الإنفاق الصحى وحساباته الغائبة

علاء غنام وأحمد عزب
علاء غنام وأحمد عزب

آخر تحديث: الأحد 24 أبريل 2022 - 8:55 م بتوقيت القاهرة

النقاش حول ملف الإنفاق على الصحة له أهمية كبيرة، وتزداد أهميته خصوصا بعد الجائحة. ليست المشكلة فقط فى تدنى الإنفاق العام من الموازنة العامة على القطاع الصحى، ولكنها أعمق من ذلك حيث تكمن فى خلل هيكل الإنفاق الصحى الكلى ومساراته وأولوياته وكفاءة استخدامه، فى ظروف بلد من الشريحة الدنيا للدول ذات الدخل المتوسط. لذلك، من المهم رصد أولويات الإنفاق الكلى على الصحة من الدولة والأفراد أو الأسر.
كيف يمكن رصد الإنفاق على الصحة بشكل تفصيلي؟ أحد الأدوات هى «الحسابات القومية للصحة« وهو عبارة عن تحليل إجمالى الإنفاق الصحى على الوقاية والتأهيل والعلاج، بما فى ذلك الخدمات الصحية السكانية والتغذية، وبرامج الطوارئ.
ويتألف الإنفاق على قطاع الصحة من الإنفاق الحكومى، والمدفوعات من الأموال الخاصة (حيث يدفع الناس مقابل ما يحصلون عليه من رعاية)، ومصادر مثل التأمين الصحى، والبرامج الصحية التى توفرها جهات العمل، الخدمات التى تقدمها الجهات/المنظمات غير الحكومية.
الحسابات القومية الصحية هى وسيلة للبلدان لرصد الإنفاق الصحى عبر مسارات متعددة، بغض النظر عن الكيان أو المؤسسة التى مولت وتدير هذا الإنفاق. إنها تسمح بتتبع النفقات، والتخطيط للمستقبل، وبالتالى زيادة الكفاءة والمساءلة. الحسابات القومية للصحة عبارة عن بيانات شاملة عن الإنفاق الصحى فى بلد ما، والتى بدورها يمكن أن تسهم فى صنع السياسات القائمة على الأدلة. لذلك، يمكن دراسة وتتبع التغييرات فى أولويات السياسة الصحية وفهم ما إذا كان إدخال الإصلاحات والبرامج الجديدة قد أدى إلى تغييرات فى تخصيص الموارد الصحية والإنفاق. يعد فهم تفاصيل الإنفاق الصحى أمرًا ضروريًا ويسمح للبلدان بتحسين أنظمتها، حتى تكون أكثر عدلا وتخدم الناس بشكل أفضل.
• • •
بشكل عام، فى البلدان ذات الإنفاق الحكومى المنخفض على الصحة، يزيد الإنفاق الشخصى الخاص من الجيب. ترتبط المستويات المطلقة للإنفاق الحكومى على الصحة للفرد ارتباطًا وثيقًا بمستوى دخل الدولة. إن الإنفاق الحكومى على الصحة يعتمد على عاملين: الأول هو قدرة الحكومة على تعبئة الإيرادات العامة، العامل الثانى هو الأولوية التى تعطيها الحكومة لقطاع الصحة من خلال قرارات تخصيص الموارد، كنسبة مئوية من إجمالى الإنفاق الحكومى.
آخر حسابات قومية للصحة NHA فى مصر صدرت فى عام 2011 لتتبع مسارات الإنفاق الصحى عن العامين 2008 و2009 ــ أول حسابات قومية للصحة NHA فى مصر لتتبع الموارد للسنة المالية كانت فى 1994/1995، المرة الثانية كانت للسنة المالية 2001/02، والنسخة الثالثة كانت للسنة المالية 2007/08. واستخدمت الحكومة المصرية نتائج هذه الحسابات القومية للصحة NHA فى المناقشات حول مجموعة متنوعة من مبادرات الإصلاح، بدءًا من برنامج إصلاح قطاع الصحة فى أواخر التسعينيات إلى صندوق صحة الأسرة فى 2000. أى أن آخر حسابات قومية للصحة فى مصر تعود لأكثر من 10 سنوات، ومن المفترض أن هناك حسابات قومية للصحة عن العامين 2011 و2012 تم إعدادها من قسم التخطيط فى وزارة الصحة ولكن لم تنشر. (لمزيد من التفاصيل يمكن قراءة تقرير إشكاليات الإنفاق الصحى فى مصر الصادر عن المبادرة المصرية).
يتم تصميم الحسابات الصحية الوطنية (NHAs) للإجابة عن الأسئلة التالية:
ما هو إجمالى الإنفاق على الصحة؟.. من أين تأتى الموارد الصحية؟.. من يتحمل فاتورة تمويل الخدمة الصحية (الحكومة، التأمين، الأسر والأفراد، المنظمات غير الحكومية)؟... ما هى السلع والخدمات التى يتم شراؤها بهذه الموارد (علاجية، وقائية، أدوية.. إلخ)؟... أين تذهب هذه الموارد؟ وصف مصادر الإنفاق العام والخاص ومساراته داخل النظام الصحى، وجهات إدارته.. ما هى الاتجاهات الرئيسية؟.
يمكن تقسيم الإنفاق على الصحة إلى الآتى:
الإنفاق الخاص، ويشمل كلا من الإنفاق من الجيب على الخدمة الصحية (المستشفيات ورسوم كشف الطبيب)، والمدفوعات الإضافية فى التأمين، والإنفاق من الجيب على الدواء.
الإنفاق العام الحكومى، يمثل ما تخصصه الخزانة العامة للدولة للرعاية الصحية.
الإنفاق التأمينى على الرعاية الصحية، ما يدفعه المواطنون كاشتراكات وقسم تدفعه الخزانة العامة للدولة.
وزارات أخرى تقدم خدمات صحية.
• • •
فى هذا السياق، فإن آخر مسح ــ منشور ــ عن «الحسابات القومية للصحة» فى مصر رصد أن الإنفاق الشخصى (من الجيب) على الصحة قد وصل 72%. والنسبة الأكبر من الإنفاق الشخصى (OOP) تذهب للدواء (الصيدليات). وتمثل النفقات الصحية الحكومية ما يقرب من ثلث إجمالى الإنفاق الصحى.
على الرغم من أن إجمالى الإنفاق الصحى كعدد مطلق آخذ فى الازدياد، فإن إجمالى الإنفاق الصحى كنسبة مئوية من الناتج المحلى الإجمالى ينخفض، ونتيجة لانخفاض مستوى الاستثمار العام على الصحة عبر العقود الأخيرة، أدى ذلك إلى ارتفاع مستويات الإنفاق الشخصى من الجيب على الصحة، والذى أدى إلى تعزيز هيمنة القطاع الخاص على قوى السوق، وإضفاء طابع تجارى عام على الخدمات الصحية.
قانون التأمين الصحى الشامل بالأساس محاولة لتحقيق المساواة فى الوصول للخدمات الصحية، وإصلاح الخلل فى هيكل الإنفاق الصحى، وأيضا لتحقيق المساواة فى تحمل عبء الإنفاق على الصحة، بدلا من الوضع الحالى الذى يتحمل فيه المواطنات والمواطنون العبء الأكبر فى تمويل الخدمة الصحية.
من المفترض أن قانون التأمين الصحى الشامل من خلال طرق التمويل الثلاث (تحصيل اشتراكات، وما تخصصه الخزانة العامة للدولة، والضرائب التى تأتى من الصناعات الضارة للبيئة أو السجائر earmarked tax)، يكون أداة لتقليل نسبة الإنفاق المباشر من الجيب لتصل إلى 10%، وهى مهمة صعبة للغاية وتحدٍ أمام قانون التأمين الصحى الشامل، أن يقل الإنفاق الشخصى من الجيب من60 ــ 70% إلى 10% خلال الـ15 عاما القادمة لأن هذا يحتاج لثلاث خطوات أساسية: يستلزم زيادة مخصصات الصحة من الخزانة العامة للدولة، وكفاءة فى تحصيل الاشتراكات من القادرين، وشفافية ومساءلة فى مراقبة الإنفاق على الصحة فى التأمين الصحى الشامل الجديد.
فى الخلاصة، هناك حاجة إلى التأكيد على ضرورة تحسين الشفافية فيما يتعلق بنشر المعلومات عن الأموال المخصصة للصحة فى الموازنة العامة ومساراتها، وما تم جمعه من أموال للتأمين الصحى الشامل الجديد وكيف أنفق، خصوصا أن بعض موارد صندوق التأمين الجديد يتم تحصيلها فعلا على المستوى القومى. والقيام ببحث جديد للحسابات القومية للصحة لأن آخر حسابات مرت عليها عشر سنوات.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved