ماذا فعل الرئيس فى عام؟

أحمد عبدربه
أحمد عبدربه

آخر تحديث: الأحد 24 مايو 2015 - 9:14 ص بتوقيت القاهرة

بحلول الأسبوع القادم يكون رئيس الجمهورية الحالى المشير عبد الفتاح السيسى قد أمضى عاما كاملا فى السلطة، وهى ربع المدة الأولى المخصصة له وفقا لدستور ٢٠١٤. حينما وصل السيسى إلى السلطة كان هناك فريق يعقد آمالا كبيرة عليه باعتباره المنقذ كما روجت بعض النخب، بينما كان هناك فريق ثان يستعد لجولة جديدة من الصراع ضده باعتباره المسئول الأول عن عزل الرئيس السابق محمد مرسى، فيما كانت تيارات ثالثة تتأرجح بين الترقب والأمل فى انتظار انحيازات وسياسات الرئيس الجديد.

•••

جاء السيسى إلى السلطة برهانيين رئيسيين، الأول أنه رجل الدولة القوى القادر على فهم خباياها ومن ثم إصلاحها، والثانى أنه سيحقق استقرارا اقتصاديا وأمنيا يحفظ هيبة الدولة ويرفع من مستوى معيشة المواطن حتى لو كان ذلك على حساب الديموقراطية. فى السطور القليلة القادمة أضع عناوين لأهم ملامح مصر فى العام الأول من حكمه:

• الرئيس أولا وأخيرا: لعل أهم ملامح هذا العام كانت هيمنة شخصية السيسى على المشهد السياسى، فلا لاعب سياسيا (رسميا على الأقل) غيره. حرص الإعلام ونخبه المثقفين على الاستمرار فى تصوير السيسى باعتباره البطل المنقذ والمخلص، وعادت معادلة مبارك فى انتقاد الحكومة بل وسلخها مع عدم الاقتراب من الرئيس، غابت المؤسسة التشريعية، تعطل العمل الحزبى، ولم يعد فى المشهد سوى الرئيس.

• تأميم السياسة: استمر تأميم السياسة فى مصر طوال هذا العام، فالبرلمان تم تغييبه، والأحزاب على ضعفها تم حصرها فى معادلة الوطنية لا فى معادلة الديموقراطية والتعددية، سيطر الرئيس على التنفيذ والتشريع. تم تسييس العدالة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وغابت الرقابة والنيابة الشعبية على كل المستويات وتم منع التظاهرات والإضرابات وأى أعمال متعلقة بالحراك السياسى والسماح فقط بالزفات الشعبية المؤيدة للنظام ومؤسساته.

• وأد التيارات الإسلامية: معادلة الرئيس واضحة، بخلاف المعادلات المتأرجحة للسادات ومبارك فيما يتعلق برؤية التعامل مع التيارات الإسلامية، فالسيسى وربما آخرون خلف الستار اتخذوا قرارا بإعادة معادلة الخمسينيات بالتخلص من التيارات الإسلامية وتجفيف منابعها تنظيميا وماليا وفكريا بل وجسديا.

• القضاء على الآثار السياسية ليناير: رغم أن خطاب توليه السلطة كان مليئا بالتطمينات لثوار يناير، إلا أن السياسات الفعلية على الأرض قامت بمعاداة كل الفاعلين المعبرين عنها، بدءا من محاصرة الأحزاب بقوانين انتخابية فاسدة غير دستورية مرورا بالحملات الدعائية لتشويه وتخوين المعارضين وصولا إلى قتل وسجن الثوار بقوانين غير دستورية.

• تحنيط الدستور: تم تحنيط دستور ٢٠١٤، سواء بتشريع قوانين رئاسية مخالفة للنصوص الصريحة فى الدستور، أو بمحو الآثار الفعلية لباب الحقوق والحريات فى الدستور، أو بالتلاعب بالإجراءات المؤسسية التى رتبها الدستور لاستكمال خارطة الطريق، ولا يخالجنى أى شك أن الخطوة التالية ستكون تعديل الدستور للتخلص من أى مواد مقيدة لسلطة الرئيس بشكل عام أو مدعمة للحراك والتعددية بشكل خاص.

• الانحياز للعقلية الأمنية: مازال يغيب عقل سياسى عن قصر الاتحادية، لصالح تمكين العقليات الأمنية من المشهد بالكامل. لم يعد هناك تخطيط سياسى، فقط تخطيط أمنى تصادمى لا يعبئ بالتفاوض أو الحوار أو التمهيد فى ظل عسكرة كاملة للدولة بتأييد وتهليل معظم النخب المدنية.

• أبوية سياسية ومجتمعية: خلال العام الماضى لم يتصرف الرئيس كمسئول فى الدولة، ولكن كأب للدولة والشعب. خطاب الرئيس، والذى دخل عليه منحى جديد ذكى بجعله خطابا شهريا، أصبح يخاطب الشعب كأبناء لابد من احتضانهم والحنو عليهم، وأصبح يتعامل مع الأحزاب السياسية لا كمنافسين محتملين على السلطة، ولكن كجنود فى معركة إنقاذ الوطن. فهذا خطاب يطالب الأحزاب بالتكاتف من أجل إنقاذ مصر، وهذا اجتماع لحث الأحزاب على التحالف «الوطنى» وتلك مقابلة لإجراء مصالحة بين أعضاء الحزب.

• إسلام قومى، مسيحية وطنية: قدم الرئيس نفسه خلال العام المنصرم كمصلح دينى، قال ذلك بكل ثقة وبدون مواربة وهو لا يعنى فقط أن السياسة لن تنفصل عن الدين، ولكن سيكون الدين أداة من أدوات السياسة، وستكون الأخيرة فى قلب الدين وعقله وخطابه. عكست تصريحات رسمية للأزهر الشريف ولرأس الكنيسة المصرية هذا المنحى ترحابا وتقديرا لدور الرئيس فى عملية الإصلاح الدينى.

• نخبة جديدة: حرص الرئيس على تقريب نخب جديدة مدنية منه، هى خليط من إعلاميين وكتاب وأكاديمين فى متوسط العمر، تبنوا فى معظمهم خطاب الرئيس، بل ولغة وإشارات جسده، وتحولوا إلى أدوات لنشر خطابه وأفكاره مسخرين علمهم ومهاراتهم لما يعتبرونه مهمة وطنية لإنقاذ الدولة الوطنية، وتحت هذا العنوان المتشنج تأتى التبريرات الفجة للقمع والشمولية.

• عام الإرهاب: تزايدت العمليات الإرهابية بشكل غير مسبوق خلال العام الأول لتولى الرئيس وغيرها من الأعمال التخريبية التى استهدفت البنية التحتية وخاصة أكشاك الكهرباء ومحطات المياه، كما استمر التطور النوعى للعلميات الإرهابية فى مصر وبخاصة فى شبه جزيرة سيناء حيث تم استهداف وحدات للجيش ومراكز الشرطة، فيما أصبح الصراع مفتوحا بعد لجوء الجيش إلى «تصفية» الإرهابين «ثأرا» لدم المصريين وهى مصطلحات تمثل تطور نوعى فى لغة الخطاب الرسمى. وحتى الآن فإن اللجوء إلى سياسة التهجير أو التحالف مع القبائل السيناوية لمواجهة الإرهاب لا يبدو فاعلا.

• المؤامرة أولا.. حقوق الإنسان أخيرا: لوحظ أيضا أن الرئيس خلال هذا العام قد تحدث فى أكثر من مناسبة عن «المؤامرة» التى تتعرض لها مصر، وإن كان الحديث عن المؤامرة هو ملمح فى الخطاب السياسى لكل رؤساء مصر بلا استثناء، فإن السيسى قد تميز على الجميع بتسمية المؤامرة وذلك حينما أشار مرتين فى خطبه السياسية إلى ما يعرف بـ«حروب الجيل الرابع» دون أن يسمى أطراف بعينها أو يحدد سبل المواجهة. وفى مقابل ذلك كان هناك تدهورا شديدا فى حقوق الإنسان وعادت أخبار التعذيب والسحل من جديد لترتبط ببعض أقسام الشرطة، وقد ظهر جليا لجوء بعد المسئولين فى وزارتى الداخلية والخارجية تحديدا إلى تبرير الانتهاكات بالأوضاع الاستثنائية التى تتعرض لها مصر.

• تغيرات عميقة بتوجهات السياسة الخارجية: تغيرت توجهات السياسة الخارجية المصرية بوضوح خلال العام الأول للسيسى، ففى ظل تهديدات واضحة ومتعاظمة للأمن القومى المصرى من كل المنافذ الحدودية تقريبا وفى ظل تعاظم تهديد داعش أولا باستقطاب شباب مصرى فى الداخل والخارج، وثانيا بتوجيه ضربات مباشرة للمصرين بالخارج (حادثة مقتل المصريين فى ليبيا بدم بارد على يد عصابات داعش) وثالثا بمحاولة صنع دولة إسلامية تهدد المفهوم المستقر عليه للدولة القومية فى صلح ويستفاليا، لجأ الرئيس إلى توجيه ضربات عسكرية مباشرة إلى قواعد داعش فى ليبيا، وشارك فى عاصفة الحزم على الحوثيين فى اليمن، واتجه شرقا نحو موسكو وبكين وفى نفس الوقت تمكن بمهارة من مقايضة الولايات المتحدة بحفظ الاستقرار ومواجهة الإرهاب باستئناف الدعم العسكرى، كما أظهر اهتماما متزايدا بإفريقيا وخاصة بدول حوض النيل إلا أن الأمر بقى فى إطار التوافقات حول المبادئ مع ترحيل الحلول الجذرية إلى أجل غير مسمى، كما حافظت مصر على علاقاتها المتميزة بدول الخليج باعتبارها الداعم الإقليمى الأكبر لمصر منذ ٣٠ يونيو، إلا أن علامات استفهام تشوب مستقبل العلاقات المصرية السعودية وقطعا سيكون لها تأثيرا مستقبليا.

• اقتصاد الأرقام الكبرى والمشاريع العملاقة: حتى الآن لم يحدث تطور كبير فى الوضع المعيشى للمصريين فى ظل وعود كبيرة بتحسن الأوضاع فى المستقبل، لكن من الواضح اعتماد الرئيس على سياسة المشاريع الكبرى العملاقة، والأضواء المبهرة، والأرقام التجميعية الكبرى دون الالتفات إلى الفرق مجددا بين النمو والتنمية، بين محدودية تأثير حسن التنظيم والإشادة العالمية فى ظل غياب خطط للتنمية المستدامة وأليات للمحاسبة والشفافية.

•••

عناوين كثيرة وتفاصيل أكبر لم تتمكن تلك السطور المحدودة من رصدها، لكن مصر تتغير بشدة فى تقديرى للأسوأ وفى تقدير غيرى للأفضل، هناك من يرى أن ما يحدث حتمى، وهناك من يرى أن ما يحدث مؤقت وسيزول، وتقديرى فى كل الأحوال أن مصر بعد ٤ سنوات من الآن لن تكون أبدا مصر التى نعرفها وتربينا فيها، ستكون مصر أخرى، فتحت يناير باب التغيير فى مصر إلى الأبد وعلينا أن نؤهل أنفسنا لذلك.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved