صدام مؤجل!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 24 أبريل 2020 - 9:55 م بتوقيت القاهرة

التصريحات الأمريكية والغربية خلال الفترة الأخيرة، تؤشر إلى إمكانية حدوث صدام عنيف بين الولايات المتحدة والصين، لكن هذا الصدام يبدو أنه مؤجل إلى حين يتم تطويق أزمة جائحة كورونا، التى أصابت نحو 2.8 مليون شخص حول العالم، وتسببت فى وفاة ما يقرب من مائتى ألف آخرين.
التمهيد لهذا الصدام المؤجل، بدأ منذ فترة فى التصريحات المتتالية للرئيس الأمريكى دونالد ترامب، عندما اتهم وأعضاء إدارته مرارا الصين بنشر معلومات مضللة حول الوباء، كما أنه كان سباقا فى وصف المرض بـ«الفيروس الصينى». كذلك حذر ترامب الصين من أنها يجب أن تواجه عواقب إذا كانت مسئولة عن علم عن إطلاق فيروس جائحة كورونا، مشيرا إلى أن السلطات هناك كان يجب عليها وقف انتشار الفيروس قبل أن يصل لجميع أنحاء العالم، ولكنهم لم يقوموا بذلك، والآن العالم يعانى بسببهم.
أيضا وزير الدفاع الأمريكى، مارك إسبر، اتهم الحزب الشيوعى الصينى بتضليل الولايات المتحدة فى قضية انتشار فيروس كورونا، وقال فى مقابلة مع قناة «NBC» الأمريكية: «هم كانوا يضللوننا منذ البداية، لم يكونوا شفافين، منذ الأيام الأولى لظهور هذا الفيروس، لذا لا أصدق كثيرا بأنهم أصبحوا صادقين معنا الآن»، وذلك فى إشارة منه إلى استمرار تشكك إدارة ترامب، بشأن إعلان الصين حول تجاوزها الجائحة.
كثير من الدول الغربية تبنت الموقف الأمريكى تقريبا ووجهت اتهامات لبكين حول المسئولية عن انتشار كورونا، بل إن وزيرة الخارجية الأسترالية ماريز باين، دعت فى مقابلة مع قناة ABC إلى «مراجعة مستقلة» للظروف التى أدت إلى بدء وباء فيروس كورونا المستجد.
فى مقتبل مرحلة التمهيد لهذا الصدام المؤجل، ظن الجميع أن تصريحات ترامب وغيره من أركان إدارته، هى مجرد محاولة للهروب إلى الأمام، للتغطية على تدهور الوضع داخل الولايات المتحدة، التى تعتبر حاليا الدولة الأولى فى العالم من حيث عدد الإصابات والوفيات الناجمة عن كورونا.
كذلك رأى البعض أن اتهامات ترامب لبكين، محاولة للحفاظ على حظوظه فى الانتخابات الرئاسية 2020، خصوصا وأن منافسه الرئيسى، المرشح الديمقراطى جون بايدن، استغل هذه الأزمة لتوجيه اتهامات عنيفة إلى ترامب، حيث قال إن «الحقيقة غير المريحة هى أن هذا الرئيس (ترامب) ترك أمريكا مكشوفة وعرضة لهذا الوباء، وتجاهل تحذيرات خبراء الصحة ووكالات المخابرات الأمريكية ووثق فى قادة الصين بدلا من ذلك».
لكن مع توالى التصريحات والاتهامات الأمريكية المتصاعدة، يتبين أن واشنطن تحاول بناء نسق للصدام المؤجل، بهدف منع الصين من التفرد بزعامة العالم بعد انتهاء الجائحة. وزير الخارجية الفرنسى، جان إيف لودريان، لمس هذه النقطة جيدا، عندما قال فى مقابلة مع صحيفة «لوموند» إن «هذا الصراع بين القوى هو تنظيم علاقات القوة الذى كنا نشهده قبل الأزمة الصحية، مع تفاقم الخصومة الصينية الأمريكية».
ولفت إلى أن «انغلاق» الولايات المتحدة التى يبدو أنها مترددة فى أداء دور القائد على المستوى الدولى، يعقد كل «خطوة مشتركة» بشأن التحديات العالمية الكبيرة، ويشجع تطلعات الصين إلى الهيمنة. وأكد أن نتيجة ذلك سيكون شعور الصين بأنها قادرة على القول يوما ما: «أنا القوة والقيادة».
إذا هناك رغبة أمريكية وغربية فى منع الصين من الهيمنة والتفرد بزعامة العالم، وهو ما يمهد للصدام بينهما، لكن هذا الصدام لن يكون كما يتصور البعض عسكريا، والسبب لا يرجع إلى تردد الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، ولكن لأن بكين تعى جيدا أن الصدام العسكرى لن يكون فى صالحها، خصوصا لأنها لا تزال فى مرحلة بناء قوتها السياسية والعسكرية والاقتصادية، وترى أن أى صدام مع الغرب سيقوض طموحاتها، وسيكون بمثابة إنهاء مبكر لأحلامها فى قيادة العالم خلال الفترة المقبلة.
الصدام الذى نراه يلوح فى الأفق، والمؤجل إلى ما بعد انتهاء الجائحة، هو صدام اقتصادى خشن، قد يكون أعمق وأكثر حدة من الخلاف التجارى الذى حدث فى بداية هذا العام، بعدما فرض ترامب رسوما جمركية كبيرة على البضائع الصينية، وهو ما ردت عليه بكين بإجراءات مماثلة، قبل أن يتوصل الطرفان إلى اتفاق على تهدئة هذه الحرب التجارية.
الصدام المرتقب سوف يستخدم فيه سلاح العقوبات بشدة، وكذلك إمكانية مطالبة بكين بتعويضات كبيرة عما سببته من أضرار للعالم ــ كما تردد واشنطن والدول الغربية ــ وهو ما يمكن أن يتسبب فى أضرار موجعة ليس للصين فحسب، ولكن لبقية دول العالم التى باتت تعتمد عليها فى الاقتصاد والتجارة والاستثمار.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved