يوم الأم.. عيد عباد الشمس

تمارا الرفاعي
تمارا الرفاعي

آخر تحديث: الخميس 25 مارس 2021 - 11:00 ص بتوقيت القاهرة

جاء عيد الأم هذا الأسبوع كزهرة وسط عاصفة، تفتحت المشاعر وطاقات من الحب والنور وسط أخبار عن الموت والعزاء وانهيارات سياسية واقتصادية وبلبلة تحيط خطط التصدى لجائحة يبدو أن عودها قد اشتد فى الأسابيع الأخيرة فحصدت أرواحا دون مهادة. يوم مبهج كبهجة زهرة عباد الشمس حين تشق طريقها من الأرض نحو السماء دون استئذان.
***
امتلأ الفضاء الأزرق بصور أمهات تهيأ لى فى الوهلة الأولى أن معظمها كانت لقطات لوجوه صديقاتى وتساءلت عن التغييرات البسيطة التى ظهرت على ملامحهن. ظهرت صديقاتى فعلا فى صور كثيرة مصحوبات بنسخ عنهن فيها بعض الاختلافات. ما أجمل صور الأمهات، على اختلافاتهن. ما أجمل الوجوه التى أعرفها وتلك التى تعرفت عليها من خلال صور أظهرت مصدر ملامح صديقاتى.
***
تستوقفنى دوما صور الأمهات فى سبعينيات القرن الماضى، صورهن فى مرحلة الشباب وفى عصر أنظر إليه اليوم من خلال عدسة والدتى ووالدى وحكايات كثيرة عن شخصيات وأحداث صرت أظن أحيانا أننى شهدتها من كثرة كلامهما عنها. فى الصور بعض الاصفرار، فأغلبها صور مطبوعة تحملها صديقاتى على صفحاتهن الافتراضية. لطالما أحببت اصفرار الصور واصفرار الصفحات فى الدفاتر فهى تدل على أن الحياة مرت من هنا وربتت على من فى الصور.
***
أنظر مليا فى وجوه صديقاتى وأقارنها بوجوه الأمهات. أتذكر كيف وصفت الكاتبة المصرية إيمان مرسال عملية الفصل بين جسدين الذى يحدث عند الولادة، فينشق المولود من جسد الأم ويمضى الاثنان حياتهما فى محاولة التعامل مع الشرخ الذى يحدثه هذا الفصل. يأتى عيد الأم ليمتلئ الفضاء الافتراضى والحقيقى بالورود والحلوى وكلمات يبدو فى لحظتها أنها فعلا خارجة من القلب دون ملامة ودون مرار.
***
العلاقة مع الأم شديدة التعقيد، وهل من علاقة سهلة قد أتساءل أحيانا، إنما العلاقة مع الأم تحمل كمية مهولة من التناقضات، فبين الحب غير المشروط، أو هكذا يفترض، وبين لوم الأم للأولاد بأنهم ربما أخرجوها عن أحلامها، ومساءلة الأولاد لأمهم عن طريقة تربيتها وتأثير ذلك (بنظرهم) على تعقيدات فى حياتهم، وبين شجن يخنق وحنين إلى طفولة يظللها ثوب الأم، سواء كان ثوبا فلاحيا مطرزا أو ثوبا حديثا وضيقا، ففى الحالتين يختفى الطفل أو الطفلة فى ثوب الأم، أو هكذا أعتقد حين أكبر، أننى كنت دوما فى تنورة أمى. بين كل هذا وأكثر، أبحر بين أمواج الأمومة، أمومتى وأمومة والدتى، فى بحث مستمر عن الرضا.
***
قد توصف الأمومة بأنها أعمق الغرائز وأكثرها قوة، هى أيضا من أكثرها تعقيدا. حب لا ينتهى وسعادة فى تفاصيل صغيرة، وشعور دائم بالذنب تجاه الأطفال والشريك وكل ما هو خارج ذلك الانصهار بين الأم وابنها أو ابنتها. ثم يأتى عيد الأم فتنهمر كلمات الحب والتقدير وتمحو مقدار قرون من التشكيك والشعور بالتقصير. تقصير تجاه الأولاد، تقصير تجاه الذات، وذلك اعتراف غالبا يصعب انتزاعه فى ظل ثقافة مجتمعية مبنية على فكرة الإيثار والتضحية فى سبيل الأولاد والعائلة. لماذا التضحية؟ لماذا يجب تفضيل الطفل على الذات دون تفكير. أفهم أن عند كل الحيوانات تظهر الأم فى أوج قوتها حين تدافع عن حياة صغارها، حتى وإن كلفها ذلك حياتها. لكن هل من الضرورى إسقاط ذلك على كل جوانب الحياة اليومية لتضع الأم نفسها فى المرتبة الثانية دوما وتحصل بذلك على ختم «أم»؟
***
بالعودة إلى صور الأمهات يوم عيدهن، حكايات كثيرة أتخيلها عن سيدات أعرف بعضهن، أمزج بينهن وبين بناتهن، أى صديقاتى، أخلط الأوراق وأعيد توزيعها وأنسج قصصا حدثت فى القرن الماضى. قصص حب ودراسة وسيارة حمراء، درج كبير جلست عليه الأخوات، أى خالات صديقاتى. بيت ريفى يتوسط مساحة خضراء، والشمس، دائما حاضرة لتحدث تجاعيد صغيرة حول العيون فوق الابتسامات.
***
فى عيد الأم تظهر زهرة عباد الشمس فيبهت كل ما حولها. ترمى ببقعة صفراء فرحة على اللون الرمادى، ساق الزهرة يشق طريقه بين خراب كبير فينسينى لمدة يوم واحد أخبار المرض والموت. عيد الأم هو زهرة عباد الشمس، له طريقة بفرض بهجة مستقطعة من تعقيدات كثيرة، صور وكلمات جميلة وفائض من الحب قد يكون بعضه أحيانا مبالغا فيه لكن لا يهم. تريد كل أم أن تأخذ ختم الرضا عنها وعن دورها ولو ليوم واحد، وقد سمح الفضاء الأزرق بذلك فلم لا؟
***
كل عام وزهرة عباد الشمس قوية مبهجة دون تبرج، كل عام وهى صلبة الجذور دون تكلف، كل عام وهى ما زالت تفاجئنى كل مرة بمقدرتها على رفع رأسها فتظللنى وأفهم أننى ما زلت صغيرة، هشة، أختبئ بين وريقاتها الخضراء، بين قماش ثوبها بينما تستمر هى بفرش لونها وشمسها فوقى وفوق أولادى أيضا. كل سنة وأنت سالمة ماما.
كاتبة سورية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved