طبائع الاستبداد وقواعد الفساد

محمد سعد عبدالحفيظ
محمد سعد عبدالحفيظ

آخر تحديث: السبت 24 فبراير 2018 - 9:45 م بتوقيت القاهرة

«كلما تراجعت مستويات حرية الصحافة فى الدول تزايدت معدلات الفساد، فالدول الأكثر فسادا هى الأقل فى حرية الصحافة ونشاط المجتمع المدنى».

وضعت منظمة الشفافية الدولية هذه القاعدة فى متن تقريرها الصادر مساء الأربعاء الماضى، والذى صنف مصر ضمن الدول الأكثر فسادا فى العالم، لتحتل المركز 117 فى مؤشر الفساد من بين 180 دولة شملها مؤشر عام 2017.

تصنيف مصر على مؤشر الفساد لعام 2017 تراجع عن عام 2016، حيث حصلت مصر على 32 نقطة من 100 نقطة مقابل 34 نقطة فى العام السابق، وتمثل الـ«100» أعلى درجات الشفافية وأقل مستويات الفساد، فى حين أن «الصفر» يشير إلى الفساد الكامل.

والسبب الذى أدى إلى شيوع الفساد فى مصر وعدد من دول المنطقة هو «الحملات الكثيفة التى تشنها الحكومات على منظمات المجتمع المدنى والمعارضة السياسية وحرية التعبير ووسائل الإعلام المستقلة»، بحسب التقرير الصادر عن المنظمة العالمية.

ليس من المتوقع أن تحقق مصر أى تقدم ملحوظ فى مكافحة الفساد فى تقرير المنظمة للعام الجديد، ما دامت الرقابة الحقيقية على أعمال السلطة الحاكمة إما مطاردة ملاحقة ممنوعة من الحركة وحتى الكلام، أو مدجنة محاصرة لا تستطيع أن تنقل للناس خبرا أو رأيا.

لن تتقدم مصر ولن نمضى فى بناء دولة حديثة تنافس نيوزلندا والدنمارك وسنغافورة أو حتى الإمارات العربية وتونس على مقدمة مؤشر الشفافية العالمية، ما دامت المعارضة السياسية الجادة المناط بها مراقبة أعمال النظام الحاكم أو إزاحته من خلال صناديق الانتخاب مهددة بالسجن فى أى وقت وبأى ُتهم.

وفق قواعد اللعبة الجديدة التى تحدث عنها زميلنا رئيس تحرير «الشروق» عماد الدين حسين فى مقاله مطلع الأسبوع الماضى، والذى شرح فيه رسائل النظام الأخيرة للمعارضة بعد القبض على عنان وجنينة وأبو الفتوح، فإن «هامش حركة المعارضة قد تضاءل.. وما كان مسموحا به من شهر لم يعد متاحا الآن.. فالحكومة وأجهزتها وضعت خطوطا حمراء وأجبرت اللاعبين على عدم تجاوزها».

لذا لن أندهش إذا نافست مصر فى الأعوام المقبلة الصومال وجنوب السودان وسوريا على مراكزهم فى ذيل قائمة مؤشر الفساد العالمى، ما دام من يديرون الصحافة والإعلام يتبارون فى منع أى خبر قد يبصر الناس بحقيقة ما يدور فى كواليس مؤسسات السلطة، وكتم أى صوت يقترب من الخطوط الحمراء التى تزايدت فى الشهور الأخيرة بدرجة جعلت أهل المهنة من معارضة وموالاة يترحمون على أيام مبارك وإعلام صفوت الشريف.

حملات التضليل والتطبيل التى نتشارك فى صناعتها جميعا رضاء أو قسرا بهدف إقناع الشعب بأن ليس فى الإمكان أفضل مما هو قائم وأن البدائل المتاحة كلها ستؤدى إلى الفوضى وعودة الإخوان، لم تعد مقنعة، والدليل هجر الجمهور للصحف وبرامج التوك شو، وزيادة الطلب على الدراما وبرامج الترفيه أو البحث عن قنوات تبث من الخارج.

فى عام 1971 أصدر المدعى العام الأمريكى قرارا بوقف نشر وثائق البنتاجون المسربة عن حرب فيتنام فى جريدة «نيويورك تايمز» بناء على طلب من الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون.

بعدها بأيام تحايلت جريدة «واشنطن بوست» على القرار ونشرت الوثائق التى تثبت خداع أربعة رؤساء أمريكيين «ترومان، وايزنهاور، وكينيدى، ونيكسون» للشعب الأمريكى، وفضحت ما يجرى على الأرض بالفعل من أن «رؤساء أمريكا أرسلوا جنودهم إلى هناك رغم معرفتهم بأن هزيمتهم ليست سوى مسألة وقت».

قرار وقف النشر عرض على المحكمة العليا الأمريكية، فصوت أعضاؤها لصالح نشر الوثائق، «فحرية الصحافة جزء أصيل من الدستور ومن النظام الذى وضعه الآباء المؤسسون.. والصحافة تعمل عند المحكومين وليس عند الحكام»، وفقا لما جاء فى نص القرار، الذى أعيدت تلاوته فى فيلم «ذا بوست» الذى طرح القضية فى عمل فنى رائع للتذكير بأهمية الصحافة ودورها فى ترسيخ مبادئ الشفافية فى الولايات المتحدة وحماية الأمة ومصالحها من أخطاء وخطايا السلطة.

أخيرا، حرمان الشعب من معارضة جادة وصحافة حرة وإحكام القبضة على منظمات المجتمع المدنى، هو أقصر طريق إلى «الدولة الفاشلة».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved