محددات انتقال الطاقة

مدحت نافع
مدحت نافع

آخر تحديث: الإثنين 24 مايو 2021 - 7:20 م بتوقيت القاهرة

انتشرت فى الآونة الأخيرة مصطلحات جديدة باتت تترك أثرا على قرارات الاستثمار فى الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الأوروبى بصفة خاصة. وقد اعتدت عزيزى القارئ أن أشاركك أفكارى وملاحظاتى عن كل ما هو جديد فى عالم التمويل والمنتجات المالية ذات الاتصال المباشر بالاقتصاد الحقيقى. انتقال أو تحوّل الطاقة Energy transition هو أحد تلك المصطلحات التى أفردت لها مؤسسات التمويل الدولية والعديد من بنوك الاستثمار الخاصة مؤتمرات وورش عمل واسعة المشاركة.
المقصود بانتقال الطاقة هو الاتجاه العالمى بالتحوّل من إنتاج واستهلاك الطاقة المولّدة باستخدام الوقود الأحفورى متمثلا فى النفط والغاز الطبيعى والفحم، إلى مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وبطاريات الليثيوم أيون ذاتية الشحن.
التوسّع فى استخدام مصادر الطاقة المتجددة، ومساهمتها المتزايدة فى مزيج الطاقة المعروض، جنبا إلى جنب مع زيادة الاعتماد على الكهرباء كبديل للوقود، والتحسّن فى تكنولوجيا تخزين الطاقة... كل ذلك كان من إرهاصات عملية انتقال الطاقة فى هذا القرن. لكن يظل المحدد الأهم لتلك العملية مشروطا بتوفير التمويل والحوافز المشجّعة على الاستثمار فى بدائل الطاقة المتجددة، والتى تتطلب الكثير من تكاليف البحث العلمى والتوعية، بالإضافة إلى التكلفة الرأسمالية العالية لتكنولوجيا توليد الطاقة المتجددة، من ذلك مثلا تكلفة إنشاء محطة توليد كهرباء باستخدام الألواح الشمسية الفوتوفولتية solar photovoltaic (PV) power plants.
***
الإقبال الكثيف على شراء أسهم وسندات وعقود الشركات التى تراعى اعتبارات البيئة ساهم فى توفير التمويل المطلوب لتطوير التكنولوجيا المنتجة للكهرباء باختلاف أنواعها، وساعد على تخفيض تكلفة الإنتاج على نحو مبهر. خلال الفترة الزمنية بين عامى 2010 و2019 تراجعت تكاليف إنتاج الطاقة باستخدام الخلايا الشمسية الفوتوفولتية بنحو 82%! وتراجعت تكلفة إنتاج الطاقة الشمسية المركّزة CSP بنحو 47% وتكلفة الإنتاج فى مزارع الرياح المختلفة بين 29%ــ40% خلال ذات الفترة.
فى العام 2019 بلغت تكلفة إنتاج كيلووات ساعة من الكهرباء المولّدة للمنافع (utility scale) باستخدام الألواح الفوتوفولتية أقل من 7 سنت أمريكى (مستهدف 3 سنت بحلول عام 2030 دون تقديم أى حوافز حكومية)، بينما بلغت تكلفة ذات الوحدة المولّدة من الكهرباء عبر طاقة الرياح داخل الحدود وخارجها ما يعادل 5 سنت و11 سنت أمريكى على التوالى. ولا تزيد تكلفة الطاقة الشمسية المركزة فى العام 2019 على 18 سنت أمريكى/ ك.و.س. وذلك مع اتجاه مستمر فى تراجع التكلفة طوال العقد الماضى كله دون استثناء.
وقد قدّرت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة IRENA الوفر المتوقع تحقيقه نتيجة الانتقال من استخدام الفحم فى محطات الكهرباء الأعلى تكلفة (بطاقة إنتاجية تبلغ إجمالا 500 جيجاوات) إلى استخدام بدائل الطاقة الشمسية بنحو 23 مليار دولار سنويا. كذلك يحقق هذا الانتقال الأخضر خفضا سنويا فى الانبعاثات الكربونية مقداره 1.8 جيجا طن بما يعادل 5% من إجمالى الانبعاثات الكربونية عالميا للعام الماضى. كما توقّعت الوكالة الدولية أن يشهد العام 2021 ارتفاع تكلفة «تشغيل» محطات الكهرباء بالفحم بإجمالى طاقة 1200 جيجاوات عن تكلفة «إنشاء» محطة طاقة شمسية كبيرة بتكنولوجيا الألواح الفوتوفولتية، مما يشجّع على ضرورة الإقدام على التخلّص من تلك المحطات الملوثة للبيئة على وجه السرعة. مع ذلك تظل الحوافز المالية المرتبطة بتكاليف إنشاء محطات الطاقة الشمسية ومزارع الرياح من أهم عناصر تحقيق انتقال الطاقة، خاصة بعد انقشاع جائحة كورونا وإحصاء الأطراف المختلفة لخسائرهم.
تشير تنبؤات الوكالة الدولية للطاقة إلى أن إمكانات توليد الطاقة عبر المصادر المتجددة سوف تزيد بمعدل 50% خلال الفترة من العام 2019 والعام 2024. واستجابة لهذا التحوّل فقد بدأت منشآت المرافق العامة تتجه بعيدا عن استخدام الفحم فى إنتاجها للطاقة، وتمكنت الحركة المناهضة لارتفاع حرارة الأرض من الضغط لتكهين العديد من المحطات العاملة بالفحم وإحلالها بمحطات جديدة منخفضة البصمة الكربونية. وإذ يتوقع البعض تباطؤ هذا الاتجاه بسبب المتغيرات الحالية وتداعيات الجائحة، فإن شركات النفط قد بدأت بالفعل فى رفع مستوى الإنفاق على تخفيض الانبعاثات الكربونية وتنويع مصادر الطاقة، استجابة للضغوط العالمية الناشئة عن تصاعد وتيرة القلق من مخاطر التغير المناخى والاحتباس الحرارى.
***
الطلب المؤسسى على منتجات الطاقة المتجددة انتظم فى إطار مبادرات دولية مختلفة منها مثلا مبادرة RE100 coalition التى انضمت إليها شركات كبرى التزمت بالتحوّل إلى مصادر الطاقة المتجددة بنسبة 100% من استهلاكها، ومبادرة «تحالف مشترى الطاقة المتجددة» التى أطلقها ما يزيد على ثلاثمائة شركة كبرى منها فيسبوك، جوجل، وول مارت، وجنرال موتورز... إلى غير ذلك من مبادرات اتخذت من أهداف التنمية المستدامة التى أطلقها البنك الدولى عام 2015 إطارا جامعا.
والاستدامة هى تحسين نوعية الحياة البشرية للوفاء باحتياجات الوقت الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتها، بما يتطلبه ذلك من التوفيق بين المطالب الاجتماعية والبيئية والاقتصادية، وهى الركائز الثلاث للاستدامة. وتزداد أهمية تحقيق الاستدامة فى أسواق المال، لما لها من قدرة على توفير التمويل المستدام، خاصة عندما نعلم أن تكلفة تمويل أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030 تتراوح بين 3.3 تريليون دولار و4.5 تريليون دولار سنويا من النفقات الحكومية والاستثمارات والمساعدات، وهو ما تعمل أسواق المال المختلفة على توفيره باستخدام مختلف المنتجات المالى الخضراء.
وقد شهدت أسواق الأوراق المالية عالميا اهتماما متزايدا بتطبيق معايير الاستدامة فى ممارسات الفاعلين الرئيسيين فى السوق خلال العقد الماضى، وهو ما دفع البورصات إلى حث الشركات المقيدة على تفعيل ودمج معايير الاستدامة فى استراتيجيتها، خاصة المعايير المرتبطة بممارسات الحوكمة، والممارسات البيئية والمجتمعية (ESG)، حيث ترتبط هذه الممارسات ارتباطا وثيقا بالاستثمار المسئول.
وفى البورصة المصرية كانت هناك العديد من محاولات إطلاق السندات الخضراء والتى يمكنها أن تلعب دورا فاعلا فى تمويل مشروعات التحوّل إلى الطاقة المتجددة بتكاليف مقبولة. وقد استقر الرأى على أهمية البدء بالسندات الخضراء السيادية قبل طرح أية سندات للشركات من هذا النوع. وقد صرّح وزير المالية المصرى الدكتور محمد معيط العام الماضى عشية إطلاق أول سندات سيادية خضراء بقيمة 500 مليون دولار، بأن مصر لديها محفظة من المشروعات الخضراء المؤهلة بقيمة 1.9 مليار دولار، منها 16% لمجال الطاقة المتجددة، و19% للنقل النظيف، و26% للإدارة المستدامة للمياه والصرف الصحى، و39% للحد من التلوث والسيطرة عليه. والآمال معقودة على المستثمرين المسئولين داخل مصر وخارجها، من أجل مزيد من الاكتتاب فى هذا النوع من السندات، حتى تنخفض الكوبونات (الفوائد) المستحقة عليها، ومن ثم تنخفض تكلفة تمويل هذا النوع من المشروعات التى تعود بالنفع على جميع سكان الأرض.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved