أصحاب منى زكى

طلعت إسماعيل
طلعت إسماعيل

آخر تحديث: الثلاثاء 25 يناير 2022 - 11:18 ص بتوقيت القاهرة

منى زكى فنانة رقيقة، استطاعت عبر مشوارها الفنى أن تدخل القلوب باعتبارها ابنة أو أختا قبل أن تكون زوجة أو حبيبة، ولعبت غالبية شخصياتها على الشاشة أو المسرح، أدوارا وضعتها داخل قفص العفاف والطهر، حتى نسى الجمهور أنها ممثلة يكمن نجاحها في تجسيد كل الأدوار التى تناسب إمكانياتها وملكاتها الإبداعية، ولو كان دورغانية، بعيدا عن الخلط بين حياتها الشخصية وأدوارها الفنية.
لكن يبدو أن «الجمهور» أو من يوجهونه من وراء أقنعة العفة والفضيلة المزيفة، لا يريدون تقبل أن تكون منى زكى ممثلة، وليست واعظة دينية أو أخلاقية، أو الاعتراف أن الفن لا يجب أن يكون نسخة كربونية لواقع الفنان، صحيح أن حياة منى الاجتماعية تبعد كثيرا عن مجتمع النميمة والقيل والقال فى وسائل الإعلام والسوشيال ميديا، ساعدها فى ذلك زواجها من النجم المحبوب أحمد حلمى، غير أنها من قبل ومن بعد ممثلة.
الخلط بين حياة الفنان فى الواقع وأدواره على الشاشة ليس جديدا على البعض، لكنه أصبح فى السنوات الأخيرة يتسع وتزداد سطوته على عالم الفن والإبداع، ممن يرون فى أنفسهم «حماة»، أو حراسا على «قيم المجتمع»، وهم فى الحقيقة قيود تسعى لخنق المجتمعات والوقوف أمام نهر يجب أن يتدفق فى مسار طبيعى للتطور والانغماس فى الحياة بروح الوعى بفضيلة التعدد.
نتحدث كثيرا عن الحرية، ونطالب أكثر بفتح الأبواب والنوافذ أمام كل الآراء، لكن عندما يحاول البعض انتزاع جزء من هذه الحرية، يسارع البعض الآخر إلى فرض قيوده، وإشهار أسلحة «القيم»، و«العادات والتقاليد، والعيب والحرام والحلال»، كستار لإخفاء الخوف من رياح الحرية التى ستكشف هؤلاء وتعرى أهواءهم، بل وتفضح فى بعض الأحيان نفوسا تعانى ازدواجية فى الشخصية، وأمراضا تحتاج إلى علاج.
استطاعت منى زكى وكوكبة من الفنانين العرب، بقدراتهم الإبداعية فى التمثيل انتزاع هامش من حرية التعبير، فى الفيلم السينمائى «أصحاب ولا أعز»، فقامت الدنيا ولم تقعد، على الرغم أن من سارعوا إلى اتهام منى ورفاقها، بكل نقيصة، ربما لم يشاهدوا الفيلم، أو يعرفوا طريقا إلى منصة «نتفليكس» الأمريكية التى أنتجته، وهى الشركة المتخصصة فى بث الأفلام والمسلسلات للمشتركين من بلدان العالم.
الفيلم الذى شاهدته فى اليوم التالى لعرضه الأول، تدور فكرته حول مجموعة من سبعة أصدقاء يقررون خلال تناولهم العشاء فى بيت أحدهم المشاركة فى لعبة تقوم على وضع الجميع هواتفهم المحمولة على الطاولة، بحيث يتاح للحضور، رجالا ونساء، الإطلاع على الرسائل أو المكالمات الواردة إليهم على مرأى ومسمع من الكل، فتتحول اللعبة من طريقة للهو إلى بوابة لكشف العديد من الفضائح والأسرار التى لم يكن أقرب الأصدقاء يعرفونها عن بعضهم البعض.
بلغة جريئة، قد يعتبرها البعض «بذيئة» على الرغم أنها متداولة على قطاع عريض من الألسن يوميا فى مجتمعاتنا، يعرض الفيلم ما تخفيه الشخصيات التى تبدو فى نظر الناس متأنقة ومتعففة، وربما مثالية فى علاقاتها الاجتماعية، بينما هى فى الحقيقة، قد تكون فاسقة، ومخادعة، وتميل للخيانة الزوجية، كل ذلك قدمه أبطال العمل فى قالب مرح، على مائدة عشاء ممتد يبعث على التأمل فى طبيعة شخصياتنا التى نحاول إخفاءها عن الأنظار.
لم ترتكب منى زكى و«أصحابها الأعز»: نادين لبكى، وإياد نصار، وجورج خباز، وعادل كرم، وفؤاد يمين، ودياموند بو عبود، ولا مخرج الفيلم اللبنانى وسام سميرة، ولا محمد حفظى باعتباره منتجا منفذا، جرما عندما قدموا شريحة من الناس موجودة فى مجتمعاتنا العربية بشكل أو بآخر، وعروا زيف حياتها، من خلال عمل سينمائى، يجب أن يخضع فى التقويم للمعايير الفنية التى تبحث عن حرية الفكر والإبداع، لا الحجب والمنع، وطلبات الإحاطة البرلمانية والبلاغات أمام النائب العام.
الحرية قد لا تخلق مجتمعات مثالية ملائكية، لكنها قادرة على صنع مجتمعات قوية يمكنها مواجهة تحديات عصرها، والاشتباك مع الأزمات بروح واثقة من صنع غد أفضل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved