انتهى الدرس

خالد محمود
خالد محمود

آخر تحديث: الثلاثاء 24 مارس 2009 - 10:25 م بتوقيت القاهرة

 مشاعر كثيرة فجرها بداخلى المخرج البريطانى دانى بويل عقب مشاهدتى تحفته السينمائية الرائعة «المليونير المتشرد» بل أدعى أنه صالحنى على الحياة بعدما اتسعت هوة الخصام بينى وبينها.

جاءت كلمة النهاية «قدر ومكتوب» لتغرس بذرة إيمان جديدة لقناعتنا بأنفسنا وقدرتنا على تخطى الأزمات والعقبات، التى فرضتها ظروف اجتماعية وسياسية، حاولت وما زالت أن تلهو بمقدرات الشعوب وأحلامها..

ولكنها وبفضل روح وإصرار هذا المتشرد الهندى الصغير، أدركنا أن هذه الظروف لم تستطع أن تقضى تماما على الحلم.. ولم تنجح فى إقصائه من عقل ووجدان بشر عاديين وأقل، يعيشون فى أكثر البيئات قسوة، وربما أتى دانى بويل بأطفال ليكونوا أبطالا لتحفته السينمائية ليبدأ درس الحياة من أوله، فهؤلاء الأطفال لم يصبهم اليأس بعد، ولم تنل منهم كوارث الطائفية ولا أطماع الطامعين من أفكارهم وخيالاتهم ومشاكساتهم بعد، فبطلنا جمال مالك، الذى يعيش مع أخيه سليم وأمه فى أكواخ غير آدمية فى مومباى بالهند، قرر أن يشترك فى البرنامج الشهير من سيربح المليون..

وفى إطار سريع ومشوق يفاجأ جمال الجميع بإجاباته الصحيحة على كل الأسئلة الصعبة، وعلى طريقة الفلاش باك ووسط حالة من الذهول لمقدم البرنامج، يكشف المخرج كيف عرف جمال الإجابة الصحيحة، وكلها تشير إلى أن «الحياة» هى كلمة السر، وهى المعلم الأول لجمال، فعقب كل سؤال ترى عن طريق السرد موقفا وظرفا أثقل خبرته وألهمه الصواب..

وبطبيعة الحال ملأ الشك قلب المذيع، الذى سلمه للشرطة بحجة أنه غشاش، فكيف لهذا الفقير الصعلوك أن يأتى بكل هذه المعلومات الصحيحة، وفى قسم الشرطة الذى نال فيه جمال مالك قدرا كبيرا من التعذيب من الضابط ومساعده، شرح أيضا كيف توصل إلى الإجابات، وإن أجوبته كانت من وحى بيئه قاسية نجح المخرج فى كشف عوراتها ببراعة، والتى جعلت البعض فى الهند يثور على هذه المشاهد، التى أظهرت الهند كبيئة منتكسة ومجتمع متناقض يأكل بعضه بعضا، تذوب فيه حياة الدعارة والفقر والبؤس وتجارة الرقيق، لكن عاد المعارضون ليبدوا إعجابهم بالفيلم بعدما حصد جمال الملايين وحصد الفيلم الجوائز الثمانى للأوسكار، وشعروا أن العالم كله يصفق للحلم الهندى فى تخطى الظروف القاسية والوصول إلى قمة الهدف. وهنا كان عليهم أيضا مواجهة أنفسهم، التى تعرت بفضل فيلم من الخارج.

بنى المخرج روايته على ثلاثة أطفال جمال وأخيه سليم ولاتيكا، التى ارتبط بها جمال عاطفيا بينما خطفها سليم إلى مجتمع الرذيلة وانغرس فيه.. حاول جمال طوال الرحلة الشاقة ــ التى جاءت فى صورة سينمائية شديدة الشفافية بفضل مونتاج زكى وموسيقى موحية ــ أن يبحث عن لاتيكا وعندما عاندته الظروف قرر الذهاب إلى البرنامج لعلها تراه ويعثر عليها، كان هذا هو هدفه وليس المال، وفى مشاهد درامية ارتدت ثوب مصداقية الواقع جاءت النهاية ليلتقى جمال بلاتيكا..

إنه القدر الجميل الذى كنت أخافه وأخشاه.. وأقول: كنت، لأننى بعد مشاهدتى لرحلة المليونير المتشرد لم أعد أخشى قدرى حتى ولو لم أكسب المليون.. وكله مقدر ومكتوب.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved