الموت البطىء للديمقراطية العلمانية فى الهند!

مواقع عالمية
مواقع عالمية

آخر تحديث: الأربعاء 24 يناير 2024 - 8:20 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع Project Syndicate مقالا يتناول كيف ساهم الحزب الحاكم بقيادة مودى ــ بهاراتيا جاناتا ــ والذى يعد فى نفس الوقت الوجه السياسى للقومية الهندوسية، فى تأجيج النزاع بين الهندوس والمسلمين، خاصة بعد قيام مودى قبل أيام بوضع حجر الأساس لمعبد «رام» الهندوسى فى الموقع السابق لمسجد بابرى.. نعرض من المقال ما يلى:
ترأس رئيس الوزراء الهندى، ناريندرا مودى، حفل وضع حجر الأساس لمعبد «رام» فى أيوديا بولاية أوتار براديش، وذلك فى الثانى والعشرين من يناير الجارى. واندمجت السلطة التنفيذية مع رموز الديانة الهندوسية، استرشادا بالأساطير التى تصف الحكام الهنود على أنهم تجسيد للإله الأعلى فيشنو، كان ذلك فى الموقع السابق لمسجد بابرى، الذى هُدم على أيادى «هندوس غاضبين» فى عام 1992.
احتفل الأطفال فى الهند باللورد رام الأسطورى. ووعدت السكك الحديدية ــ المملوكة للدولة ــ بنقل الحجاج إلى أيوديا على أكثر من ألف قطار، مما عزز أسعار الأسهم المرتبطة بالسياحة. كما نقلت مائة طائرة خاصة أباطرة وشخصيات بارزة إلى هناك. هذه اللحظة المبهِجة تقود نحو تحقيق رؤية بلورها المنظر الفوضوى، فيناياك دامودار (فير) سافاركار.
قدم سافاركار فى كُتيبه الذى صدر له عام 1923 بعنوان هندوتفا، وهى قومية هندية جريئة تتمحور حول الهندوس، وخلافا لرسالة الديانة الهندوسية التى تدعو إلى المساواة، قسم سافاركار العالم إلى قسمين: الأصدقاء ــ أولئك الذين تعود جذورهم إلى الهند بالنسب والإخلاص للوطن، أما الباقين اعتبرهم أعداء.
وفى عام 1925، أصبحت منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ (RSS) المستوحاة من سافاركار الجناح العسكرى لهندوتفا. إذ عن طريق تجنيد الشباب وتدريبهم على التخصصات العسكرية وأمجاد الماضى الهندى، روجت للعنف السياسى والتعصب المتأصل فى التمييز بين الصديق والعدو. ولعل أشهر خريجى منظمة راشتيرا سوايامسيفاك هو مودى!.
●●●
فى البداية، تعامل المؤتمر الوطنى الهندى، بقيادة المهاتما غاندى، مع انجذاب الأغلبية الهندوسية فى الهند إلى «هندوتفا» بأيديولوجية علمانية موحدة ترتكز على التحرر من الحكم الاستعمارى البريطانى. ولكن قوات «هندوتفا» رأت فى دعوة غاندى للوئام الدينى استرضاءً للمسلمين؛ وفى عام 1948، اغتاله أحد المنظرين المستلهِمين من سافاركار.
وكان جواهرلال نهرو، وهو أول شخص يتولى منصب رئيس وزراء الهند إبان استقلالها، يروج لفكرة ضعيفة تدعو لبناء هند علمانية تقدمية أملا فى تحقيق تقدم مادى واجتماعى. ولكن بعد وفاة نهرو فى عام 1964، اكتسبت القوى الطائفية داخل حزب المؤتمر وخارجه زخما. وتعرضت المُثُل العلمانية لضربة قوية فى التاسع عشر من إبريل عام 1976، عندما استخدم الابن الأصغر لرئيسة الوزراء، أنديرا غاندى، السلطات الديكتاتورية لقانون الطوارئ لمعاملة المسلمين بوحشية. إذ بدأ ذلك اليوم بعمليات تعقيم قسرى مهينة بالقرب من المسجد الجامع فى دلهى، وبلغ ذروته بمذبحة لسكان الأحياء الفقيرة الذين قاوموا طردهم من بوابة التركمان المجاورة للمسجد.
ومع تضاؤل الدعم الانتخابى الإسلامى لحزب المؤتمر، حولت غاندى تركيزها إلى التصويت الهندوسى، ففتحت الباب على مصراعيه أمام قوى «الهندوتفا» المتشددة. وبلورت قناة خلفية لإجراء اتصالات مع منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ (الجناح العسكرى لهندوتفا)، وزادت من استخدامها للرموز الهندوسية مع تزايد وتيرة أعمال الشغب بين الهندوس والمسلمين فى أوائل الثمانينيات من القرن العشرين. وكان استرضاؤها للهندوس فى انتخابات جامو وكشمير، ودعمها للمتشدد السيخى سانت بيندرانويل فى البنجاب، سببا فى تأجيج سياسات الهوية الهندوسية. وبعد اغتيالها على أيدى حراسها الشخصيين من السيخ، كانت أعمال العنف التى استهدفت السيخ والتى دبرها زعماء المؤتمر الوطنى سببا فى تحفيز حشود من الرجال العاطلين عن العمل ــ بل وحتى غير المؤهلين للعمل ــ ليكونوا جنودا مشاة للقومية الهندوسية.
وشهدت ثمانينيات القرن العشرين حدثين رئيسيين أتاحا لنا فهما أفضل لرؤية سافاركار المتمثلة فى بناء هند توحدها الهندوسية المُسَيسة. إذ فى عام 1983، أطلقت قوات «هندوتفا» المتشددة الجريئة «إيكاتماتا ياترا»، التى كانت تُعرف تعريفا عاما على أنها «مَسيرة للاحتفال بروح الهند الواحدة». ونظمت هندوتفا مواكب متعددة عبرت البلاد وهى تحمل شعارات هندوسية. وفى الفترة 1987ــ1988، وبأمر من رئيس الوزراء راجيف غاندى (الابن الأكبر لأنديرا غاندى)، بث تلفزيون دوردارشان ــ المملوك للدولة ــ مسلسل ملحمة رامايانا التى تحظى بالكثير من الحب، وأنتج فيلم صور الإله رام على أنه المنتقم لهندوتفا.
●●●
اشتعلت من جديد شرارة النزاع بين الهندوس والمسلمين على موقع مسجد بابرى الذى يعود تاريخ بنائه إلى القرن السادس عشر. ومع ادعاء المتعصبين الهندوس أنه مسقط رأس الإله رام، أعلن غاندى نفسه بطلا للمُثل الهندوسية، وفتح أبوابه المغلقة منذ عام 1949 لاحتواء المشاعر الطائفية. وفى ديسمبر 1992، ارتبكت حكومة رئيس الوزراء راسيمها راو التى كان يقودها حزب المؤتمر عندما هدمت حشود هندوسية مسعورة مسجد بابرى، مما أدى إلى اندلاع أعمال شغب دامية وتعزيز الدعم لحركة «هندوتفا».
16 عامًا فقط هى التى تفصل بين مذبحة بوابة تركمان التى استهدفت المسلمين فى عام 1976، والإذلال الذى تعرضوا له بهدم مسجد بابرى فى عام 1992، والأحداث الشنيعة التى أعقبت ذلك. وبينما كان تأثير العلمانية الهندية يتراجع، كان طاغوت الهندوتفا يمشى قدما. وانتصر فى مايو 2014، عندما حصل حزب بهاراتيا جاناتا ــ الوجه السياسى لهندوتفا ــ على أغلبية برلمانية كبيرة بقيادة مودى. ومع وصول المتشددين إلى السلطة، اكتسب الغوغاء الهندوس رخصة لإعدام المسلمين واغتيال المعارضين المناهضين للهندوس.
وقد تزداد الأمور سوءا. إذ أُدمجت الرموز والمشاعر الهندوسية فى سلوك الدولة بصورة تنذر بالسوء. فقد ساعد مودى فى ترسيخ شخصية سافاركار باعتباره نصف إله. ولتعزيز الدولة الثيوقراطية الهندوسية، افتتح مبنى البرلمان الجديد فى احتفال طغت عليه الطقوس الهندوسية. وفى نوفمبر 2019، سمحت المحكمة العليا، رغم غياب الأدلة التاريخية على ولادة الإله رام فى موقع مسجد بابرى، ببناء معبد رام احتراما لـ«العقيدة والمعتقد» الهندوسيين. وعلى نحو مماثل، قدم رئيس المحكمة العليا نفسه فى الآونة الأخيرة باعتباره سافاركار المعاصر، مشيرا إلى أن الأعلام التى ترفرف فوق المعابد الهندوسية تمثل القوة الموحدة للهند فى دستورها.
وعلى الرغم من أن صعود مفهوم «هندوتفا» خلال القرن الماضى توقف مؤقتا، إلا أنه لم يتراجع أبدًا. والواقع أنه تسارع فى لحظات حرجة عندما استخدم الساسة العلمانيون المفترضون الدين للحصول على ميزة انتخابية. فقد شجعوا سرد «هندوتفا» القوى القائم على مبدأ الصديق مقابل العدو، الذى طغى تدريجيا على الفترة العلمانية فى أوائل مرحلة ما بعد الاستقلال فى الهند.
واليوم، تغلغلت حركة «هندوتفا» العنيفة ــ البعيدة كل البعد عن المبادئ السلمية للهندوسية ــ فى السياسة والثقافة بإذعان النخبة. ونظرا لأن مودى تقمص شخصية حاكم أشبه بالكاهن فى الثانى والعشرين من يناير الجارى، فإن فكرة الهند الثيوقراطية تبدو منيعة فى وجه المعارضة العلمانية، بصرف النظر عن نتائج الانتخابات العامة المقرر إجراؤها فى إبريل ومايو القادمين.

النص الأصلى:

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved