ماذا علمتنى الثورة؟

أمل حمادة
أمل حمادة

آخر تحديث: السبت 24 يناير 2015 - 8:05 ص بتوقيت القاهرة

قبل أعوام طويلة كتب الدكتور جلال أمين الاقتصادى والأكاديمى المعروف كتابا يحكى فيه سيرته الذاتية تحت عنوان «ماذا علمتنى الحياة» وأستعير منه العنوان اليوم لأكتب بمناسبة مرور أربعة أعوام على اندلاع الثورة فى مصر. فكرت كثيرا فى هذا المقال وترددت بين أن انضم لصفوف الباكين على أرواح طاهرة سقطت دون أن يكون لتضحيتها ثمنا، فالثورة عند هؤلاء كأنها لم تقم. وبين أن أحافظ على جرعة من الأمل والتفاؤل نحتاج إليها جميعا لكى نستطيع الاستمرار فى هذه الحياة. ثم قررت أن أكتب لنفسى ولمن لايزالون يحلمون بحياة أكرم وأعدل وأكثر حرية للجميع. قررت أن أكتب عن: ماذا علمتنى الثورة؟

•••

علمتنى الثورة أن التاريخ سلسلة من اللحظات القصيرة، وأنه من الضرورى ألا نقع فى أسر اللحظة الحالية. أو كما قال صديقى الثائر الذى أصبح أكثر عقلانية أنه علينا أن نتمتع بنظر الطائر الذى يطير فوق المحيط فيرى عالما كاملا تحت السطح، بينما الصياد فى المركب لا يرى إلا ما حوله فقط ويفوته إدراك الصورة الكبرى. ينطبق هذا على لحظات النصر ولحظات الانكسار. أزعم أنى وغيرى كثيرين كنا مجرد صيادين ولم ندرك ان رحيل مبارك لا يعنى سقوط النظام، أزعم أيضا أنى وغيرى كثيرين قد تعلمنا الدرس الصعب وأصبحنا طيورا قادرين على إدراك الصورة الكبرى وإن كنا غير قادرين حتى الآن على تغييرها.

علمتنى الثورة أن الحلم بالكرامة والعدالة والحرية هو حلم شخصى كما هو حلم عام، قد نختلف على تعريف حدود الحرية أو معنى الكرامة أو أولوية العدالة، ولكن لا يمكن القول إنه لا يوجد شخص على هذه الأرض لا يحلم بهم أو ببعضهما. علمتنى الأعوام الأربعة أنه علينا أن نستمع إلى بعضنا البعض لنفهم تعريفات كل منا للكرامة والعدالة والحرية ونحاول البحث عن المشترك بيننا، تعلمنا أيضا ان المجتمعات تدار من خلال تفهم الاختلاف والتعايش معه والتفاهم على حدوده وطرق إدارته. وأن الإصرار على طريق واحد وتعريف واحد واختيار واحد هو أمر ضد الحرية والكرامة والعدالة.

علمتنى الثورة أن مصر ليست القاهرة وأحياءها البرجوازية، وعلمتنى أن نخبة القاهرة والمدن الكبرى أقل من أن تدرك ثراء التجربة المصرية، أتحدث عن هذا الثراء ليس بمنطق شوفينى أعمى ولكن بمنطق من خرج من العاصمة وسمع ورأى سكان مصر الأصليين على قول الكاتب بلال فضل. علمتنى الأعوام الأربعة أن اهل مصر لديهم منطقهم الخاص وحكمتهم التى طوروها عبر السنين الطوال من التعامل مع المركز القاهر. قد لا تعجبنا حكمتهم وقد نحكم على منطقهم بالفساد. ولكن على الأقل ندين لهم بأن نسمعهم ونتفهم أسباب حكمتهم ومنطقهم ونشترك معهم فى التغيير والحلم بالكرامة والحرية والعدالة للجميع.

•••

علمتنى الثورة ضرورة مراجعة ما تعلمته عن الثورات، يكتب علماء السياسة عن الثورات أنها فعل راديكالى عنيف يمثل انقطاعا مع ما سبق ومشروعا سياسيا متكاملا للمستقبل يحمل أفكارا وأشخاصا وعلاقات جديدة. يكتبون أيضا عن الثورات بعد أن تنجح، ولا يكتبون عنها وهى تُصنع. علمتنى الأعوام الأربعة أنه قد نختلف على ما إذا كانت الثورة قد نجحت فى فرض مشروع سياسى متكامل للمستقبل، ولكن المدققين يدركون ثراء ما يتشكل من علاقات وأفكار ونخبة جديدة فى طور التشكل والتعلم. هذا المارد الذى يصنع أمام أعيننا لن يكون من السذاجة بفرض الانقطاع مع ما سبق، ولكنه سيقوم بمراجعة قاسية وحقيقية للتاريخ والجغرافيا والخطاب الدينى وعلاقته مع الآخر ونظرته لموقعه من الحياة؛ وهذا هو جوهر الفعل الراديكالى الثورى.

علمتنى الثورة قيمة المثل الشعبى أن ما يكسر لا يمكن إصلاحه؛ مهما حاولنا واستخدمنا من إمكانيات، سيكون مشوها مهما حاولنا تجميله. فقد كسر الخوف، الخوف من المجهول، الخوف من السلطة، والخوف من الغد. من كان منكم يريد إقامة مجتمع ودولة على الخوف فأبشره بمسخ مشوه لن يصمد طويلا. ومن كان منكم، مثلى، يعمل على أن تكون مصر مجتمعا ودولة قائمة على العدل والحرية والكرامة فأبشره بأن الطريق مازال طويلا، ولكن أعده بأن الرحلة التى بدأت منذ أعوام أربعة ستكون مليئة بالحياة بحلوها ومرها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved