العالم يحتفل بالإصلاح الدينى فماذا عنا؟

إكرام لمعي
إكرام لمعي

آخر تحديث: الجمعة 24 مارس 2017 - 11:30 م بتوقيت القاهرة

يحتفل العالم الحر (أمريكا وأوروبا) بمرور خمسمائة عام على الإصلاح الدينى، ومن المصادفات العجيبة للتاريخ أنه فى الوقت الذى كان مارتن لوثر الراهب الألمانى فى عام 1517 يلصق على باب كاتدرائية وتنبرج بألمانيا إعلانا ضخما يحتوى على 95 احتجاجا على ممارسات الكنيسة التى سيطرت على الحكم فى أوروبا، وذلك عندما أخذ البابا رئيس الكنيسة الحق فى تعيين وعزل ملوك إنجلترا وفرنسا وألمانيا والنمسا... إلخ، وقد كان هذا الإعلان بمثابة الشرارة التى أطلقت الإصلاح الدينى فى كل أوروبا والعالم. وهكذا فتح الطريق لكل أنواع الإصلاح المجتمعي؛ فقد كان طاقة النور للعلم والقانون والتحضر والتقدم فى كل المجالات.
فى ذلك الوقت كانت جيوش العثمانيين بقيادة سليم الأول تجتاح الشرق الأوسط لتطفئ كل الأنوار التى أضاءتها الخلافة العباسية من تحضر وتقدم ووصول الحضارة العربية الإسلامية إلى قمة العالم فى الحوار الدينى والعلوم والفلسفة؛ حيث كان العالم العربى الإسلامى يموج بحركة حضارية اجتماعية ثقافية تعددية على مستوى البشر الذين يعيشون فيه. وكان للمسيحيين العرب دور بارز ليس فقط فى نقل أو ترجمة التراث اليونانى إلى اللغة العربية ــ والذى استخدمه العلماء المسلمون فيما بعد فى بناء حضارتهم ــ بل ساهموا مع المثقفين والعلماء المسلمين فى كيفية أن يكون لهذا المجتمع هوية فكرية ودينية وحضارية معينة بذاتها.
فى هذا الزمان البديع نشأ علم الكلام الإسلامى وهو الموازى لعلم اللاهوت المسيحى والاثنان بدآ فى الحوار معا ليس فقط على أساس النصوص المقدسة لكن أيضا على أساس المنطق الإنسانى العلمى والفلسفى. وهكذا تبلور شكل جديد وأصيل فى ذات الوقت من أشكال المسيحية والإسلام غير المسبوق فى صياغة عربية إسلامية مسيحية فى قرينة حضارية إسلامية.
لقد نقل المسيحيون كتب أفلاطون وأرسطوطاليس وكتب الطبيعيات والإلهيات والطب وفروعه، ولقد كان لكتب ابن رشد والتى نُقلت إلى فرنسا بعد أن أُحرق معظمها الأثر الضخم فى الإصلاح الأوروبى حيث كان ابن رشد يعلى قيمة العقل فى تفسير الكتب المقدسة.
لقد دفع الكثير من المصلحين الأوروبيين حياتهم ثمنا لإصلاح الدين المسيحى؛ فكانت الكنيسة تقوم بإحراق أى مجتهد فى الدين أو العلم أو الفلسفة أو الفلك على أساس أنه ضد تفسيرهم للكتاب المقدس، لكن ما جعل مارتن لوثر ينجح فى أن يهرب بحياته أمير ألمانى يدعى فريدريك اقتنع بفكر لوثر ــ وكانت ألمانيا فى ذلك الوقت تتكون من مقاطعات وكل مقاطعة لها أميرها وجيشها الذى يحرسها، فأخذه فى مقاطعته وقام على حراسته حتى انتشر الإصلاح فى كل أوروبا وغيَّر وجه العالم؛ حيث انتشر تعليم المصلحين بعد ذلك إلى الشرق الأوسط والهند والصين وكل آسيا وأفريقيا.
***
ما يهمنا هنا هو ما حدث بعد الإصلاح الدينى فى أوروبا، لقد نادى المصلحون إن جوهر الإصلاح هو كيف نجعل الإنسان مركزا للكون، وهو كذلك بسبب عقله الذى يتميز به عن كل المخلوقات، لذلك كان الهدف هو تحرير العقل الإنسانى من الخرافة والوهم ومن أى سلطة تحجم التفكير العلمى والعقل النقدى.
بعد ثورة الإصلاح الدينى والذى انطلقت شرارته فى القرن السادس عشر تقدم بسبب هذه الشرارة العلم والتكنولوجيا والآداب والفنون فإذا بالقرن السابع عشر يطلق ما يسمى عصر التنوير والذى امتد حتى القرن الثامن عشر. والتنوير enlightenment يعنى انطلاق الروح التحررية النقدية التى ضربت فى مقتل نظريات العصور الوسطى التى كانت تنادى بنهاية العالم وخرابه وأنه ذاهب إلى نهايته الحتمية بسبب خطاياه وآثامه وأن الله سيقوم بتدمير هذا الكون الآثم، فإذا بالتفكير العلمى يحل محل كل تفكير خرافى غيبى، أسطورى، وأصبح العقل هو رمانة الميزان فى كل فكر.
وهكذا حدث نقد صارخ للحروب الصليبية، من هنا بدأت ملامح الحداثة تظهر كنتيجة لعصر التنوير فانطلقت تيارات فكرية ثقافية واجتماعية واقتصادية وفلسفية عقلانية نقدية، فظهرت فلسفة التاريخ لهيجل وفلسفة القانون لمونتسكيو والعقد الاجتماعى لجان جاك روسو وهوبز ولوك، ثم انطلقت الثورة الفرنسية وتوج كل ذلك إعلان حقوق الإنسان. وهنا ظهر فلاسفة الأنوار ديكارت مؤسس المنهج العلمى الحديث ومن مقولاته التى نقلت الإنسان نقلة نوعية «أنا أفكر إذن أنا موجود»، ثم كان كانط أبو العقل النقدى والمنهج النقدى والجدل العقلى والذى أخضع كل ظواهر المجتمع والدولة والفكر للنقد.
من أروع ما كتب كانط (وهو مفيد لنا اليوم هنا والآن) فى تعريفه للتنوير أنه «خروج الإنسان من قصوره الذى اقترفه فى حق نفسه»، وهذا القصور جاء بسبب عجزه عن استخدام عقله إلا بتوجيه من إنسان آخر، ويرجع الذنب فى هذا القصور إلى الإنسان فى حد ذاته»، فافتقار العزم والشجاعة مع الكسل والجبن، كل هذا جعل الآخرين يفرضون سلطانهم عليهم. وبالتأمل فى هذا النقد للعصور الوسطى فى أوروبا نلاحظ ببساطة شديدة إننا كشرق أوسط نعيشها اليوم بكل تفاصيلها، وأرجعوا إلى طلب الفتاوى من رجال الدين المسلمين والمسيحيين سواء على الأرض أو على شاشة التليفزيون فى أتفه أمور الحياة اليومية.
إن مبدأ التنوير «كن شجاعا واستخدم عقلك بنفسك» وبالطبع امتد هذا التنوير إلى كل نشاط إنسانى إلى القصة والأدب والفن والسينما والمسرح، وهكذا دارت العجلة ولم تتوقف حتى اليوم، بينما الشرق هنا مازال يغط فى نوم عميق.
***
ما أريد أن أقوله هنا إن الإصلاح الدينى كان هو المنطلق لإصلاح المجتمع؛ فقد تحدث مارتن لوثر عن أن الأرض هى الجنة، وحكاية أن الله فوق ونحن تحت خرافة فنحن والله معا نحقق الجنة هنا والآن، كذلك نستطيع أن نحقق العدالة على الأرض وقال علينا أن نحدد موقفنا كبشر على الأرض، موقف الإنسان من الله ومن أخيه الإنسان ومن الحيوان والبيئة المحيطة.
لقد نادى الرئيس السيسى فى بداية حكمه بثورة دينية وإذ بالمؤسسات الدينية تحول الدعوة لثورة دينية إلى تجديد الخطاب الدينى، وأنا أشفق على الرئيس السيسى لأنه يحاول أن يقوم بإصلاح سياسى واقتصادى واجتماعى وتعليمى وأن ينقل مصر إلى عصر الحداثة، ويسخر كل شىء وكل شخص لتحقيق ذلك، لكن بأخذ التجربة الأوروبية فى الحسبان نتأكد أن كل هذا الجهد سوف يكون هباء منثورا ما لم يسبق هذا إصلاحا دينيا وبدون الإصلاح الدينى لن ينفع شيئا ولا أحدا.
البداية يا سيادة الرئيس الإصلاح الدينى، والإصلاح الدينى من المستحيل أن تقوم به المؤسسات الدينية (مسيحية أو إسلامية) فلم يحدث فى التاريخ الإنسانى أن جاء إصلاح دينى من داخل مؤسسة دينية. لذلك عليك أن تقوم سيادتك بالتمهيد لهذا الإصلاح بعدة إجراءات من أولها إطلاق الحريات، ومن أهمها حرية أن نفكر وأن نعلى العقل وهذا لا يتم إلا بإلغاء المادة الفضيحة، مادة تحريم إزدراء الأديان من الدستور وصياغة مواد تصون وتحمى حرية التفكير وإعطاء المفكرين والمصلحين أن يجتهدوا كما يشاءوا وأن يحاورهم الآخرون. اطلق يا سيادة الرئيس شرارة الإصلاح بإطلاق الحريات فتبدأ خطوات الإصلاح الدينى هذا وإلا كل مجهوداتك فى الإصلاح الاقتصادى والسياسى والمجتمعى والتعليمى.... إلخ، سوف تذهب أدراج الرياح هباء منثورا ولنا فى الإصلاح الأوروبى خير مثال.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved