثى يعمل كثيرا افلاما مماثلة، وفيه تأثر واضح بالفيلم الفرنسى، «الخطة المحكمة» الذى يدور حول سرقة كازينو للقمار، وهو موضوع غريب عن البيئة المصرية فى تلك الفترة، ولكنه مع اتخاذ بيروت مكانا للأحداث فإن الأمر لا يبدو غريبا بالمرة فى هذه الأجواء، المكان هنا هو كازينو لبنان، فى آخر الليل، حيث يتم جمع أرباح الكازينو من لعب القمار، ويقول المدير المسئول إن الدخل بلغ مليون ليرة، وإن اجمالى المبلغ الموجود فى الخزينة خمسة ملايين ليرة، وهناك ثلاثة من العاملين فى المؤسسة يتعاونون للاستيلاء على حقيبة بها مليون ليرة لبنانية، هى حصيلة الرصيد فى ليلة، أى أننا أمام فيلم ليلى، ابطاله من العاملين بالليل، ومنهم سارق الملايين الذى سوف يهرب من زميليه؛ كى يكون ذلك سببا فى اتساع دائرة المطاردات، حيث سيجد اللص الفائز بالحقيبة نفسه أمام أطراف أخرى تطارده، هم كل واحد من زميليه، بالاضافة إلى رجال الشرطة، وأيضا رجال المؤسسة التى تمت السرقة فيها، ومنهم المدير الذى يشك فى أن أوصاف السارق الأساسى تتقارب مع فريد، وايضا العاهرة التى تبحث عن المال، فتأخذهم إلى بيتها غير المجهز غالبا حيث تعيش مع ابنتها الصبية، أو قد تذهب إلى بيت الرجل الباحث عن المتعة لليلة واحدة، ولما كان على لص الملايين أن يهرب ممن يطارده للإمساك به عقب السرقة، فإنه يجد فى مصاحبة بنت الليل مريم فرصة ذهبية للافلات مع غنيمته إلى مكان آمن، وهو بالنسبة للمرأة رزقها فى تلك الليلة، وتوافق ان تأخذه إلى مسكنها حين يبلغها انه لا يمتلك المستقر فى بيروت، وهو القادم لتوه من المطار، وفى البيت يقابل الصبية الصغيرة للمرة الأولى، ويبدو حريصا على الاحتفاظ بالحقيبة حتى حين يدخل إلى دورة المياه، إلا أن المرأة تقنعه أن يترك الحقيبة، التى سرعان ما تهرب بها دون أن تعرف محتوياتها، بعد أن تهاجم قوات الآداب المكان، ويساق اللص إلى قسم الشرطة، وعندما تثبت براءته فى الليلة نفسها يبحث عن المرأة، ويعود مرة أخرى إلى موقف السيارات ليسأل المنادى عن مكانها، ويتجه إلى هناك ويقابل ابنتها الصبية، يأخذ الحقيبة من العاهرة، وتتنامى مشاعر عاطفية من طرفها نحوه، وهى المرأة التى تنوى الاستقرار.
هذا هو دور نبيلة عبيد فى الفيلم، اقرب إلى المومس الفاضلة، فهى مريم ابنة الليل التى تنقذ أمين، وهو أحد العاملين فى الكازينو. كما أنه صديق مدير الكازينو، مريم إذن ظهرت فى طريق أمين وهى تركب سيارة لالتقاط زبون يساعدها فى ذلك منادى السيارات جاك، فى اللحظة الحاسمة التى يكاد يتم فيه القبض عليه من مطارديه، ومريم تصف نفسها انها ليست جميلة، وأنها عبيطة، تصحبه إلى بيت صاحبتها التى تدير بيتا للدعارة، وفى البيت تقول مريم للرجل إنها كانت طيلة الليل تنتظر الفرج، إنها تعمل فى البغاء فى ميادين سياحية، وهو دور تؤديه الممثلة للمرة الأولى وبشكل عصري، ويختلف عن أدوارها السابقة، إنه الدور الذى تهواه السينما المصرية كثيرا، امرأة وحيدة غريبة، ليس لها من أهل فى المدينة، وتتولى مسئولية ابنتها، لكنها مستعدة للتوبة فى كل وقت، وتطلب من الرجل الهارب من أنظار الشرطة أن يبقى معها، وهى رغم أنها تعرف انه لص، وسارق، فكل ما تريده هو الرجل، ورغم أن الفيلم تدور أحداثه فى فترة قصيرة فإنها تشعر بالحب والولاء للرجل، وتعلن له أنها مستعدة أن تكون خادمته طوال العمر، وتصدم بقوة حين تعرف انه مرتبط عاطفيا بامرأة أخرى، وأنه سوف يتزوجها، وتتمنى لهما السعادة، دون أن يدرى أمين أن حبيبته اتفقت مع رجل على الاستيلاء على حقيبة الليرات المسروقة.
أما المرأة الثانية فى حياة أمين سليمان اسمها مها. وهى سيدة البر والتقوى لديها مؤسسة اجتماعية لرعاية الأطفال، وهى فى العلن ترفض مقابلة أمين حين يأتى اليها فى الجمعية، وتقابله فى دارها ليخبرها أنه سرق المال الكثير سعيا للتقرب منها، وعندما تعرف أنه سارق، تطلب منه إعادة المبلغ خوفا على مكانتها، وتقنعه بإعادة المال إلى أصحابه.
وفى الفيلم رجل ثانٍ يسارى الفكر ملىء بالادعاء، هو مفلس دوما، يحلم باقامة حزب سياسى للكادحين، وما نلبث أن نكتشف أنه مدع، وأنه يتحين الفرصة للاستيلاء على المال المسروق.
هذه المواقف والشخصيات تعجل بمحاولة أمين للتوبة ويكتشف أن مدير الكازينو يسعى للاستيلاء على المال المسروق، ويصبح الجزء الثانى من الفيلم هو مسار أمين لاعادة المبلغ لاصحابه، أو توزيعه على من يستحق بناء على نصيحة ابن عمه نجيب، إذن هناك تحولات حادة فى حياة كل من الغانية واللص: «يستحيل أوافق أنى اترمى فى السجن»،
الا أنه عند الزيارة الثانية لأمين إلى بيت مريم، وأمام الشعور بأنها تحبه يغير الرجل من خطط، ويسحب وعده بإعادة الأموال لتبدأ مجموعة مغامرات ومطاردات حيث تتعاظم العلاقات وتتشابك يبدو دور مها رئيسيا، فهى التى قامت بالتآمر مع نجيب كى يسلب المال من أمين سليمان، وبالتالى فإنها تتآمر مع رجل خارج عن القانون لتمنحه المال المسروق كى يسافر الاثنان إلى البرازيل لبناء كازينو مختلف، ويتم تدبير مؤامرة للقبض على أمين، وهو يسافر خارج لبنان بجواز سفر مزور، وتنتهى المواقف بمصرع مها، وقيام الرجل بالبحث عن مريم باعتبارها الطريق المضمون للتوصل إلى أمين.
يصل الفصل الأخير من الفيلم، ونحن لا نعرف اسم الشخصية التى جسدها عادل أدهم، فهو يدعى أنه رئيس شرطة بيروت، وهو الذى يقتل حبيبته مها، ويسعى وراء أمين كى يقبض عليه ومعه مريم، حتى ولو لجأ الاثنان إلى كنيسة، ويهرب الرجل الغامض بالنقود، التى تتطاير فى الهواء حين تأتى الشرطة، ويساق أمين إلى المخفر، بينما نظرات الحسرة تبدو قوية فى عينى مريم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved