الرجل المفتاح

داليا شمس
داليا شمس

آخر تحديث: الأحد 23 نوفمبر 2014 - 8:28 ص بتوقيت القاهرة

فى أروقة المصالح الحكومية ووسط الطوابير الطويلة، عليك أن تبحث عن الرجل «المفتاح»، تلاغيه حتى يلاغيك وتمضى إلى حال سبيلك فى وقت أقصر من هؤلاء المصطفين وفقا للدور والنظام العام المختل.

وبينما نستمع يوميا لتصريحات حكومية على أعلى مستوى حول ملاحقة الفساد داخل أجهزة الدولة وتوافر الإرادة السياسية لذلك، يتدافع الرجل المفتاح وسط الطوابير، يشق الصف ويخاطب «جمعة»، الموظف زميله الجالس خلف قضبان الشباك الحديدى، وكأنه فى قفص من ذهب.. لأن هذا القفص ــ المملوك للحكومة ــ يدر عليه ذهبا بالفعل هو وشريكه فى العمل: الرجل المفتاح. يتجول هذا الأخير وسط المواطنين بجسده الضخم ورأسه الحليق، كما هى الموضة بين من خفت شعورهم بحكم الوراثة أو عوامل التعرية. كرشه البارز يضفى عليه هيبة أو درجة ما من الأهمية، والبلوفر الصوفى الذى يرتديه يقيه من هواء مراوح السقف التى يذهب ويجىء تحتها طيلة النهار للم الرشوة مقابل تسهيل الإجراءات وعلاقاته بجمعة ورفاقه. تعرف منذ ثوان على سيدة عجوز شمطاء، لا ينفعها احتفالها بأنها كانت جميلة فى زمن شبابها ولا يشفع لها أنها ترتدى بنطالا قصيرا وتوزع الابتسامات يمينا وشمالا.. يرمقها بحنق كل من لاحظ أنها تعدت دورها بحوالى ثلاثين رقما بفضل تعاون الرجل المفتاح، ينظرون إليها بعين تقول: «لعينة كالساحرات، مشعوذة شريرة ومفسدة»، لكنهم لا يجاهرون برأيهم، ولا يعترضون علانية على الدس بملفات مواطنين شرفاء قبل غيرهم للعرض على «جمعة»، بل يكتفون بالتململ فيما بينهم... لم يرفع أحد صوته لكى يفضح هذا الفساد الإدارى الذى يعطل مصالحهم، ربما على اعتبار أنه فساد أصغر لا يقارن بعمليات الكبار، فالرشوة أصبحت شيئا معتادا يتم غض الطرف عن المتورط فيها كأنه لا يفعل جرما. وفى قرارة أنفسهم يردد الأشخاص: «هى جت عليه، خليه ياكل عيش!» نظرا لتدنى الدخول التى يعانون منها جميعا، لكن هل يجب أن يمنعهم ذلك من المطالبة باحترام حقهم كمواطنين يقفون فى الطابور تحت هواء مراوح السقف الذى يعصف بأوراقهم بين الحين والآخر؟

<<<

رئيس الوحدة أو المدير يجلس فى مكتبه الزجاجى المكيف لا يخرج لتفقد أحوال الرعية.. ربما يجب إزعاجه بالشكوى.. ربما ربما يفعل شيئا. يرد صوت: هل تظنون أنه لا يعلم بوجود الرجل المفتاح؟ كل واحد يخليه فى نفسه. واطعم الفم تستحى العين. وسيد القوم خادمهم. حوار داخلى قد يدور فى رؤوس الكثيرين، لكنهم سلبيون، لا ينطقون ببنت شفة. ينتظرون أن يفجر أحد آخر المشكلة أو يحلها، أو لا يحلها.

<<<

هذه العقلية ترسخت فى ظل البيروقراطية وضعف الرقابة الذاتية فى الأجهزة الحكومية والخلل الهيكلى فى طبيعة العلاقات بين سلطات الدولة الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) وانخفاض الأجور وسوء توزيعها، ما جعل الفساد وظيفة ثابتة تدر دخلا إضافيا يزيد كثيرا عن المرتب الأساسى، وما جعل ترتيب مصر فى تقرير منظمة الشفافية الدولية لعام 2013 متدنيا للغاية فيما يتعلق بمكافحة الفساد، فجاء ترتيبها 114 من أصل 177 دولة، وبلغ معدل الفقر 26% من السكان. ذلك رغم وجود حوالى 70 جهازا رقابيا داخل الأجهزة التنفيذية، من بينها جهاز مكافحة الاحتكار وحماية المنافسة والرقابة المالية وغيرهم. كم من الوقت نحتاج لإصلاح ما أفسدته السياسة وسوء الإدارة لدى المجتمع؟ ربنا يعطينا ويعطيكم طولة العمر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved