عن تحديات أزمة اللاجئين بأوروبا وحلولها

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الإثنين 24 أبريل 2017 - 10:00 م بتوقيت القاهرة

نشر American Enterprise Institute تقريرا لـ«ويل جونز (المتخصص بالعلاقات الدولية) ودايلبور روهاك وألكسندر تيتيبويم (الباحثين بالمعهد الأمريكى)» حول تدفق اللاجئين إلى الدول الأوروبية، ودور الاتحاد الأوروبى فى ذلك من أجل وضع سياسات تضمن حماية كل من الدول الأوروبية واللاجئين.
يستهل الكُتاب الثلاثة جونز وروهاك وتيتيبويم التقرير بأن هناك أكثر من مليون شخص قد وصلوا إلى شواطئ أوروبا خلال 2015 بالإضافة إلى 400 ألف قد وصلوا خلال عام 2016، وتبع ذلك ظهور مشكلة كبيرة بالدول الأوروبية متعلقة بهؤلاء اللاجئين كصعوبة اندماجهم وعدم تقبل مجتمعات عديدة لوجودهم وربط عدد من حوادث الإرهاب بوجودهم. إضافة إلى الصعوبات التى واجهها اللاجئون نتيجة لعدم إدماجهم فى هذه المجتمعات. قد يلتمس البعض العذر للدول الأوروبية، فما شهدته القارة من تدفق لأعداد هائلة من اللاجئين لم يحدث منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
لاشك أن هذه الأزمة بكل تفاصيلها قد مثلت صداعا مزمنا للاتحاد الأوروبى ودوله الأعضاء، وما ساهم فى زيادة الوضع سوءا هو أن أغلب السياسات التى كانت تتخذها السلطات المختصة بهذه الدول من أجل إحكام السيطرة على تدفقات طالبى اللجوء والمهاجرين عبر القارة الأوروبية قد فشلت بشكل أو بآخر، ما أعطى ذريعة لم يسبق لها مثيل للأحزاب السياسية وبخاصة المناهضة للهجرة منها لإثبات صحة موقفهم من رفض استقبال بلادهم لأى لاجئين. حتى الدول التى لم تتأثر نسبيا بتدفقات اللاجئين كبولندا والمملكة المتحدة جاءت أزمة اللاجئين على قمة المناقشات بها بل ولعبت هذه الأحداث دورا فى التأثير على الانتخابات والتصويت بها، وليس أدل على ذلك من استفتاء المملكة المتحدة فى يونيو 2016 على الخروج من عضوية الاتحاد الأوروبى.
نتيجة لكل ذلك فالأزمة لم تنتهِ وبخاصة مع انتقالهم عبر البحر المتوسط بين ليبيا وإيطاليا وتوقع عودة تدفق اللاجئين مرة أخرى مع استمرار تحسن الأحوال الجوية فى هذه الأوقات. مع كل ذلك تعمل السياسة الحالية للمفوضية الأوروبية على سلسلة من الاتفاقات مع الدول غير الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى لمنع طالبى اللجوء من السفر إلى أوروبا، أو تشديد قبول أى لاجئين فى المرحلة المقبلة. فى السياق ذاته فإن الاتحاد الأوروبى كان قد أوقف تقريبا تدفق طالبى اللجوء إلى اليونان من خلال اتفاق وقعه مع تركيا، ولكن ما يثير القلق مدى استمرارية ذلك الاتفاق وبخاصة مع الأحداث الأخيرة التى اندلعت بتركيا؛ حيث الاستفتاء على عدد من المواد بالدستور التركى التى عملت على توسيع صلاحيات الرئيس التركى رجب طيب أردوغان ووصف البعض لما حدث بالممارسات الاستبدادية والخروج عن مسار الديمقراطية الذى من شأنه إعادة النظر فى ذلك الاتفاق.
***
يضيف الكُتاب الثلاثة أنه رغم قيام الاتحاد الأوروبى بخطوات كثيرة لمنع تدفق اللاجئين خاصة فيما يتعلق بتعزيز حدوده وحمايتها بالقدر الممكن من القوات إلا أنه يفتقر إلى نهج منسق وترتيبات صارمة لسياسة اللجوء بشكل عام. فيما يتعلق بأسباب هذه الظاهرة فيأتى مصدرها فى المقام الأول سياسيا وليس قانونيا أو أى سبب آخر، ويزيد من الوضع السيئ أن دول الاتحاد الأوروبى يجهلون الأعداد التى يمكن أن تستوعبها دولهم من اللاجئين كما يجهلون حتى البلدان التى يمكن أن يتوافدوا عليها. وبالطبع فإن أى فشل فى سياسات الاتحاد الأوروبى ــ غير المنضبط ــ من أجل وضع حد لهذه الأزمة سيزيد من خطر احتماليات انقسامه ومن ثم انفجاره.
على صعيد آخر يؤكد التقرير أن من الأمور التى تزيد خطر أزمة اللاجئين مقاتلى تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» وتدفقهم عبر الحدود إلى القارة الأوروبية على أنهم لاجئون، وبالتالى أصبح التصدى لهذا الأمر ضرورة سياسية لا غنى عنها. إضافة إلى ذلك فإن الضوابط الأمنية يمكن أن تلعب دورا خاصة أن وضع إجراءات من أجل الفحص الدقيق لطالبى اللجوء أمر مهم للغاية. فضلا عن ذلك فعلى الدول الأوروبية تحسين إدارتها لعملية اللجوء والعمل على إدماج طالبى اللجوء فى أسواق العمل المحلية لديهم.
***
على نحو أكثر تفصيلا فيما يتعلق باللاجئين وأعدادهم المتدفقة إلى القارة الأوروبية وأحوالهم بها؛ فإن الأزمة قد تسارعت تداعياتها بشكل ملحوظ مع عام 2015، بل ويتوقع أن يستمر ذلك الوضع لفترات طويلة مقبلة. حتى قبل 2015 برز تدفق اللاجئين؛ فبحلول أبريل 2013 ــ أى أقل من عامين على اندلاع الحرب الأهلية السورية ــ سجل المفوض السامى للأمم المتحدة لشئون اللاجئين أن أكثر من مليون لاجئ سورى قد فر من بلاده متوجها إلى البلدان المجاورة.
من جهة أخرى تبذل المنظمات المعنية بشئون اللاجئين الكثير من الجهود الإنسانية لمساعدتهم، إلا أنه رغم ذلك فإن حصولهم على الخدمات الأساسية (من تعليم ورعاية صحية وأسواق عمل) كان ولا يزال محدودا للغاية ويحتاج إلى مزيد من العمل والتضامن على الصعيدين المحلى والدولى. على سبيل المثال فى تركيا يعيش الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين والعراقيين بها خارج مخيمات اللاجئين، إضافة إلى تحملهم جميع تكاليف السكن الخاصة بهم. ونظرا لقرب القارة الأوروبية فكان متوقعا تدفقهم بكثافة إلى هناك وأن الأمر ما هو إلا مجرد وقت قليل حتى يتجهوا إلى هناك أملا فى ظروف حياة كريمة ملائمة أفضل من الأوضاع السيئة ببلادهم. فى عام 2014 سجلت إحدى الوكالات المسئولة عن الأوضاع بالحدود الأوروبية أن هناك أكثر من 282 ألف شخص قد تسللوا إلى معابر حدود عدد من الدول الأوروبية بشكل غير قانونى، مقارنة بنحو 107 أشخاص كانوا قد تسللوا عام 2013، وقد استخدم عدد كبير منهم البحر المتوسط فى رحلاتهم الصعبة هذه، ووصلوا من خلاله إلى إيطاليا. فى 2014 طلب أكثر من 526 ألف شخص اللجوء إلى جميع أنحاء الدول الأوروبية، وتلقت الدولة الألمانية أكبر طلبات الراغبين باللجوء إليها. وتصاعد الوضع فى عام 2015، مع قيام أعداد كبيرة باستخدام بحر إيجة –الواقع بين تركيا واليونان ــ من أجل العبور إلى القارة الأوروبية.
***
ختاما.. يقول الكُتاب الثلاثة إن ما حدث ومازال يحدث لا يدل إلا على أن أزمة اللاجئين خلال الآونة الأخيرة قد باتت واحدة من أكثر الأزمات تأثيرا فى السياسة الأوروبية بل وتأثرا بكل ما يستجد بها، كما أثرت أزمة اللاجئين على تآكل ثقة الأوروبيين فى مؤسسات الاتحاد الأوروبى وبخاصة مع إلقاء كثيرين اللوم على عاتق الاتحاد الأوروبى مع أى تداعيات لهذه الأزمة لعدم استجابته السريعة والتعامل الجيد معها. ولاشك أن أغلب المؤشرات تؤكد على أن الاتحاد الأوروبى بحالته اليوم ليس على استعداد للتعامل مع موجات مماثلة من الهجرة ذلك العام كما حدث فى العامين المنصرمين، والتى يتوقع ازديادها هربا من الأنظمة الاستبدادية وانعدام الفرص الاقتصادية الجيدة خاصة فى دول العالم الثالث التى تعج بالأزمات، كل ذلك يأتى مع احتمالية انهيار الاتفاق المنعقد كما ذكرنا من قبل بين الاتحاد الأوروبى وتركيا والتى كانت قد ساهمت بشكل فعال فى سياسة الاتحاد لحماية الحدود.

إعداد: نهاد محمود

النص الأصلى 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved