هل أصبح الإخوان (طائفة) دينية ذات مطالب خاصة؟

حسام تمام
حسام تمام

آخر تحديث: الثلاثاء 23 نوفمبر 2010 - 9:56 ص بتوقيت القاهرة

ليس أغرب من ورود الإخوان المسلمين ضمن تقرير الحريات الدينية الذى تصدره وزارة الخارجية الأمريكية سوى رد فعل الإخوان الموافق بل والمرحب بهذا الوضع.

التقرير الأمريكى الصادر قبل أيام وضع الإخوان، مع الأقباط والشيعة والبهائيين، ضمن الجماعات والطوائف والأقليات التى تتعرض للتمييز والاضطهاد الدينى فى مصر، ولم تكن المرة الأولى التى ترد الجماعة ضمن هذا التقرير السنوى، إذ بدأ الأمر قبل سنوات، وقد تأثر معدو التقرير على الأغلب بوجهة نظر الأستاذ جمال البنا شقيق مؤسس الجماعة وأحد أبرز خصومها الفكريين الذى أقنعهم بأن التمييز والاضطهاد الدينى الذى يتعرض له الإخوان لا يقل بل ربما أكثر مما يتعرض له الأقباط، وكان رأيه وهو الذى يدعو بإصلاح دينى جذرى مقبولا بما أتاح للإخوان المسلمين أكبر جماعات الإسلام السياسى الحضور على رأس من تتبنى الولايات المتحدة الدفاع عنهم ضد الاضطهاد والتمييز!

المشكلات بل والعثرات المنهجية فى التقرير الأمريكى كثيرة، ومجملها يكشف عن أن القائمين عليه يفتقدون كثيرا من الوعى بالسياق الدينى والثقافى والاجتماعى المصرى، بل والمعلومات البسيطة والدقيقة مثل التقدير المتعلق بعدد الشيعة الذى يقترب بهم من المليون (واحد بالمائة من السكان) وهو ما لا أصل له فى أى إحصاء أو حتى تقدير تقريبى مقبول من المتابعين للحالة الدينية فى مصر. لكن يبقى أغرب هذه العثرات على الإطلاق هو المتعلق بإدراج الإخوان ضمن هذا التقرير.

للوهلة الأولى يمكننا القول إن معدى التقرير وقعوا فى خطأ منهجى فى نظرتهم للجماعة وكيف أنه اختلط عليهم الأمر حتى صارت الجماعة مثل طائفة أو فرقة أو أقلية دينية تتعرض للتمييز والاضطهاد بناء على معتقداتها أو تصوراتها الدينية فى حين أنها جماعة سياسية تعانى مثل تيارات وتنظيمات وتجمعات سياسية أخرى من القيود التى يفرضها نظام تسلطى على الحياة السياسية والتى تحول دون أى إصلاح سياسى وتقلص إمكانات بناء دولة ديمقراطية.

نعم شىء من هذا الخطأ المنهجى وقع فعلا، وستكون آثاره أكثر فداحة على الجماعة، على غير ما تعتقد، حيث سيساهم فى تكريس عزلها سياسيا حين ينقلها من مربع القوى السياسية إلى الفئات والطوائف الدينية التى ينبغى حماية حريتها الدينية ووقف التمييز الدينى تجاهها.

لكن هل كان هذا الاقتراب الأمريكى محض خطأ منهجى يتحمل معدو التقرير وحدهم مسئوليته أم أنه وليد تحول فى الحالة الإخوانية باتجاه متعاظم نحو «التطييف» الذى يفرض التعامل مع الإخوان كطائفة أو حتى أقلية دينية تناضل من أجل الحصول على مطالب خاصة؟!

الحقيقة أن الاقتراب الذى يتبناه التقرير فى التعامل مع الإخوان يحمل خطرا كبيرا فضلا عما فيه من خلل منهجى، وأن صاحب المسئولية الأكبر فى هذا الخطأ ليس فقط الخفة والتسرع والانطباعية التى اعتدنا عليها فى مثل هذه التقارير ذات الطابع السياسى خاصة الأمريكى منها بل هو الإخوان أنفسهم، وأن أكثر من كان يفترض أن يبادر برفضه هو الإخوان بدلا من حالة الحفاوة والترحيب به على ما يبدو فى موقفهم منه.

ليس للإخوان معتقد أو طقوس دينية مختلفة عن بقية المسلمين من الشعب المصرى، وليست لهم حقوق أو مطالب دينية خاصة بهم، أو هكذا يفترض إلا إذا كان للإخوان رأى آخر! والحظر السياسى أو المنع القانونى ليس خاصا بهم فقط بل تشاركهم فيه قوى بعضها له مرجعيات دينية أيضا (الوسط مثلا) وحتى التضييق الذى يعانونه لا يختلف عما يمكن أن تعانيه قوى وتجمعات سياسية أخرى بعضها لا يؤسس مشروعه على أساس دينى مثل كفاية والجمعية الوطنية للتغيير!
لكن يبدو أن الإخوان تحولوا فعلا إلى «أمة من دون الناس» وليس تيارا يطمح أن يقود الشارع، لقد اقتربت جماعة الإخوان فى العقدين الأخيرين كثيرا من وضع «الطائفة» التى تطمح لمطالب خاصة بها وتناضل من أجلها وليس تيارا أو قوى مجتمعية يمكن أن تتماثل أو تلتقى مع غيرها.

أوجد الإخوان مجتمعهم الخاص الأشبه بجيتو مغلق عليهم له عالمه المختلف فى معانيه ورموزه وشعاراته وخطابه وأولوياته المنفصلة عن عموم الناس، وليس مهما تقييم هذا العالم بقدر ما يهم التوقف أمام تأكيده المتواصل لخصوصيته واستثنائيته ومن ثم انفصاله عن المجتمع.

سهل التوقف أمام ظاهرة الجنازات أو الأفراح الإخوانية التى تبدو مناسبة اجتماعية تؤكد فيها الجماعة انفصالها حتى فى لحظاتها الاجتماعية عن المجتمع، حتى وإن حرصت على أن تتمظهر بمظاهر أكثر حرصا على الأخلاقية والانضباط.

حتى المسار السياسى والخبرة التاريخية الإخوانية صارت، فى وضع «الطائفة»، أقرب لمحظور خاص بها لا تقبل مجرد الاقتراب منه بشكل عادى، ظهر ذلك جليا فى موقفها من مسلسل «الجماعة»، لقد كان لافتا هذه الروح الطائفية التى تجاوزت نقد مسلسل، يستحق النقد فعلا وفيه ثغرات كثيرة، إلى حالة من حالات التطييف التى يصير معها التاريخ جزءا من خصوصيات الطائفة الإخوانية.. فتاريخ الإخوان جزء من أسطورتها الخاصة التى لا يحق لكاتب أو مؤرخ التعرض له دون العودة إليها ووفق شروطها بحيث إذا لم يفعل يكون قد انتهك حقوقها وخصوصيتها الطائفية.

إن الاقتراب من المسألة الإخوانية كمسألة طائفية يضر الإخوان أكثر من غيرهم حتى إذا كان يعطيهم نوعا من الدعم على نحو ما يفعل تقرير الحريات الدينية الأمريكى، بل إنه عند التحليل السياسى يضر بمشروعهم السياسى أكثر مما ينفع، فضلا عن أنه لا يمكن التعويل عليه فى تعديل موقعهم فى الحياة السياسية المصرية، فالموقف الأمريكى منهم يتأثر بجملة شروط مازالت لا تتوافر فى الجماعة، ما زالت الأسئلة حول الجماعة لدى صانع القرار الأمريكى أكثر من الإجابات، وما لديه من إجابات غير مغر وليس فى صالحها لمن يعرف الأبجديات!

الأفضل لجماعة الإخوان أن تعود لحضن المجتمع والناس بدلا من التمترس وراء وضع «الاستثنائية» الذى يجعلها أقرب لطائفة تصر على الاختلاف والتمايز مع الجميع، فى السياسة حيث هى فوق الحزب ودون الدولة، وفى الاجتماع، مع حلم بناء المجتمع الإخوانى المتمايز، وفى الدين أيضا حيث الخلط التعسفى والمستفز بين الدعوى والسياسى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved