علم النفس والتكنولوجيا

محمد زهران
محمد زهران

آخر تحديث: السبت 23 أكتوبر 2021 - 7:55 م بتوقيت القاهرة

فى هذا العام الدراسى تم تعيين أستاذ جديد فى القسم الذى أعمل به، هذا الأستاذ يحمل درجتين للدكتوراه: واحدة فى علوم الحاسب والأخرى فى علم النفس، فى الجامعات الأمريكية طلبة البكالوريوس يختارون التخصص الأساسى وتخصصا آخر فرعيا، الأمر المثير أن الغالب الأعم من الطلبة على مستوى الجامعة كلها فى العلوم التطبيقية يختارون علم النفس وعلوم الحاسب بحيث يكون أحدهما التخصص الأساسى والآخر التخصص الفرعى، فما سر العلاقة بين علم النفس وعلوم الحاسب أو التكنولوجيا عامة؟ هذا ما سنتحدث عنه اليوم.
علم النفس مهم فى الشركات التكنولوجية لأن هناك منتجات كثيرة تقدم نفس الخدمة فكيف يختار العميل بين منتج وآخر؟ كان هناك العديد من الأجهزة التى تشغل الأغانى (mp3) فلماذا نجح الأيبود (ipod) من شركة آبل نجاحا مدويا مع أنه كانت هناك اختيارات أخرى وظهرت قبله بعدة سنوات؟ السر كله فى سهولة الاستخدام، يجب أن تصنع منتجا يستطيع أى شخص صغيرا كان أو كبيرا أن يستخدمه دون الحاجة إلى قراءة دليل استخدام كبير، وهذا ما تتبعه الكثير من الشركات الكبرى فى منتجاتها وأدواتها، وهو يحتاج إلى تضافر مجهودات علم النفس وعلوم الحاسب، بل إن هناك تخصصا كبيرا داخل علوم الحاسب يسمى التفاعل بين الإنسان والكمبيوتر (Human Computer Interaction) وهذا العلم له الفضل فى الكثير من المنتجات والخدمات التى نستخدمها الآن مثل اليكسا من شركة أمازون وسيرى من شركة آبل وجوجل هوم من شركة جوجل وكورتانا من شركة مايكروسوفت. لكن ليس هذا كل شىء فيما يتعلق بالمنتجات والخدمات التكنولوجية لكن تسويقها للناس بطريقة مبتكرة مهم جدا، عندما ظهر الأيباد أو ما شابهه من أجهزة التابلت من الشركات الأخرى لم يكن أحد يعرف فيم سيستخدمه، ولكن مهارة التسويق أوجدت مجالات استخدام له وأصبح من أكثر الأجهزة المبيعة فى العالم.
علم النفس أيضا له دخل كبير فى الحالة المعنوية للعاملين فى الشركات، هذا طبعا ينطبق على كل الشركات لكنه أكثر فى الشركات التى تعيش فى منافسات طاحنة مع مثيلاتها، وليس أدل على ذلك من الشركات التى تعمل فى المجالات التكنولوجية. التكنولوجيا هى تحويل المكتشفات العلمية إلى منتجات وخدمات تساعد الناس، فهل لعلم النفس دخل فى المكتشفات العلمية؟
هناك الكثير من الأبحاث عن الصفات النفسية للعلماء والحالات النفسية التى تسبق الاكتشافات العلمية إلخ، هذا الفرع متشعب جدا ولكن هناك نقطة مثيرة وهى شخصية الباحثين، هناك نوعان من الباحثين: الأول هو من يفتح بابا جديدا أى اكتشافا جديدا لظهور فرع جديد من العلم، الثانى هو الدءوب الذى يدخل من هذا الباب الجديد ويتعمق فيه. النوع الأول ينشر أبحاثا أقل لكن تلك الأبحاث يكون تأثيرها أقوى، النوع الثانى ينشر الكثير من الأبحاث لأن كل واحد منها هو تحسين صغير على ما هو قائم، لا نستطيع أن نقول إن النوع الأول أذكى أو أفضل من النوع الثانى، كلا النوعين مهم وبدون أى منها ستتأخر عجلة الاكتشافات العلمية كثيرا. المهم فى الأمر ألا يحاول باحث أن ينتقل من نوع إلى آخر لإحساسه أن النوع الآخر أفضل، لكل باحث شخصيته. إذا تركنا العلم والتكنولوجيا بمفهومها العام وركزنا على علوم الحاسب سنجد علاقة غريبة وهى علم نفس البرمجة.
كل يوم نستخدم مئات بل آلاف البرمجيات، كل ما تستخدمه فى تليفونك المحمول أو التابلت أو اللابتوب ما هى إلا برمجيات يكتبها آلاف من المبرمجين المهرة (وغير المهرة أحيانا)، علم النفس هنا يدرس نفسية المبرمجين أى طريقة تفكيرهم عندما يكتبون تلك البرمجيات وهل هى الطريقة المثلى أم لا.
كل ما تكلمنا عنه هو علم النفس فى مساعدة علوم الحاسب، فهل تساعد علوم الحاسب علم النفس فى شىء؟
هناك فرع من العلوم ما بين هذين العلمين يسمى علم النفس الحسابى (computational psychology) وفيه يتم بناء محاكاة على الكمبيوتر لبعض المسائل المهمة فى علم النفس للوصول إلى نتائج سريعة، الأمر يطول شرحه لكن لا حوائط أو حدود بين العلوم.
أرجو أن تكون تلك المقالة بالإضافة إلى مقالات سابقة تمثل دافعا للتعاون البحثى بين مختلف الأقسام فى جامعاتنا فى مصر، أعتقد أن النتائج ستكون ممتازة إن لم تكن هائلة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved