الحسم مهم والشفافية أهم

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الجمعة 24 فبراير 2017 - 9:40 م بتوقيت القاهرة

حين يتكرر فى إسرائيل الادعاء بأن الرئيس عبدالفتاح السيسى اقترح توطين الفلسطينيين فى سيناء، فإن القاهرة كان ينبغى أن تتعامل مع الأمر بصورة حاسمة. وكان موقع صحيفة «معاريف» قد نشر يوم الخميس الماضى ٢٣/٢ مقالة للنائب السابق الجنرال آرييه الداد ذكر فيها أن الرئيس السيسى كان اقترح منح الفلسطينيين مساحة فى شمال سيناء لإقامة دولتهم، معتبرا أن الاقتراح يصلح لأن يكون «مثالا» على التسوية الإقليمية التى يمكن أن تنهى الصراع القائم. وأيد الجنرال الداد الفكرة مشيرا إلى أن إقامة الدولة الفلسطينية فى غزة وسيناء فكرة جيدة، تمثل أفضل صيغة للتسوية الإقليمية. وشدد الرجل على أنه يأمل أن يكون الرئيس الأمريكى دونالد ترامب قصد فى حديثه عن التسوية الإقليمية «الكبرى» إقامة دولة فلسطينية فى سيناء، أو أن يكون فى نيته ممارسة الضغط على الأردن لتكون هى الدولة الفلسطينية.

هذا الكلام ليس جديدا، فقد ذكرت سيناء فى سياق التوطين عدة مرات، ضمن مقترحات بعض الخبراء الإسرائيليين، وآخر ادعاء من ذلك القبيل أطلقه فى ١٤/٢ الحالى الوزير الإسرائيلى أيوب قرا. الدرزى المقرب من نتنياهو، إلا أن مصر نفت الخبر على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية فى مداخلة ضمن أحد البرامج التليفزيونية. ولم يكن ذلك تصرفا صائبا، لأن كلاما بتلك الخطورة حين يصدر عن وزير محسوب على رئيس الوزراء فى الحكومة (حتى إذا كان بلا وزارة)، لا يرد عليه متحدث باسم الخارجية المصرية. ثم إن الوزارة إذا أرادت أن تكذب الخبر، فإن ذلك لا يكون من خلال مداخلة تتخلل برنامجا تليفزيونيا، وإذا كانت رئاسة الجمهورية قد أصدرت بيانا أعلنه المتحدث باسمها تعقيبا على إذاعة خبر اجتماع العقبة السرى، إلا أنه رغم ضعفه وتجنبه الحديث عن مشاركة الرئيس فى الاجتماع، كان أفضل من حيث الشكل من تعامل الخارجية مع خبر التوطين فى سيناء، الذى هو أخطر من خبر مشاركة الرئيس فى الاجتماع السرى. لذلك تمنيت أن يصدر نفى خبر التوطين عن رئاسة الجمهورية وأن تكون صياغته واضحة وحازمة فى ذلك. تقطع الشك باليقين، وهو ما تحقق بعد تعليق الرئيس على الموضوع.

أدرى أن الخبر نفته أطراف عدة فى إسرائيل ذاتها، كان أحدهم زعيم المعارضة إسحق هيرتزوج، إلا أن ذلك ليس مقنعا ولا هو كاف، لأن خبرتنا مع الخطاب الإسرائيلى المراوغ علمتنا أن بعض النفى لا يكون صادقا فى دوافعه، وإنما هو محاولة للتستر على تسريب ما لا ينبغى، ثم لا ننسى أن نفى الخارجية المصرية تابعته دوائر محدودة بحكم ظروف بثه.

ثمة مشكلة تواجهنا فى هذا الصدد تتمثل فى أن أخبار العلاقات المصرية الإسرائيلية باتت شحيحة للغاية فى الصحف المصرية، فى حين أنها صارت مادة شبه يومية فى الصحافة الإسرائيلية. آية ذلك مثلا أن اجتماع العقبة السرى ظل متكتما عليه طوال أكثر من عام، وما كان لنا أن نعرف بأمره إلا حين فجرت الموضوع صحيفة «هاآرتس». وهذا الكتمان لا يشيع البلبلة والحيرة فحسب، ولكنه يثير تساؤلا كبيرا عما لا نعرفه من تلك الاتصالات، وما إذا كان هناك جانب غاطس منها وغير مرئى، لا نعرف حدوده أو حجمه.

إننا نريد أن نحسن الظن ونعزز الثقة فيما هو قائم على النحو الذى يطمئننا إلى الالتزام بالثوابت الوطنية. لكن الممارسات التى تتكشف بين الحين والآخر لا تساعدنا على ذلك. فلا السلطة تغضب ولا البرلمان يسأل، ولا الناس تعرف أو تفهم. ولا حل لذلك الإشكال إلا فى شفافية تطمئن الرأى العام فتحصنه ضد البلبلة وتحميه من إساءة الظن إلا أن الأمر ليس ميسورا، لأن الشفافية تفرض أن من حق الناس أن يعرفوا. وذلك الافتراض لا يقوم إلا فى ظل أوضاع ديمقراطية حقيقية. وتلك أم المشاكل المستعصية عندنا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved