بناء الثقة بين التونسيين

امال قرامى
امال قرامى

آخر تحديث: الثلاثاء 24 مارس 2015 - 10:40 ص بتوقيت القاهرة

كشفت العملية الإرهابية فى باردو عن هشاشة الوحدة الوطنية وتفكّك النسيج الاجتماعى، وانعدام الثقة بين مختلف الأحزاب السياسية، والتيارات الأيديولوجية. فبالرغم من تباهى التونسيين بـ«التوافق» الذى لولاه لما عبرت تونس «برّ الأمان» فإنّ العمليّة الإرهابية لم تؤد بعد إلى التفاف جميع التونسيين وتوحدهم فى حربهم على الإرهاب.

ولئن توالت تصريحات عدد من قيادات حزب النهضة المُدينة للعملية الإرهابية بباردو، وعلى رأسها الغنوشى، الذى زمجر وهدّد وندّد.. فإنّ الأصوات ارتفعت لتوجه أصابع الاتهام إلى النهضة بالدرجة الأولى، والترويكا بصفة ثانية، فهم المسئولون عن تسلل الإرهاب إلى البلاد، ثمّ تمكّنه. ويسوق أصحاب هذا الطرح عدّة أمثلة كتراخى حكومة «العريّض» فى معاقبة المتشدّدين، وتكريس الإفلات من العقاب، ودعوة عدد من القيادات السلفية المتشددة إلى الحوار، وفتح الباب أمام الدعاة المروجين لخطابات التكفير، والكراهية، وتأسيس جمعيات خيرية تعمل على تجنيد الشبان إلى الجهاد فى سوريا، وغض الطرف عن مصادر تمويل هذه الجمعيات، والاستهانة بالميثاق الوطنى لمكافحة الإرهاب الذى لم تنخرط فيه عدد من الأحزاب، واعتبار عدد من نواب الشعب الإرهاب مجرد فزاعة بل وصل الأمر إلى اتهام وزراء من حزب النهضة بالتدخل فى قرارات وزارة الداخلية... وقد بادرت عدّة قيادات فى حزب النهضة باتخاذ موقف الدفاع داعية التونسيين إلى التوحّد من أجل مواجهة الخصم الرئيس شعارها فى ذلك «عفا الله عما سلف».

•••

ولكن ما سكتت عنه هذه القيادات وغيرها من الشخصيات السياسية، هو تحديد المسئوليات والاعتراف بالأخطاء المرتكبة والاستعداد للمحاسبة. فالإرهاب الذى تسلل تحت عباءة «الثقافة» الواعدة حينا وحرية التعبير، وحرية المعتقد حينا آخر ما كان له أن يتمكّن لو قدّرت الحكومات السابقة ما سيترتب عن ظاهرة الاستيلاء عن المساجد واتخاذ المنابر والساحات العامة فضاءات للتكفير من نتائج آنية وأخرى على المدى البعيد. كما أنّ الحكومات المتعاقبة لم تدرك عواقب استبعاد عدد من الكفاءات الأمنية التى عملت تحت نظام بن على، وحل جهاز أمن الدولة الذى كان يراقب المال المشبوه ويقوم بنشاط استخباراتى، ولم تنتبه إلى ما سينجر عن إصدار العفو العامّ من أضرار.

لا مراء فى أنّ كلّ الحكومات السابقة قد ارتكبت أخطاء ولكن ما الذى يجعل حزب النهضة الطرف الرئيسى المُدان ؟ فكلّما جدّ حادث إرهابى زهقت فيه الأرواح إلاّ وانهالت التهم، وتعالت الأصوات الغاضبة بل الداعية إلى الإقصاء، والمحاسبة، والمحاكمة...وانطلقت الروايات، وعرضت الحجج، والبراهين، ونشرت الوثائق، والصور وآخرها صورة منفذ عملية باردو وعبدالفتاح مورو نائب رئيس البرلمان ومن مؤسسى حركة النهضة.

تنمّ هذه الصراعات على أعمدة الصحف، وفى المنابر الإعلامية، وعلى الشبكة التواصلية الاجتماعية عن حالة الاحتقان داخل المجتمع التونسى. فالأزمة واضحة لا غبار عليها تغذّت حين تفشّى العنف بجميع أشكاله، وانقسم التونسيون إلى معسكرين: أهل اليمين وأهل اليسار، «المهتدون» والضالون»، «أنصار الحداثة» و«الظلاميون».. واحتدّت عند الاغتيالات السياسية ثمّ عند الانتخابات بل عند تشكيل الحكومة و«اضطرار» حزب نداء تونس إلى تشريك النهضة فى الحكم.

•••

يوجّه قياديو وأتباع حزب النهضة مسئولية ما يحدث من توتّر إلى «إعلام العار» فهو الذى يبحث باستمرار عن الإثارة، ويفعّل الذاكرة من خلال عرض بعض الفيديوهات، والشعارات ، والأحداث الماضية.... فيؤجّج بذلك الأحقاد الدفينة، ويؤلب الناس بعضهم ضدّ بعض... ولكن نرى فى تكرّر مثل هذه المواجهات علامة على وجود بنية علائقية تزداد تصدعا على مرّ الأيام نتيجة إصرار النهضة على إنكار مسئوليتها وغياب إرادة حقيقية فى تجاوز الخلافات وإدارة الأزمات. فلا الذين أخطأوا فى حق الوطن أبدوا استعدادا على الاعتراف بما اقترفوا وعلى تقديم الاعتذارات والخضوع للمحاسبة، ولا الذين انتصبوا قضاة اعترفوا بمسئولية أنصارهم فى التغاضى عن تفكيك منظومة الفساد، وفرض آلية المحاسبة، وتفعيل القوانين للقضاء على لوبيات التهريب، والتجارة الموازية، وتبييض الإرهاب، وغيرها من مظاهر الفساد. وطالما أنّ الأزمات تعالج عن طريق المواجهة، والعنف بدل المصارحة وتحمّل المسئوليات فإنّ بناء الوحدة الوطنية سيتأخر مثلما سيتعثّر مسار مكافحة الإرهاب. فأنّى لمجتمع مفكّك أن يقوى على الوقوف بوجه المارد؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved