الشوبكى.. فن الجمع بين الميدان والشارع

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: السبت 24 ديسمبر 2011 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

الحياة ليست قاتمة كما يتصور غلاة المتشائمين.. هناك مساحات ضوء كثيرة علينا أن نطيل النظر إليها حتى لا تتعود عيوننا على «الضلمة» وتدمن الظلام.

 

أن يفوز الدكتور عمرو الشوبكى فى انتخابات مجلس الشعب ويكون أحد أعضاء البرلمان المقبل فالمعنى المهم الذى يصل لمن يريد أن يتبصر هو أن هناك أملا فى المستقبل.

 

عمرو الشوبكى ــ رفيق أحلى أيام الجامعة وصديق العمر ــ يمثل طريقة فى التفكير والعمل والبحث تقوم على الإيمان بالعلم، وعدم الهروب من الواقع، ومحاولة تغييره بالعمل لا بالدجل والشعارات، لا يجيد الزعاق والجعجعة كما يفعل كثيرون، يؤمن أن مصر ينبغى أن تعود لدورها الطليعى وسط أمتها العربية، لا يرى تصادما بين العروبة والإسلام، وقبل كل ذلك وبعده لا يرى أى أمل فى المستقبل دون وجود عدالة اجتماعية تنصف المظلومين والمعدمين والبسطاء.

 

كان يمكن للشوبكى أن يتقوقع داخل صومعته البحثية، خصوصا أنه باحث جاد ومحترم وله سمعة عربية ودولية، كان يمكنه أن يراهن على السلطة والجاه ويقبل مناصب كثيرة يجرى وراءها «أرباع الموهوبين»، لكنه فضل أصعب طريق يمكن أن يسلكه مثله وهو خوض انتخابات مجلس الشعب مستقلا.

 

أحزاب كثيرة سعت وراءه وكانت تتشرف أن تضعه على رأس قوائمها ما يضمن له النجاح وهو جالس فى منزله، لكنه خاضها «بطوله» وفى دائرة صعبة ومتسعة وهى الدقى والعجوزة وإمبابة، وأمام مرشحين أقوياء خصوصا مرشح حزب الحرية والعدالة المحترم د. عمرو دراج.

 

فى هذه المعركة تم استخدام كل الأسلحة المشروعة وغير المشروعة خصوصا الادعاء «الكوميدى» أنه مسيحى أو أنه مدعوم من أمريكا التى قضى معظم عمره يهاجم استعمارها.

 

رأيت الشوبكى عشرات المرات فى ميدان التحرير مناقشا ومتفاعلا ومؤيدا ومساندا للثورة، كان يمكنه أن يكتفى بنضال الميدان فقط وهو شىء مهم ويعود إلى بيته متصورا أنه أدى ما عليه من واجب، لكنه خاص الجهاد الأكبر وهو النزول إلى الناس البسطاء فى الحوارى والأزقة.

 

كنت معه فى يوم فرز الجولة الأولى وقابلت معه مواطن بسيط فى إحدى حوارى إمبابة يقول له «إمبابة عطشانة لشخص محترم مثلك».. فى هذه اللحظة تأكدت اكثر أن هذا شعب عظيم، وأن النخبة المنعزلة ارتكبت عشرات الجرائم فى حقه، تعالت عليه «وتعنطزت» وكانت النتيجة أن الشعب نفسه قال لمعظمها: «أنتم لا تعرفونا».

 

هذه السطور ليست للحديث عن شخص الشوبكى، بل هى مناسبة مهمة هذه الأيام للحديث عما تمثله شخصية الدكتور عمرو، خصوصا لجهة حل المعادلة الصعبة وهى كيف يمكن أن نوفق بين النضال فى الميادين والتظاهر والاعتصام من أجل استكمال أهداف الثورة،من جهة وبين الانطلاق للأمام والنزول إلى الناس لحل مشكلاتهم ووجود برلمان منتخب ونزيه من جهة اخرى.

 

الدرس الأكثر أهمية يتمثل فى أن شخصا وحيدا مثل عمرو الشوبكى ــ لكونه صادقا ومحترما وغير فاسد ــ يمكنه أن يفوز على مجموعة ضخمة من المرشحين يمثلون كل الأطياف السياسية من الاخوان والسلفيين إلى الفلول والمستقلين ..وبالتالى فإن الرسالة الكبرى هى أننا لو استطعنا إيجاد نماذج كثيرة من هذا الرجل يمكننا أن نشهد برلمانا متنورا وأكثر توازنا فى الدورات المقبلة. هذا الامر يعنى شيئا واحدا وهو أننا علينا ألا نلوم الإخوان والسلفيين لأنهم فازوا، بل نلوم الذين تقاعسوا واكتفوا بنضال الميكروفونات فقط.

 

مبروك علينا فوز الشوبكى وأمثاله المحترمين والمتنورين من كل التيارات السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار مرورا بالتيارات الدينية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved