معرض الكتاب الدعم المنتظر

سيد محمود
سيد محمود

آخر تحديث: الثلاثاء 24 يناير 2023 - 7:20 م بتوقيت القاهرة

اليوم تبدأ فعاليات دورة جديدة لمعرض القاهرة الدولى للكتاب فى ظل ظروف اقتصادية هى الأصعب منذ سنوات، وبسبب أزمة الدولار أصبحت صناعة النشر ريشة فى مهب الريح بعد أن تضاعفت أسعار الورق وكافة خامات الطباعة لأكثر من خمس مرات فى عام واحد.
وبالتالى اعتبر دعم المعرض ضرورة وطنية، ولا أكف عن دعوة الأصدقاء لزيارته والتقدم لشراء الكتب ولو فى حدود كتاب واحد على الأقل من أى جناح وذلك لكى لا تتأثر صناعة النشر، ونفقد بهجة المعرض إلى الأبد.
زرت شخصيا غالبية معارض الكتب العربية وشاركت فى أغلبها لكنى لم أجد من بينها معرضا يماثل معرضنا الذى تحول عبر 54 عاما لمناسبة شعبية بكل المقاييس وصار «فاترينة» عرض للنخبة الثقافية والسياسية وفضاء مثاليا من فضاءات التواصل مع مثقفى العالم ومبدعى العالم العربى الذين يحرصون على زيارته لتأكيد المعنى الرمزى الذى تجسده القاهرة تاريخيا كعاصمة للثقافة العربية.
فى السابق كنا نشكومن تدهور خدمات المعرض فى مقره القديم أو من الطابع المتكرر لندواته سواء فى العناوين أو أسماء المشاركين، لكن منذ أن انتقل إلى مقره الحالى تقلصت الشكاوى عند حدود التفصيل المعتادة وبذل الدكتور هيثم الحاج على الرئيس السابق لهيئة الكتاب جهدا فائقا فى الانتقال به لمستوى يليق باسم القاهرة، ونجح فى إقامة عدة دورات ناجحة ويكفى لكى نتذكره بكل الخير نجاحه الكبير فى إقامة دورة استثنائية جاءت فى أعقاب «جائحة كورنا» وتشجعت بفضلها بقية الدول المجاورة لاستئناف معارضها بعد طول توقف.
واليوم يواجه الرئيس الجديد للهيئة الدكتور أحمد بهى الدين العساسى اختبارا أكثر صعوبة ولا يرتبط هذه المرة بخلاف حول اسم أو أكثر ضمن جدول الفاعليات الثقافية وإنما يرتبط بأزمات اقتصادية يصعب تفادى تأثيرها على حجم المبيعات ولذلك فإن مسئوليتنا جميعا الالتفاف حول المعرض وتيسير كل ما يمكن تييسره لكى ينجح فى هذا الظرف الصعب لكى لا تفقد الثقافة المصرية أحد أهم أرصدتها فى وقت تتعدد فيه مراكز إنتاج الثقافة وتتعاظم قيمتها كفاعل سياسى.
ستبقى الدولة مسئولة أكثر من غيرها عن حماية هذا الرصيد سواء بالتشريع أو بالسياسات التنفيذية والمأمول منها العمل بسرعة على تفعيل الاستراتيجية الوطنية لحماية الملكية الفكرية، وعدم إهمال مطالب الداعين لحماية الصناعات الإبداعية وأولها صناعة النشر ومكافحة جميع أشكال القرصنة والتزوير.
ومهما تحدثنا عن ضرورة ترك المجال الثقافى مفتوحا أمام مؤسسات العمل الأهلى والكيانات الخاصة والمستقلة ورفع هيمنة الدولة عن هذا القطاع الحيوى، فإن الحقيقة التى لم تعد محلا للشك هى أن الدولة تتدخل فى أكثر الأنظمة ليبرالية لدعم وحماية إنتاجها الثقافى وقد شاهدنا جميعا ما جرى خلال الجائحة حين قامت الحكومة البريطانية الرائدة فى اقتصاد السوق بدعم جمعيات الناشرين وأصحاب المكتبات وروابط باعة الصحف لحماية أدوات «الثقافة الإنجليزية» ومن ثم فإنه من الضرورى النظر لصناعة النشرعندنا بنفس المنطق، فالكتاب والفيلم والأغنية والمسلسل والمسرحية كلها أدوات صنعت للثقافة المصرية صورتها التى يفخر بها المسئولون فخرا دعائيا ويتباكى عليها المتباكون على مواقع التواصل الاجتماعى.
وإذا كنا جادين فى الحفاظ على ما لدينا، فالأولى بنا أن نحول هذا الفخر إلى «أدوات وسياسات واستراتيجيات عمل» وليس فقط إلى شعارات.
لست من بين الأصوات التى يقلقها نجاح أى عاصمة أخرى فى تنظيم فاعليات ثقافية أو فنية، لأن ذلك لا يقلل أبدا من قيمة القاهرة أو عمق تأثيرها بل على العكس من ذلك فإن هذه الفاعليات تأتى لتأكد كل يوم قيمة مصر وفنانيها ومثقفيها الذين يتصدورن واجهة تلك المناسبات سواء كانت حفلات الترفية أو جوائز الإبداع بما يؤكد معنى التراكم التاريخى. والحداثة المصرية كما أقول دائما هى حداثة مؤسسية الطابع ولذلك تنعم الثقافة والفن فى مصر بسمة رئيسية هى الاستمرار الناتج عن تواصل الأجيال وعدم انقطاع العطاء لأن ما بلغناه فى المجالات الإبداعية تحديدا هو نتيجة طبيعية لتراكم الخبرات التى تنجح دائما فى تفادى الانتكاسات الناتجة عن تراجع كفاءة بعض المؤسسات.
ومن الواجب أن نثق تمام الثقة فى قدراتنا فضلا عن الإيمان بأن أدوار العواصم الأخرى تتكامل لخدمة هدف واحد وهو الارتفاع بقيمة المنتج الثقافى العربى ومن واجب كل مثقف مكافحة كل الدعاوى العنصرية أو الشوفينية التى تستهدف التحريض ولا شىء غيره، فالريادة المصرية الحقة تقوم على معنى العطاء ولن تعيش بعدوى الفاشية وأمراض التعصب.
لا يضيرنا فى شىء تقدم أية عاصمة عربية، بل على العكس من ذلك فإن كل نجاح يؤدى إلى تخطى الجمود هو فى صالح التنوير والتقدم، ومن أفضل ما سمعت فى هذا السياق ما قالته الكاتبة الصحفية الرائدة أمينة شفيق خلال لقاء نظمته مكتبة الإسكندرية أخيرا فقد قالت: «إذا كنا نفرح عندما يصف أى مسؤل عربى مصر بالشقيقة الكبرى، فواجبها أن تمسك بيد الأشقاء الأصغر وهم يتقدمون للسير إلى جوارها، يتعلمون منها وينقلون عنها ويتفادون عثراتها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved