الاستثمار فى عصر الذكاء الاصطناعى

قضايا تكنولوجية
قضايا تكنولوجية

آخر تحديث: الأحد 23 نوفمبر 2025 - 7:30 م بتوقيت القاهرة

لم يعد الذكاء الاصطناعى مجرد مصطلحًا رائجًا فحسب أو مفهوما مستقبليا بعيدا، بل أصبح جزءا أصيلا من تفاصيل حياتنا اليومية، بدءا من رسائل البريد الإلكترونى التى نكتبها والصور التى نُشير إليها، وصولا إلى مسارات الخدمات اللوجستية التى تدعم التجارة العالمية. لقد تحول هذا المجال من تخصص محدود فى علوم الحاسوب إلى العمود الفقرى للاقتصاد الحديث.

وقد تسارعت وتيرته بشكل لافت؛ إذ انتقل من المختبرات إلى غرف الاجتماعات، ومن المصانع إلى الهواتف الذكية فى جيوبنا. وكل قطاع، من الرعاية الصحية والتصنيع إلى التمويل وتجارة التجزئة، يستكشف أدوات الذكاء الاصطناعى أو يعمد إلى توسيع نطاق استخدامها لتعزيز الإنتاجية ودعم اتخاذ القرار وتحسين تجربة العملاء.

لهذا بات اهتمام المستثمرين يتزايد. ولم يعد السؤال: هل سيعيد الذكاء الاصطناعى تشكيل الاقتصاد العالمى؟ بل: كيف يُمكن الاستفادة بشكل فعّال من نموه؟

لماذا الذكاء الاصطناعى مهم الآن؟

تختلف الموجة الحالية من اعتماد الذكاء الاصطناعى جذريا عما سبقها. فهى مدفوعة بثلاث قوى متداخلة: الارتفاع الهائل فى الطلب على القدرات الحاسوبية، وتسارع دمج الذكاء الاصطناعى على مستوى المؤسسات، ودورة استثمارية تاريخية فى البنية التحتية الرقمية.

يقترب الإنفاق العالمى على أجهزة الذكاء الاصطناعى ومراكز البيانات من مستويات التريليونات، فيما تتسابق أكبر شركات التكنولوجيا فى العالم لزيادة قدراتها تلبيةً للطلب المتصاعد على تدريب النماذج وتنفيذها. وتقوم الشركات بدمج أنظمة المساعدة الذكية فى برمجيات الإنتاجية وخدمة العملاء والتحليلات. وفى المقابل، يستخدم المستهلكون الذكاء الاصطناعى يوميا دون أن يدركوا — سواء عبر عمليات البحث الأكثر دقة أو التوصيات الشخصية أثناء التسوق.

يحوّل هذا التقارب الذكاء الاصطناعى من رهان مستقبلى إلى أداة إنتاجية محورية. ويرى اقتصاديون أنه قد يقود موجة جديدة من الكفاءة، بإمكانها إضافة نقاط مئوية عدة لنمو الناتج المحلى الإجمالى العالمى خلال العقد المقبل.

غير أن هذا التحول يوفر للمستثمرين فرصا وتحديات، نظرا لتعدد جوانب الذكاء الاصطناعى وتشعبه وسرعة تطوره.

داخل سلسلة قيمة الذكاء الاصطناعى

يساعد النظر إلى الذكاء الاصطناعى كسلسلة قيمة مترابطة فى فهم أين تكمن الإمكانات الحقيقية.

فعند القاعدة تأتى شركات تصنيع الرقائق ومورّدو معدات أشباه الموصلات الذين ينتجون وحدات المعالجة المتقدمة اللازمة لتشغيل الذكاء الاصطناعى. وفوق تلك الطبقة تأتى الشركات السحابية ومطورو برمجيات المؤسسات التى تقوم بتدريب النماذج ونشرها. وفى المستوى الأعلى، نجد منصات المستهلكين التى تدمج الذكاء الاصطناعى فى منتجات يستخدمها الملايين يوميا.

تستفيد كل طبقة بشكل مختلف من اقتصاد الذكاء الاصطناعى، وتتحد معا لتكوّن منظومة واسعة ومتداخلة.

والنتيجة شبكة معقدة من الاعتمادات المتبادلة؛ إذ يقود اختراق فى تصميم الرقائق إلى ابتكارات جديدة فى البرمجيات، مما يخلق حلقة نمو متصاعدة.

الشركات المحركة لثورة الذكاء الاصطناعى

     •     إنفيديا: القوة المركزية لحوسبة الذكاء الاصطناعى، إذ تطوّر الرقائق التى تدرب وتشغّل النماذج اللغوية الضخمة. وقد جعلها تفوقها فى هندسة وحدات المعالجة الرسومية إحدى أبرز المستفيدين من طفرة الذكاء الاصطناعى.

     •     تى إس إم سى: الشركة التى تصنّع أكثر الرقائق تطورا فى العالم، ما يمكّن الحوسبة عالية الأداء التى يقوم عليها الذكاء الاصطناعى. وتحتل موقعا محوريا داخل سلسلة توريد أشباه الموصلات العالمية.

     •     إيه إس إم إل: المزوّد العالمى لمعدات الطباعة الضوئية المتقدمة المستخدمة فى تصنيع الرقائق - وهو جانب يمثل عنق زجاجة تكنولوجيا يمنح الشركة قوة تسعير وأهمية استراتيجية كبيرة.

     •     مايكروسوفت: قامت بدمج الذكاء الاصطناعى عبر مجموعتها الكاملة، بدءا من «أوفيس» وصولا إلى «آزور»، ما يجعلها بوابة رئيسية لاعتماد الذكاء الاصطناعى داخل الشركات.

     •     أوراكل: تستفيد من بنيتها السحابية وقواعد بياناتها المتقدمة لمساعدة المؤسسات على توظيف الذكاء الاصطناعى فى إدارة البيانات والتحليلات.

     •     سيلزفورس: تدمج الذكاء الاصطناعى فى حلول إدارة علاقات العملاء، محولة البيانات إلى رؤى تنبؤية تخدم ملايين الشركات.

وتُظهر هذه الأسماء مجتمعة مدى اتساع فرص الذكاء الاصطناعى، فالذكاء الاصطناعى ليس قصة رقاقات فحسب، بل هو سلسلة توريد للذكاء تمتد عبر قارات العالم.

ما الذى يجب مراقبته لاحقا؟

قصة الذكاء الاصطناعى لا تزال فى بدايتها، وهناك أربعة مؤشرات رئيسية ينبغى على المستثمرين متابعتها:

     •     الإنفاق على البنية التحتية: مراقبة الإنفاق الرأسمالى لشركات البنية التحتية السحابية الكبرى مثل «مايكروسوفت» و«أمازون» و«ألفابت». فاستثماراتها فى مراكز البيانات تعكس ثقتها بطلب طويل الأمد على الذكاء الاصطناعى.

     •     ابتكار الرقائق: التطورات التى تجريها «إنفيديا» و«إيه إم دى» و«إنتل» ستحدد مكاسب الأداء والريادة التكنولوجية.

     •     تبنّى المؤسسات: وتيرة طرح أدوات المساعدة الذكية وحلول سير العمل ستكشف مدى تحقيق الشركات مكاسب إنتاجية حقيقية.

     •     التشريعات والسياسات: تعمل الحكومات على صياغة أطر حوكمة للذكاء الاصطناعى قد تؤثر فى التكاليف والابتكار وثقة الجمهور.

إن فهم هذه التطورات ضرورى لاقتناص الفرص وإدارة المخاطر.

اللعبة الطويلة فى الاستثمار بالذكاء الاصطناعى

يُعيد الذكاء الاصطناعى رسم ملامح المشهد الاقتصادى، ويدفع ما يشبه الثورة الصناعية القادمة - لكن هذه المرة ثورة مبنية على البيانات والحوسبة بدلاً من الفولاذ والبخار.

وللمستثمرين، يكمن التحدى فى الاستفادة من هذا التحول دون إغفال الأساسيات. ويقدّم الاستثمار الموضوعى وسيلة لتحقيق ذلك عبر التركيز على الاتجاهات العالمية الكبرى بتعرض متنّوع ومدروس.

ومع استمرار تطوره، تتأكد حقيقة واحدة: لم يعد الذكاء الاصطناعى خيالا علميا، بل قصة تتشكل لحظة بلحظة - وفرصة تستحق إدراكها مبكرا من قبل المستثمرين.

جاكوب فالكينكرون

جريدة الرياض السعودية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved