الفلسطينيون وتوقيتات صعبة

رخا أحمد حسن
رخا أحمد حسن

آخر تحديث: السبت 24 أبريل 2021 - 7:25 م بتوقيت القاهرة

لقد حمل عام 2021 معه منذ بدايته عدة توقيتات للفلسطينيين، بعضها من الخارج وليس لهم دخل فى تحديده، وإنما مجرد مستقبلين لها والتجاوب معها قدر ما يستطيعون إن إيجابا أو سلبا. وبعض هذه التوقيتات من صنع الفلسطينيين أنفسهم سواء لمواجهة أوضاع فرضت أو يسعى آخرون لفرضها عليهم، أو من أجل العمل على محاولة الخروج من دائرة الانقسام والخلافات داخل البيت الفلسطينى ذاته والتى تتولد عنها عراقيل عديدة أمام وحدتهم وعدم إضاعة جزء يعتد به من جهودهم ومساعيهم فى مواجهة بعضهم البعض والاستعانة أحيانا بالغير، وأن العالم خاصة المؤيدين لهم، فى دهشة وتحسب من مضاعفات حول قضيتهم الأساسية وهى إقامة دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو1967 وعاصمتها القدس الشرقية والتى تقاومها بكل قوة وبكل الوسائل سلطات الاحتلال الإسرائيلى.
وكان لفوز جو بايدن فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية وتوليه السلطة فى 20 يناير 2021 خلفا للرئيس الجمهورى دونالد ترامب، توقيتا ذا مغزى بالنسبة للفلسطينيين. حيث ابتعدت الإدارة الديمقراطية الأمريكية الجديدة عن خطة ترامب للسلام، والتى عرفت إعلاميا بصفقة القرن، وأصبح حديث الإدارة الأمريكية الجديدة عن حل الدولتين واستعادة العلاقات تدريجيا مع السلطة الفلسطينية وبحث إعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية فى واشنطن الذى أغلقه ترامب، واستئناف تقديم المساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية ومنظمات المجتمع المدنى، واستئناف المساهمة المالية الأمريكية للوكالة الدولية لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (أونروا) والتى أوقفها ترامب وطالب بإلغاء الوكالة ذاتها. هذا إلى جانب تطور سياسى مهم من الإدارة الأمريكية الجديدة وهو الإعلان بوضوح أن الضفة الغربية وقطاع غزة أراضٍ محتلة وأن هذا وضع تاريخى معروف منذ عام 1967. وهذا البيان يتضمن فى طياته أيضا موقف بايدن عندما كان نائبا للرئيس أوباما واعتباره أن المستوطنات الإسرائيلية على الأراضى الفلسطينية تمثل عقبة فى طريق السلام.
كما أن موقف إدارة بايدن من القضية الفلسطينية وحل الدولتين متأثر إلى حد كبير بموقف الجناح اليسارى فى الحزب الديمقراطى الأمريكى، والذى اضطلع بدور مهم فى دعم بايدن فى حملته الانتخابية ويرى أن من حق الفلسطينيين تقرير مصيرهم وإقامة دولة فلسطينية تعيش فى سلام جنبا إلى جنب مع إسرائيل.
***
وقد توافق توقيت تولى الإدارة الديمقراطية الأمريكية السلطة وما حملته من تطورات إيجابية تجاه الفلسطينيين مع قرب الانتخابات العامة الإسرائيلية الرابعة فى أقل من عامين والتى أجريت فى 23 مارس 2021 وما صاحبها من صراعات سياسية بين الأحزاب الإسرائيلية المتشرذمة، وإصرار رئيس الوزراء المنتهية ولايته نتنياهو على الاستمرار فى السلطة وتشكيل الحكومة الجديدة وما يواجهه من صعوبات ومساومات ورغبة عدة قيادات سواء من داخل حزب الليكود الذى يتزعمه نتنياهو أو من اليمين المتطرف الذى يريد جانب منه استبعاد نتنياهو واعتبار أنه قد استهلك وتلصق به عدة اتهامات بالرشوة، والفساد، وخيانة الأمانة، بينما يرى جانب آخر أنه لن يكون على وفاق مع الإدارة الأمريكية الديمقراطية الجديدة، لدرجة أن معظم القيادات أبدت استعدادا للتوصل إلى مواءمات لتشكيل حكومة أقلية تجنبا للجوء إلى انتخابات عامة خامسة خلال عامين وما يمثله ذلك من فقدان ثقة الناخبين والتكلفة العالية على ميزانية الدولة. ولا ينتظر تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة قبل حلول شهر مايو القادم. ويلاحظ أن حملات الانتخابات الإسرائيلية لم تتناول عملية السلام هذه المرة وكان تركيزها على قضايا أخرى خاصة الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية فى إسرائيل. وأبدت حكومة تصريف الأعمال اعتراضها على استئناف واشنطن مساهمتها المالية للأونروا، ولم تبد ارتياحا لصيغة الحديث عن حل الدولتين وأن الضفة الغربية وغزة أراضٍ محتلة.
وعلى الجانب الفلسطينى فقد تم الاتفاق بين فتح وحماس وفصائل فلسطينية أخرى على إجراء الانتخابات التى تأخرت سنوات طويلة، وتنازلت حماس عن طلبها أن تجرى الانتخابات التشريعية والرئاسية مرة واحدة، وقبلت موقف فتح بأن تجرى بالتتابع، ولكن بشرط أن يصدر قرار واحد يحدد مواعيدها جميعا، وقد أصدر الرئيس محمود عباس قرارا فى يناير 2021 بإجراء الانتخابات التشريعية فى 22 مايو 2021 والانتخابات الرئاسية فى 31 يوليو 2021، وانتخابات المجلس الوطنى الفلسطينى فى 31 أغسطس2021.
وقد أدى توافق كل من الانتخابات الإسرائيلية، والاستعداد للانتخابات الفلسطينية، مع ما حدث من تطورات إيجابية فى الموقف الأمريكى، إلى عدم حدوث تحرك عملى مماثل فى استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية سواء من خلال الاقتراح الفلسطينى بعقد مؤتمر دولى تحت إشراف الأمم المتحدة برعاية الرباعية الدولية (الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى، والولايات المتحدة وروسيا)، وإمكانية انضمام أطراف دولية وإقليمية أخرى إليها، أو عن طريق العودة إلى المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأصبح ذلك كله رهنا باتضاح نتائج الانتخابات الإسرائيلية والفلسطينية والسلطة الجديدة فى كل منهما، وهو ما لن يتضح قبل أغسطس أو سبتمبر 2021 إذا سارت الأمور كما هو مقرر لها ولم تخرج عن مسارها.
***
وتواجه الانتخابات الفلسطينية بعض التحديات، وإن كانت أمرا مطلوبا من الجميع ــ لتجديد الشرعية بعد توقف الانتخابات الرئاسية التى كان آخرها عام 2005 وتوقف الانتخابات التشريعية التى كان آخرها عام 2006 ــ إلا أن بعض الفصائل الفلسطينية وخاصة فتح تتحسب من أن تحمل نتائج الانتخابات الفلسطينية مفاجآت لا ترضى عنها خاصة وأن فتح وحماس وفصائل أخرى وقعوا فى القاهرة تعهدا بالالتزام والعمل بنتائج الانتخابات أيا كانت، خشية أن يتكرر ما حدث بعد الانتخابات التشريعية 2006 وفوز حماس بالأغلبية وما أعقب ذلك من مشكلات وصراعات آثارها مستمرة حتى الآن.
وأن التحدى الأكبر الذى يواجه حركة فتح فى الانتخابات القادمة هو ما يسودها ربما للمرة الأولى من حالة انقسام فعلى وتوزيعها على عدة أجنحة تمثلت فى تعدد قوائم المرشحين من داخل فتح وأبرزها ثلاث: الأولى قائمة فتح الرسمية والتى يترأسها محمود العالون نائب رئيس فتح. والقائمة الثانية ويترأسها ناصر القدوة الذى فصل من فتح لاعتراضه على الاتفاق بين فتح وحماس، ويؤيده قائد الانتفاضة الفلسطينية الأولى مروان الدغوتى المسجون فى إسرائيل والذى يتطلع إلى الترشح لانتخابات الرئاسة منافسا للرئيس محمود عباس. والقائمة الثالثة لتيار محمد دحلان الذى سبق فصله من فتح، ويترأس القائمة سمير مشهراوى.. وقد بلغ عدد القوائم من كل الفصائل 36 قائمة، ويخوض التيار الإسلامى الانتخابات فى قائمة واحدة هى قائمة حركة حماس، بينما توزعت فصائل اليسار على عدة قوائم سواء للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أو الجبهة الديمقراطية، أو أحزاب وفصائل مؤتلفة، أو من اختار الانضمام لإحدى قوائم فتح، وهناك أيضا قائمة رئيس الوزراء الأسبق سلام فياض تحت مسمى «قادرون» وضمت خبراء اقتصاديين وأكاديميين وبعض الأسرى.
وتجدر الإشارة إلى أن الانتخابات التشريعية الفلسطينية هذه المرة تجرى على أساس نظام القوائم، بينما أجريت انتخابات 2006 على أساس نظام مختلط يجمع بين القوائم والفردى بنسبة 50% لكل منهما. ويؤدى نظام القوائم إلى توزيع وربما تفتيت الأصوات بما لا يتيح الفرصة أمام قائمة واحدة للحصول على أغلبية كبيرة حتى وإن تفوقت على غيرها من القوائم الأخرى.
وقد أعلنت السلطة الفلسطينية أكثر من مرة منذ تحديد مواقيت الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطنى الفلسطينى أنه لا انتخابات بدون إجرائها فى القدس الشرقية وحق المقدسيين فى الترشح والدعاية والانتخاب. وقد طلبت السلطة الفلسطينية رسميا من إسرائيل باعتبارها سلطة الاحتلال السماح بإجراء الانتخابات فى القدس ودعم الاتحاد الأوروبى الطلب الفلسطينى، ولكن إسرائيل لم ترد على الطلبين حتى الآن. هذا وقد أعلنت إسرائيل أنها لا تريد إحباط الانتخابات، ولكنها ترى أن رئيس السلطة الفلسطينية هو الذى يريد تأجيلها بسبب مشاكل داخلية على خلفية الانقسام فى حركة فتح والتخوف من تفوق حماس عليها فى الانتخابات. ولكن رئيس وزراء السلطة الفلسطينية محمد أشتية طالب الرباعية الدولية بأن تجرى الانتخابات فى القدس كما حدث فى انتخابات 1996، 2005، 2006. وتجدر الإشارة إلى أن الفلسطينيين فى القدس الشرقية أدلوا بأصواتهم فى الانتخابات الثلاثة المشار إليها فى مكتب البريد وليس فى لجان انتخابات، أى أنهم اعتبروا وكأنهم فى الخارج.
وقد تجمعت عدة مؤسسات حقوقية وأهلية فلسطينية فى مؤتمر صحفى عقدته فى رام الله، وحذرت من التذرع باحتمال قيام إسرائيل بعدم الموافقة على الانتخابات فى القدس لتأجيل الانتخابات، وتعطيل تجديد المؤسسات الرسمية، لأن الانتخابات فى فلسطين بما فيها القدس الشرقية ضرورة مجتمعية لتجديد النظام السياسى الفلسطينى، وتفعيل المؤسسات التشريعية والرقابية وسيادة القانون. وقد أكدت فصائل منظمة التحرير الفلسطينية ضرورة استكمال عملية الانتخابات بكل مراحلها ترشيحا ودعاية وانتخابا فى جميع الأراضى الفلسطينية المحتلة فى عام 1967 وتشمل القدس الشرقية والضفة الغربية وغزة وأنه لا انتخابات بدون القدس.
وأصبحت الانتخابات الفلسطينية هى المطلب الذى ينادى الجميع به، وهى أيضا التى تتحسب عدة أطراف فلسطينية وإسرائيلية وأمريكية من أن تسفر عن نتائج غير مرغوب فيها، وانقسامات أكثر مما هو قائم حاليا، كما أن تأجيلها ليس أمرا هين النتائج مما يجعل إجراءها فى المواقيت السابق تحديدها أمرا مهما على المستويين التنظيمى والشعبى الفلسطينى، وإظهار المصداقية والجدية للسلطة الفلسطينية أمام العالم فى مرحلة مهمة وحرجة تمر بها القضية الفلسطينية.

مساعد وزير الخارجية الأسبق

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved