أهمية أن يجتمع الرئيس بممثلى العمال

أميمة كمال
أميمة كمال

آخر تحديث: الأحد 24 فبراير 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

هو ده جزاء المعروف؟. سمعتها أول مرة وأنا أمر أمام شاشة التليفزيون فلم أصدق نفسى من جرأة قائلها وتجاسره على الحق. فأسرعت لأسمعها مرة ثانية وثالثة على اليوتيوب فوجدت أن سمعى لم يخنى. إذن فرجل الأعمال فرج عامر صاحب مصانع فرجللو والعضو البارز فى الحزب الوطنى المنحل كان يقصدها. كان يعنى بكلماته لإحدى الإعلاميات أنه يسدى معروفا للعمال لديه وكان ينتظر الجزاء.

 

ولا أعرف إذا كان رجل الأعمال والذى استخار الله (على حد قوله) قبل أن يأخذ قرارا بغلق مصانعه كان يضمر فى نفسه قرار الغلق هذا وهو فى حضرة الرئيس قبل يوم واحد عندما بدا منتشيا ومفعما بالأمل فى اجتماعه ضمن زمرة من رجال الأعمال فى قصر الاتحادية أم أنه كان مازال مترددا فى قراره عشما فيما يمكن أن تفعله أجهزة الشرطة مع المعتصمين فى مصانعه، أسوة بما فعلته مع معتصمى شركة أسمنت اسكندرية قبل عدة أيام والذى خلف وراءه عددا من العمال المصابين مازالوا محتجزين فى المستشفيات بالإسكندرية، وآخرين محبوسين على ذمة التحقيقات وقبلهم غضب محبوس فى صدور الآلاف من أهالى عمال الشركة.

 

 ولكن عندما لم تفعل الشرطة وخذلت رجل الأعمال بالرغم مما ردده فى كل أجهزة الإعلام من اتهامات تحرك الحجر من عينة «أن العمال يحملون المطاوى والسكاكين» ويضربون العمال الآخريين لمنعهم من العمل. وعندما لم تستجب الشرطة، قرر بعد استخارة حدث عنها فخامة الرئيس فى رسالة مفعمة بالمشاعر الجياشة نحو عماله أن يقطع أرزاق العمال.

 

•••

 

ولم يكن من فخامة الرئيس بعد أن قرأ خطاب رجل الأعمال إلا أن طلب من السيد حسن مالك، الذى هو رجل أعمال أيضا بالتوسط لحل الأزمة بين الرجل وعماله دون أن يدفعه هذا الموقف الانفعالى من رجل الأعمال إلى أن يغضب للعمال وأن يستدعى 100 منهم أسوة بالمائة من رجال الأعمال الذين أجتمع معهم يوم الثلاثاء الماضى ويسمع منهم لماذا يملأون هم وآخرون ساحات مصر ومصانعها ومؤسساتها وهيئاتها بالإضرابات والاعتصامات والاحتجاجات؟ وعندها سيعرف حقيقة ما اسماه السيد عامر ابتزازا عماليا.

 

فهل الابتزاز هو أن تصل أجور 15 ألف عامل لدى السيد عامر إلى 13 مليون جنيه، يعنى متوسط أجر العامل يقل عن 900 جنيه فى الشهر؟. وإذا دققنا أكثر لعرفنا أن العامل يتقاضى أقل كثيرا من هذا، لأن الفروق فى المرتبات بين قيادات الإدارة العليا وبين العمال فى أدنى الدرجات فى القطاع الخاص تفوق كل الحدود وهو ما يرفع من قيمة المتوسط بأكثر كثيرا مما يتقاضاه العامل البسيط.

 

لو فعل فخامة الرئيس وقابل عمال مصر من أصحاب الياقات الزرقاء الحقيقية وليست التقليد لعرف من يقدم المعروف لمن؟. رجل الأعمال أم العامل؟ من الذى يحصل على المزايا والدعم ويقدم الفتات للآخر؟. من الذى يملك كلمة السر السحرية التى تفتح خزانة الحكومة وهى فتح أبواب الرزق للعمال. لو قابل فخامة الرئيس العمال لقالوا له ما يعرفونه من أن 48% من العاملين فى القطاع الخاص مازالوا يحصلون على أجر يقل عن 700 جنيه فى الشهر. سيقولون لك يا فخامة الرئيس أنه ما زال 24% من عمال مصانع القطاع الخاص يتقاضون أجرا يقل عن 450 جنيها وهذا تبعا للأرقام الرسمية لجهاز الإحصاء.

 

وربما كان المعروف الذى يقصده السيد عامر ومن فى زمرته من رجال الأعمال هو أنهم يقدمون لموظفيهم من أعلى السلم الوظيفى إلى أسفله أجورا فى المتوسط تبلغ 299 جنيها فى الأسبوع، على عدد ساعات عمل تبلغ فى المتوسط 58 ساعة أسبوعيا. وهذا الأجر لم يتزحزح سوى بمقدار 24 جنيها فى الأسبوع على مدار عامين كاملين وهذا يقل كثيرا عن المعروف الذى تقدمه الحكومة والقطاع العام للعاملين لديهم فهى تقدم لهم أجورا فى الأسبوع تصل إلى 542 جنيها عن 52 ساعة فقط، وهذا الأجر ارتفع بمقدار 136 جنيها خلال نفس العامين. وباختصار ما تقوله النشرة السنوية لإحصاءات التوظف والأجور وساعات العمل، أن متوسط أجر العامل فى القطاع العام يزيد على المتوسط المناظر فى القطاع الخاص.

 

•••

 

لو جلست يا فخامة الرئيس مع عمال هذا البلد لعرفت من أياديهم الخشنة وملابسهم الرثة ووجوههم العابسة كيف أن نسبة الفقراء فى القطاع الخاص وصلت إلى 21.6% من إجمالى العاملين فى هذا القطاع فى عام 2011، وذلك طبقا لأرقام جهاز الإحصاء الذى رصد أن هذه النسبة كانت أقل من ذلك بحوالى 6% قبل عامين، ولترجمة ذلك لفخامة الرئيس نقول أن 21% من الذين يعملون فى القطاع الخاص يتحصلون على متوسط دخل لا يزيد على 256 جنيها فى الشهر لأن هذا هو حد الفقر الذى وضعه جهاز الإحصاء للفقراء فى مصر فى آخر بحث عن الدخل والإنفاق.

 

لو ضيعت يوما من أيام عملك يا فخامة الرئيس مع العمال، مثل ما اضعته مع رجال الأعمال، لعرفت أى معروف كان يقصده السيد عامر فربما كان يقصد ما حصل عليه هو ورجال الأعمال من رفاق طريقه من دعم تصديرى خلال الأعوام التسع الماضية، يزيد على 22 مليار جنيه، بدعوى أنهم يخلقون فرص عمل لملايين العمال. فبفضل عمال السيد عامر وكل من يعمل فى قطاع السلع الغذائية حصل رجال الأعمال فى هذا القطاع وحدهم خلال سبع سنوات على 1.9 مليار جنيه كدعم لصادراتكم لأنهم على حد أوراقهم التى يستحيل التحقق منها استطاعوا أن يخلقوا فرص عمل تصل فى العام الواحد فى المتوسط إلى 165 ألف عامل كفرصة عمل مباشرة وغير مباشرة.

 

•••

 

لو أنصت يا فخامة الرئيس للعمال لعرفت من الذى يبتز من؟ فهل عندما تصدر إحدى الشركات عمالها فى وجه الحكومة، وتنشر بأسمهم إعلانا فى صدر إحدى الصحف القومية، تطالب فيه على لسان عمال الحكومة بأن تمد الشركة بالغاز الذى تحتاجه من أجل ألا تقل مرتباتهم وتقطع أرزاقهم، أليس هذا ابتزاز رأسمالى أم أنه ابتزاز عمالي؟.

 

أليس ابتزازا أن يدفع بعض رجال الأعمال ممن يصدرون سلعهم إلى الاتحاد الأوروبى عمالهم إلى الوقفات الاحتجاجية للاعتراض على وقف بعض الدول الأوروبية لصادراتهم، متذرعين بأن هذا الوقف للصادرات يضَر بحقوقهم المالية وبأرزاق أولادهم؟.

 

•••

 

وإذا دعيت يا فخامة الرئيس العمال لقصرك، الذى تستصرخ جدرانه الخارجية بكلمات قاسمها المشترك «العدل» وأجلستهم على نفس المقاعد التى جلس عليها رجال الأعمال، لعرفت منهم أسماء بعض أصحاب العمل ممن وجهت لهم الدعوة لمجلسك، الذين يجبرون العمال على الاستقالة بل ويخيرونهم بينها وبين الفصل التعسفى وذلك من أجل أن يأتى أحدهم مثلا بعمال جدد يحسبهم فى كشف حسناته أمام القيادة السياسية، ويأخذ مقابلهم توكيل لإحدى السيارات. وسيقول العمال عن أسماء لرجال أعمال كانوا فى حضرة الرئاسة، وهم ذاتهم من يجبرون عمالهم على التوقيع على استمارة (6) منذ اليوم الأول للعمل، وهى استمارة استقالة على بياض، حتى يجهزوهم للطرد فى أى لحظة قد لا يحتاجون لهم فيها.

 

واقترح على السيد فرج عامر عندما تصالحه الرئاسة ويعيد فتح مصانعه أن يلزم كل عامل بعد أن يتقاضى راتبه الشهرى أن يكتب فى نهاية استمارة المرتب «يجعله عامر»، حتى لا ينسى العمال فضل السيد عامر عليهم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved