رمضان كريم: الصوم.. وعبادات أخرى

ليلى إبراهيم شلبي
ليلى إبراهيم شلبي

آخر تحديث: الجمعة 24 أبريل 2020 - 10:00 م بتوقيت القاهرة

فى كل عام اعتدت أن يكون للصوم برنامج مرادف فى تفكيرى.. أحرص على الاستعداد له بالتفكير فى مفرداته ربما على مر أيام العام حتى يكتمل كثيرا ما حاولت أن أجتهد فى أن أوازن بين طاقاتى وبين قدراتى على تحقيق ما تمنيت. نجحت أحيانا وأخفقت فى أحايين أخرى وربما لأننى ككل البشر أبالغ فى تقدير قدراتى وأترك لطموحاتى العنان لتنطلق أحلامى بعيدا عن أرض الواقع التى أقف عليها.
لم يقعدنى إخفاقى عن إعادة المحاولة فى كل عام بل يحفزنى أى قدر من النجاح إلى تكرار المحاولة حتى أصبحت عادة مرتبطة بعبادة الصوم.
هذا العام وبلا شك يبدو الأمر مختلفا تماما، نعيش أياما صعبة لا أظنها خطرت ببال أحد منا ولا احتلت موقعا ما من توقعاته، يأتينا الشهر الكريم والنداء يعلو من مآذننا «صلوا فى بيوتكم، صلوا فى رحالكم» فأبواب المساجد مغلقة وقاعات الكنائس خاوية، وقد حبس العالم أنفاسه خوفا من أنفاسه، فالوباء يدق الأبواب فى إلحاح قبل المداهمة، فهل تمنعنى تلك الظروف القاهرة من التفكير فى ما اعتدته كل عام على مر سنوات عمرى؟..
حقا تختلف الظروف لكن النفس باقية والإنسان هو الإنسان، لذا أردت اليوم أن أشرككم أصدقائى فى الفكرة فربما راقتكم فأعدتم تدويرها بالصورة التى تناسبكم رغم ملابسات الزمن الصعب، فربما كان تحديه هو الحل الأقدر على هزيمته.
نجحت والحمد لله فى العام الماضى فى الصيام بأقل عدد من الأخطاء الغذائية، لذا تجدون صفحتنا اليوم «صحة وتغذية» تروج لطعام يفيد أبدا لا يضر، به الطاقة والفيتامينات والألياف وينحسر عنه السكر والدهون، يتناسب تماما مع ما يحتاجه الجسم فى تلك المرحلة العمرية، وبه كل المكملات الغذائية الطبيعية التى قد يضطر البعض للبحث عنها فى الصيدليات.
أما ما قد أخفقت فيه حقا فهو تدريب النفس على الصبر على المكاره! بالفعل لم تسعفنى طاقتى على ترويض نفسى على احتمال ما أكره من سلوك فى مجتمعى فاضطررت للدخول فى الكثير من معارك الرأى والسلوكيات المستفزة.

الواقع أننى لم أحفل كثيرا بفشلى فى تحقيق هذا الهدف الذى اخترته عن عمد، فاعتبرته هدفا خاطئا من البداية، فالصبر على المكاره يولد إحساسا بغيضا بالرضا عن الخطأ والاستسلام له كواقع لا يجب تغييره، لكن الصبر على ما قد نعده الآن من المكاره كالعزل الاجتماعى وإلغاء كل مظاهر الاحتفال بالشهر الكريم إنما هو لدرء الخطر ومكافحة انتشار العدو، الأمر الذى بالفعل يختلف.
ربما أحب أن أحتفظ هذا العام بما قررت المثابرة لتحقيقه مع صيامى إن شاء الله، فى اعتقادى أن الإعلان عنه قد يفسد الأمر على نفسى إذا خرج عن حيز ذاتى، لكننى أدعوكم أصدقائى للتفكير فى محاكاة الفكرة ومحاولة ربطها بأيام كريمة وعبادة فريدة وإن جاءت فى زمن صعب.
هناك أفكار كثيرة أجملها ما قد يواتيكم من عمق الذات أفكار نبيلة كثيرة كمساعدة الآخرين بجدية أكبر وجهد حقيقى، الأمر لا يقف عند صدق المساعدة المادية بل يتعداه إلى جهاد النفس.
هل فكر أحدكم أن يجالس بعضا من الأطفال المعاقين؟ أو يحمل هدية صغيرة لأحد المسنين فى بيوت العجزة أو أن يستضيفه يوما فى منزله ما دون سابق معرفة؟
بالطبع أنا أقصد ألا ينقطع الأمر بعد مرة بل يصبح عادة تدوم ولو مرة فى الشهر لكن لها صفة الدوام؟
كتبت مرة عن الأوقاف الإسلامية ومنها ما قد يكون تحت صفة «جليس مريض»، أى أن هناك وقفا منه يدفع بانتظام مرتبا ثابتا لإنسان يسرّى عن مريض ويجالسه ويراقب أحواله ويطمئن إلى أنه تناول دواءه ويبعث فى نفسه التفاؤل باستمرار، ويتبسم فى وجهه مشجعا، فهل يمكن أن يروض الإنسان نفسه على تلك الوظيفة الإنسانية بلا أجر إلا ما ادخره الله له؟
هى فكرة أرى أنها تليق بمآخاة عبادة الصوم خاصة فى زمن الكرب، فهل أجد لها صدى فى النفوس؟
لا يهزم الكراهية إلا الحب
ولا يتصدى للموت إلا الرغبة فى الحياة.
ولا يساعد الإنسان إلا الإنسان على الأرض.
فى أيام «العزل الكبير» فكروا فى الآخرين وإن كانوا على بعد.
فإن الإنسانية جسر بين الناس وإن بقى عالقا بين النفوس.. وربما كان المكان الوحيد الذى يستحيل على الفيروسات غزوه.
.. رمضان كريم

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved