الخطة «ب» (Plan-B) لعلاقات مصر بأمريكا

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الجمعة 23 نوفمبر 2012 - 8:55 ص بتوقيت القاهرة

تمنح أزمة العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة فرصة جيدة للرئيس محمد مرسى ليفرض، إن أراد، قواعد جديدة لإدارة علاقات القاهرة بأهم دول العالم، خاصة بعدما أظهرت أزمة غزة عودة الكثير من أوراق اللعبة السياسية فى الشرق الأوسط للأيادى المصرية.

 

واشنطن فوجئت بسرعة استدعاء القاهرة سفيرها لدى إسرائيل، إضافة لإرسالها رئيس الوزراء هشام قنديل لغزة دون أى تنسيق أو ابلاغ مسبق. أما كلمات الرئيس المصرى محمد مرسى، فاعتبرها خبراء الشرق الأوسط فى العاصمة الأمريكية تصعيدا وانحرافا كبيرين عما يتوقعونه من دور مصرى محايد بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إذ ذكر مرسى أن استمرار العدوان الإسرائيلى على غزة يمكن أن يؤدى لعواقب وخيمة، وأكد بوضوخ أن مصر بكل إمكانياتها تقف مع أهل غزة.

 

وحتى يوم الثلاثاء الماضى تحدث الرئيسان المصرى محمد مرسى والأمريكى باراك أوباما ثلاث مرات، كما تحدثت وزيرة الخارجية مرتين مع نظيرها المصرى، ومرة واحدة مع رئيس الوزراء خلال نفس الفترة القصيرة، وهو معدل غير مسبوق يظهر حجم وعمق الأزمة الناتجة عن عدوان إسرائيل على قطاع غزة، وتعقيد وأهمية الدور المصرى فيه. أكد أوباما لمرسى المعادلة الأمريكية المستقرة والمتمثلة فى التأييد اللا محدود لموقف إسرائيل، وضرورة وقف إطلاق النار والتوصل لهدنة. من ناحيته، ومن المتوقع، أن يكون مرسى قد أكد لأوباما خروج مصر من معسكر الحياد، وعودتها لتقف فى جانب حق الفلسطينيين، وتسخير كل إمكانياتها للتوصل لوقف إطلاق النار بين تنظيم حماس وإسرائيل.

 

•••

 

قبل أقل من شهر واحد أكد الرئيس الأمريكى باراك أوباما أن «التزام مصر بمعاهدة السلام مع إسرائيل يعد خطا أحمر للولايات المتحدة، وأن أى اهتزاز لمعاهدة السلام تضع أمن إسرائيل، بل أمن الولايات المتحدة على المحك»، لذا جاءت الخطوات المصرية السريعة بعد بدء العدوان الإسرائيلى على غزة لتثير أسئلة جادة فى العاصمة الأمريكية عن مستقبل علاقاتها مع القاهرة.

 

وأظهر موقف مصر تحديا لعلاقات مع واشنطن شهدت استقرارا استراتيجيا فى جوهرها خلال السنوات الثلاثين السابقة. واشنطن تشعر الآن أكثر من أى وقت مضى بتعاملها مع طرف جديد لا يمكنها إدراك كافة أبعاد ردود فعله، بالرغم من رسائل الطمأنة التى أرسلها الإخوان للولايات المتحدة وتأكيدها الالتزام بمعاهدة السلام مع إسرائيل.

 

وفى ظل وجود تهديدات تخرج من الكونجرس بضرورة مراجعة العلاقات مع مصر بعد مواقفها الأخيرة، يجب علينا أن نتحسب ونعد خطة «ب» Plan B بديلة للتعامل مع سيناريو متشائم للعلاقات مع واشنطن إذا ما اختارت التصعيد ضد استقلالية سياستنا الخارجية، وعودة الدور الريادى لمصر فى شئون الشرق الأوسط.

 

والمقصود بالخطة «ب» أن تمتلك مصر تصورا متكاملا يستبعد الأسس التى قامت عليها العلاقات بين الدولتين خلال العقود الثلاثة الأخيرة، ويتعامل مع سيناريو جديد لا تتمتع فيه القاهرة بعلاقات خاصة مع واشنطن.

 

••• 

 

قواعد إدارة العلاقات خلال العقود الثلاثة السابقة ارتكزت على معادلة «المساعدات مقابل التعاون» والتى ظهرت فى ثلاثة محاور أساسية، أولها محور التعاون العسكرى. وقد تطورت العلاقات العسكرية بما يشبه الزواج الكاثوليكى منذ توقيع مصر وإسرائيل اتفاق سلام عام 1979، والذى بمقتضاه بدأت مصر فى الحصول على مساعدات عسكرية واقتصادية أمريكية منذ ذلك الحين بلغ حتى الآن ما يزيد على 70 مليار دولار. وتمنح العلاقات العسكرية واشنطن مزايا كثيرة أهمها مناورات النجم الساطع والتى تعد الأكبر من نوعها فى العالم. وتمنحها أيضا مزايا عسكرية ولوجستيكية مثل استخدام الأجواء المصرية، أو تسهيلات عبور قناة السويس للسفن والبوارج الحربية الأمريكية حتى تلك التى تحمل أسلحة نووية.

 

ويعد التعاون المخابراتى ثانى تلك المحاور التى أخذت بعدا جديدا مع تعاون المخابرات المصرية مع نظيرتها الأمريكية بعد محاولة تفجير برج التجارة العالمى بمدينة نيويورك عام 1993، ثم تطور هذا التعاون بصورة كبيرة بعد أحداث 11 سبتمبر. كما أمتد التعاون الاستخباراتى ليغطى أنشطة عديدة فى شبه جزيرة سيناء، طبقا لما جاء فى تقرير قدم للكونجرس وصدر فى سبتمبر الماضى. وذكر التقرير أن واشنطن «تدعم مصر فى تأمين سيناء عن طريق إمدادها بمعلومات استخبارية، بما فى ذلك من رصد مكالمات هاتفية ورسائل تبث عن طريق الراديو بين المشتبهين بالقيام بأنشطة إرهابية»، وذكر التقرير أيضا «أن واشنطن تطلع مصر على صور تلتقطها أقمار صناعية وطائرات تجسس أمريكية».

 

أما محور الأمن الإقليمى فيمثل اليوم أهم هذه المحاور فى ظل التغيرات العنيفة التى تشهدها خريطة الشرق الأوسط منذ بدء ثورات الربيع العربى قبل عامين، وصولا لأزمة العدوان على غزة. واشنطن لا تريد اشتباك مصرى إسرائيلى، واشنطن تؤمن أن تنظيم حماس امتداد فكرى للإخوان المسلمين فى مصر، لهذا وذاك تريد واشنطن أن تكبح القيادة المصرية الجديدة جماح حكام غزة، كما كان الوضع تماما خلال حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك.

 

••• 

 

الأوضاع الإقليمية الجديدة تصب فى صالح مصر، فقد منحتها أزمة غزة فرصة لكى تؤكد أهميتها الكبيرة ودورها القيادى فى شئون الشرق الأوسط بعدما فرط نظام الرئيس الأسبق فى هذا الدور. خسارة حماس للحليف السورى، وصعوبة تواصلها مع الحليف الإيرانى يمنح مصر وضعا فريدا لا تنازعها فيه أحد رغم كل محاولات تركيا وقطر. كما أضافت الجغرافيا أهمية كبيرة لمصر، ولتثبت استحالة منافسة أى دولة لما يمكن لمصر أن تقوم به فى حال حدوث أزمات إقليمية حقيقية، وتتضاعف الأهمية إذا ما أدخلنا ليبيا فى المعادلة.

 

إلا أن ذلك كله لا يمنع أن نستعد بالخطة «ب» إذا ما قررت واشنطن التصعيد وأوقفت مساعداتها العسكرية والاقتصادية لمصر، أو عرقلت قرض صندوق النقد الدولى، أو أمتنعت عن مد مصر بما تلتقطه من معلومات استخبارية بما يحدث فى سيناء

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved